عزل النائب العام السابق باطل

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۳۹۶
تأريخ النشر:  ۰۶:۴۰  - الخميس  ۲۸  ‫مارس‬  ۲۰۱۳ 
وجّه القضاء المصري، أمس، ضربة قويّة للرئيس محمد مرسي، حيث ألغت محكمة استئناف القاهرة قراره بعزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود من منصبه، وتعيين المستشار طلعت عبد الله خلفاً له.
في خطوة قد تفتح سجالاً جديداً بين مؤسسة الرئاسة والسلطة القضائية في مصر، وقد تعطي دفعاً معنوياً للمعارضة المدنية في صراعها ضد نظام «الإخوان المسلمين».

واعتبرت محكمة استئناف القاهرة (دائرة طلبات رجال القضاة) أن إجراءات عزل عبد المجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت عبدالله خلفاً له، يخالف الدستور وقانون السلطة القضائية، موضحة أن الدستور ينص على عدم جواز عزل النائب العام، كما أن قانون السلطة القضائية يلزم مجلس القضاء الأعلى بترشيح من يتولى منصب النائب العام.

وقال المستشار في محكمة استئناف القاهرة المستشار سناء خليل إن المحكمة قضت ببطلان قرار الرئيس بعزل محمود، وأمرت وزير العدل بإعادته إلى المنصب.
أزمة النائب العام .

وبدأت أزمة إقالة النائب العام في الحادي عشر من تشرين الأول العام 2012، حين أصدر مرسي قراراً بتعيين عبد المجيد محمود سفيراً لمصر لدى الفاتيكان، وهو ما رفضه النائب العام، مبدياً تمسكه بالبقاء في موقعه، ومتهماً وزير العدل أحمد مكي ورئيس الجمعية التأسيسية للدستور حسام الغرياني بممارسة ضغوط شديدة عليه. وفي الثالث عشر من تشرين الأول، تراجعت الرئاسة المصرية عن قرارها، بعدما قاد «نادي القضاة» حراكاً احتجاجياً على عزل محمود.

لكن مرسي فاجأ الجميع في الحادي والعشرين من تشرين الثاني، عندما اصدر إعلاناً دستورياً تضمن عزل محمود وتعيين نائب رئيس محكمة النقض طلعت ابراهيم عبد الله مكانه، ما أثار احتجاجات واسعة من قبل المعارضة والجسم القضائي، تمثّل في تنفيذ إضراب عام واسع النطاق، ورفض عدد كبير من القضاة الإشراف على الاستفتاء على الدستور الجديد (كانون الأول 2012).


وفي السابع عشر من كانون الأول، طلب النائب العام الجديد إعفاءه من منصبه، والعودة إلى منصة القضاء، بعدما دخل عدد كبير من قضاة النيابات العامة في اعتصام مفتوح أمام مكتبه، لكنه سرعان ما عاد عن خطوته هذه.


وكان المستشار محمود تقدم في السابع والعشرين من تشرين الثاني بدعوى قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء في محكمة الاستئناف، مستنداً في دعواه إلى أن قانون السلطة القضائية ينص على «عدم قابلية عزل النائب العام، إلا بتقديمه استقالته أو في حالة وفاته أو بلوغه السن القانونية للتقاعد».


ودفع محمود، الذي شغل منصب النائب العام لمدة خمس سنوات خلال حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وخلال فترة حكم المجلس العسكري للبلاد (شباط 2011 - حزيران 2012)، بأن مرسي بقراره هذا «تغوّل على السلطة القضائية، وأهدر مبادئ استقلال السلطة القضائية والفصل بين السلطات».


وفي أول تعليق له على الحكم، قال المستشار عبد المجيد محمود لـ«السفير» إن «الحكم دليل دامغ على نزاهة القضاء المصري واستقلاله، ويؤكد أن القضاء المصري لا يزال بخير، برغم كافة الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرض لها من قبل السلطة التنفيذية».


وحول احتمال عودته إلى منصبه، قال عبد المجيد «حتى الآن لم أطلع على أسباب الحكم أو حيثياته، ولا أعرف إذا كان يقضي بعودتي إلى منصبي أم لا».
نائبان عامان؟


وتبقى احتمالات عودة عبد المجيد محمود إلى منصبه مثار جدل، قد يتصاعد خلال الأيام المقبلة، باعتبار أن حكم محكمة الاستنئاف يواجه تناقضاً في النصوص الدستورية.
وتنص المادة 173 من الدستور المصري الجديد الذي صاغته جمعية تأسيسية سيطر عليها الاسلاميون على أن «يتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات»، وهو ما لم يتم تفعيله بعد.


أما المادة 235 من الدستور الجديد فتقضي بأن «تلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من فبراير العام 2011 وحتى تاريخ العمل بالدستور، ويبقى نافذا ما ترتب عليها من آثار في الفترة السابقة». وهكذا تحصّن هذه المادة الاعلان الدستوري الذي أصدره مرسي وعزل به النائب العام السابق من منصبه.
وبذلك، فإن التناقض بين المادتين، قد يكون مقدمة لصراع جديد على خلفية قرار محكمة الاستئناف، وهو ما بدأ يظهر بالفعل في ردود الفعل التي أعقبت صدور هذا القرار.


وبدا الإرباك واضحاً لدى القائمين على مكتب النائب العام، فقد رفض المتحدث باسم النيابة العامة المستشار مصطفى دويدار «التعليق على احكام القضاء»، باعتبار أن «هيئة قضايا الدولة هي المخوّلة بالأمر»، مؤكداً أن «الحكم لن يكون نهائيا الا بمرور مدة الطعن عليه من دون تقديم طعون أو برفض الطعون، في حين أكد رئيس المكتب الفني للنائب العام المستشار حسن ياسين أن «النائب العام باق في منصبه وفقا للدستور المستفتى عليه».


وقال عضو الاتحاد الدولي للمحامين خالد أبو بكر إن محكمة الاستئناف «رأت أن قرار مرسي لا يتفق مع صميم قانون السلطة القضائية ولذلك حكمت بعودة المستشار عبد المجيد إلى منصبه».
وأوضح أبو بكر «نحن امام عقبة كبيرة... حكم محكمة واجب النفاذ واعلان دستوري محصّن». ورأى أبو بكر أن «حل هذه الازمة يتمثل في قرار من محكمة أعلى مثل المحكمة الدستورية العليا يفصل بين قرار المحكمة من جهة وتحصين الإعلان الدستوري من جهة أخرى». وتابع «الاثنين نائب عام» حالياً، في إشارة إلى عبد المجيد محمود وطلعت عبدالله.


في المقابل، أشار مساعد وزير العدل هشام رؤوف لـ«السفير» إلى أن الحكم لا صلة له بعودة المستشار عبد المجيد محمود إلى منصبه، موضحاً أن الدعوى التي أقامها النائب العام المقال «تضمنت عدة طلبات من بينها عودة المستشار عبد المجيد محمود إلى منصبه وإلغاء الإعلان الدستوري، إلا أن الحكم رفض هذه الطلبات، وخرج منطوقه فقط بإلغاء القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 المتضمن تعيين النائب العام المستشار طلعت عبدالله وما يترتب عليه من أثار، وقد رفضت المحكمة باقي الطلبات المتعلقة بعودة المستشار عبد المجيد محمود لمنصبه وإلغاء الإعلان الدستوري».


لكن المحامي عبد الله خليل اختلف مع ما قاله ممثل وزارة العدل، إذ شدد على أن «من حق المستشار عبد المجيد محمود التوجه (اليوم) إلى مكتبه في دار القضاء العالي ليتولى مباشرة مهام منصبه طبقاً للقانون»، وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار محمد حامد الجمل، الذي قال إن الحكم قائم على أن «الإعلانات الدستورية التي قام عليها تعيين المستشار طلعت عبد الله وإقالة المستشار عبد المجيد محمود لا تمت إلى الدساتير بصلة»، مشدداً على أن «رئيس الجمهورية خالف قانون السلطة القضائية في قراراته».


إجراءات الطعن... وجهة التنفيذ
ولهيئة قضايا الدولة التي تمثل السلطة التنفيذية أمام المحاكم أن تطعن على الحكم خلال 60 يوما من صدوره. وقال وكيل هيئة قضايا الدولة سامح سيد «ننتظر ورود أسباب الحكم لدراستها وتحديد الموقف من الطعن»، وهو موقف يتسق مع إعلان الرئاسة المصرية أنها تنتظر الاطلاع على حيثيات الحكم لتتخذ في ضوئه الإجراءات المناسبة.
ويبقى السؤال حول الجهة المخوّلة تنفيذ الحكم، وهنا يظهر دور مجلس القضاء الأعلى المنوط به الفصل بخصومات رجال القضاء.


«السفير» توجهت بالسؤال إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار محمد ممتاز متولي، فكان رده: «نحن أمام حكم محكمة وليس هناك سبيل سوى تنفيذه، ثم أضاف مستدركاً «لم أطلع حتى الآن على الحكم أو اسبابه لسفري خارج البلاد»، مشيرا إلى أنه بمجرد عودته سيجتمع المجلس لبحث الأمر.


«الإخوان»
وكان لافتاً بالأمس أن أعضاء اللجنة القانونية في جماعة «الإخوان المسلمين» خرجوا فى الصحف والفضائيات للتأكيد على أن عودة النائب العام السابق مستحيلة طبقا للدستور الجديد.
محامي «الإخوان» عبد المنعم عبد المقصود اعتبر أن «الحكم يزيد المشهد السياسي ارتباكاً». وأوضح أن «الحكم اصطدم في ظاهره بمادتين في الدستور المستفتى عليه، وهما تحديد ولاية النائب العام بأربع سنوات، وتحصين قرارات رئيس الجمهورية والإعلانات الدستورية».


أما المستشار القانوني لـ«حزب الحرية والعدالة» أحمد أبو بركة فرأى أن «محكمة الاستئناف ليست جهة مختصة للنظر في الدعوة المقامة ضد قرار رئيس الجمهورية بإقالة النائب العام السابق»، مشدداً على أن «الحكم لن يؤثر على النائب العام الحالي، وهو باق في عمله، وفقا لقرار الرئيس الجمهورية، كما أن عودة عبد المجيد أمر مستحيل، والحلّ القانوني الأمثل هو أن تقدم المحكمة تعويضاً مادياً أو معنوياً».


المعارضة
في المقابل، شددت المعارضة المصرية، ممثلة بـ«جبهة الانقاذ»، على ضرورة تنفيذ قرار محكمة الاستئناف، بحسب ما جاء في بيان صدر في أعقاب اجتماع لقياداتها في مقر «حزب الجبهة».
وتقول المعارضة إن عبدالله ليس نائبا عاما شرعياً أو مستقلا، وتتهمه بمحاباة رئيس الجمهورية وجماعة «الاخوان المسلمين»، مستندة في ذلك إلى تحريكه العديد من الدعاوى ضد ناشطين وإعلاميين وسياسيين معارضين لمرسي.


السياسي عمر حمزاوي اعتبر، في تدوينة على موقع «تويتر»، أن «إلغاء استئناف القاهرة لقرار رئيس الجمهورية إقالة النائب العام دليل جديد على ضرورة إزالة كافة آثار إعلان مرسي الاستبدادي»، في إشارة إلى الإعلان الدستوري.


بدوره، قال رئيس «نادي القضاة» المستشار أحمد الزند، المعروف بمعارضته الشديدة لسياسيات مرسي إن ما صدر عن محكمة الاستنئاف هو «حكم تاريخي ينتصر لسيادة القانون ويعبّر عن نزاهة القضاء واستقلاله، كما أنه أعاد ألأمور إلى نصابها الصحيح»، مشدداً على أن «عزل المستشار عبد المجيد محمود مخالف للقانون والدستور». وتابع «ربنا نصرنا كما نصرنا في معارك سابقة وكما سينصرنا في معارك لاحقة».
رأیکم