سياسة الكرتون: روبرت مردوخ، اللوبي المؤيد لاسرائيل وجرائمها... بقلم دايفيد كرومويل

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۳۷
تأريخ النشر:  ۱۷:۲۱  - الأربعاء  ۱۳  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۳ 
يعتبر شجب الانتقادات العقلانية للدولة الاسرائيلية كدولة "معادية للسامية" أحد العناصر المصيرية في لعبة اللوبي السياسي المؤيد لاسرائيل. وعلى ضوء ذلك تحول الرسم الكاريكاتوري الأخير لجيرالد سكارف في صحيفة الصنداي تايمز إلى هدف ملائم لإشعال فتيل الغضب .
لاسيما وقد قام سكارف بتصوير رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يستخدم إسمنتاً ممزوجاً بالدم في بناء جدار تتخلله جثث فلسطينيين عالقين في الجدار يمثلون شتى أنواع العذاب وكتب عليه "الانتخابات الاسرائيلية، هل سيستمر الدفع نحو عملية السلام ؟"
حيث فاز حزب نتنياهو لتوه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في اسرائيل. وبناء على ذلك، كان من الواضح أن الجدار كان رمزاً إلى "الجدار الفاصل" الذي تدعي اسرائيل بأنها قامت ببنائه لحماية مواطنيها من هجمات الفلسطينيين إلا أنه في حقيقة الأمر تم بنائه بطريقة تدعو للسخرية للاستيلاء على المزيد من الأراضي لتوسيع حدود اسرائيل.
فمن الواضح أن الكاريكاتير كان قوياً لا بل حتى مثيراً للاشمئزاز. غير أن سكارف الذي  لطالما حظي بشهرة واسعة لرسوماته السياسية وخاصةً رسمه لغلاف الألبوم الكلاسيكي لفرقة بينك فلوين "الجدار"، والذي لطالما حظي أيضاً بتاريخ طويل من الرسوم الكاريكاتيرية الفظة والوحشية التي غالباً ما كانت تصور الدماء ؛ حاول أن يقدم لنا وجهة نظر سياسية واضحة حول معاملة اسرائيل الوحشية للفلسطينيين وحول التوسع الاستعماري اللامحدود للدولة الاسرائيلية وكل ذلك في ظل  "عملية السلام" الأسطورية .
وعلى إثر ذلك قدم مجلس اليهود البريطانيين، الموالي لاسرائيل بشدة والمرتبط بمصالح الدعاية الصهيونية والداعم للهجمات الاسرائيلية على غزة، شكوى إلى مفوضية الشكاوى الصحفية زاعمين "أن الرسم الكاريكاتيري يذكر بشكل صادم برسوم التحريض على سفك الدماء والتي لطالما وجدت في قطاعات من الصحافة العربية المعادية للسامية بشدة ". فهذه هي أسطورة اليهود في العقود الوسطى حول قيام اليهود بقتل الأطفال واستخدام دمائهم في مناسباتهم الدينية .
هذا وأثار الكاريكاتيرالذي تزامن نشره مع ذكرى المحرقة النازية موجة انتقادات واسعة وأثار غضب المجلس وذلك لأنه: "نشرفي يوم إحياء ذكرى تدمير المجتمعات اليهودية من قبل النازيين وحلفائهم في منتصف القرن العشرين."  حيث علق السفير الاسرائيلي في بريطانيا دانييل توب على ذلك بقوله :
"إن تصوير جدار الأمان الاسرائيلي الذي شيد للمحافظة على حياة اليهود والعرب من هجمات الانتحاريين على أنه جدار مبني بدماء وأجساد الفلسطينين هو أمر مشين ولا أساس له من الصحة".
"كما أن استخدام مثل هذه الرسوم الوحشية الذي يكررما قام به أولئك الذين لطالما حاولوا تشويه صورة اليهود في الماضي هو صدمة مؤلمة وخصوصاً في ذكرى المحرقة العالمية، ومع ذلك فإن الكراهية الصريحة والمحضة في هذا الكاريكاتير تجعله غير مقبول على الإطلاق حتى و لو نشر في يوم آخر من أيام السنة."
وفي هذا السياق بعث المتحدث باسم البرلمان الاسرائيلي رؤوفين ريفلين إلى نظيره البريطاني رسالة يعرب فيها عن "سخطه الشديد" من نشر هذا الكاريكاتير.
 والرسالة الموجهة من وراء هذا الامتعاض شديد اللهجة هي: لا يحق لأحد انتقاد اسرائيل .
 
روبرت مردوخ؛ صديق اسرائيل
في بداية الأمر، اتخذت صحيفة الصنداي تايمز موقفاً حازماً. حيث دافعت الصحيفة في ظهيرة اليوم الذي اندلعت فيه العاصفة عن نشر ذلك الكاريكاتير وأنكرت كونه معادياً للسامية و وصفت في تصريح لها رسم سكارف الكاريكاتيري بأنه "جدير بشكل نموذجي" مضيفة:
"لقد استهدف الكاريكاتير نتنياهو وسياسته بشكل أساسي وليس اسرائيل ولا الشعب اليهودي. وقد نشر البارحة تزامناً مع فوز حزب نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية في الأسبوع الماضي."
كما عبر مارتن ايفنز القائم بأعمال رئيس التحرير بقوله :
"إن آخر شيء من الممكن أن أقبل به أنا أو أي شخص آخر مرتبط بالصنداي تايمز هو إهانة ذكرى المحرقة اليهودية أو بالتشهير بالدم ضد اليهود."
إلا أنه سرعان ما تلاشى جدال "الجدارة النموذجية" عندما تدخل مالك الصنداي تايمز لاحقاً في ذلك اليوم، ليصرح عبر حسابه على تويتر :
"لم يعكس جيرالد سكارف يوماً آراء الصنداي تايمز... ولكننا على كل حال، مدينون باعتذار كبير على هذا الرسم الكرتوني البشع  والعدائي".
فلم يلبث مردوخ وقتاً طويلاً ليعلن بأنه "صديق لاسرائيل"، وليقوم بعدها بطرد "القائم بأعمال التحرير" ايفنز بقسوة،  بالرغم من كونه ينسب أصلاً إلى الكتاب المؤيدين لاسرائيل، لكن ربما لأنه تبين أنه لا يمثل الأيدي الأمينة التي يرضى عنها مديره. فما حدث يعتبر استقلالاً مفرطاً في التحرير و"الصحافة الحرة".
لذلك يتوجب على أي شخص في موقع المسؤولية في امبراطوية مردوخ للأخبار، كما في وسائل الإعلام الأخرى بشكل عام، أن يتحمل ضغوطاً كبيرة لتكون مواقفه مواتية تجاه اسرائيل. لاسيما وقد انعكس موقف موردخ الموالي لاسرائيل على  صحيفته وأصبح محرريه على دراية كاملة بأنه يتوجب عليهم اتباع تلك "الآراء المتشددة" التي اقتضت منه وقتاً وضغوطاً كبيرة ليفرضها عليهم .
ففي آذار 2009، كرمت اللجنة اليهودية الأميريكية مردوخ من خلال منحه "الجائزة الوطنية للعلاقات الإنسانية" وذلك بعد أسابيع قليلة من المذبحة الوحشية التي قامت بها القوات الاسرائيلية في غزة في عملية الرصاص المصبوب والتي راح ضحيتها ما يقارب 1400 فلسطيني بينهم أكثر من 400 امرأة وطفل، لكن و بالرغم من كل ذلك كان هذا ما توجه به مردوخ لجمهوره :
"أصدقائي، أنا لا أتظاهر بأن لدي جميع الإجابات لما حدث في غزة هذا المساء إلا أنني أعرف هذا فقط: سيقوم العالم الحر بارتكاب خطأ فادحاً اذا ما خدعنا أنفسنا في التفكير بأن هذه ليست حربنا."
"ففي النهاية الشعب الاسرائيلي يقاتل نفس العدو الذي نقاتله نحن : قتلة متوحشين يقتلون بدم بارد يرفضون السلام ... ويرفضون الحرية ... والذين يحكمون بالحزام الناسف، والسيارة المفخخة والدروع البشرية."
"و لمواجهة مثل هكذا عدو لن انتقد قرارات اسرائيل الحرة في الدفاع عن مواطنيها، لا بل سوف أطلب من جميع أولئك الذين يدعمون السلام والحرية القيام بنفس العمل ."
ولدى قبوله جائزة رابطة التشهير في العام 2010 لدعمه لاسرائيل، ندد مردوخ "بالحرب العالمية المستمرة ضد اليهود" وعبر بوضوح عن ازدرائه الانتقادات التي توجه لاسرائيل :
" عندما يفكر الأميريكيون بمعاداة السامية، فهذا يعيد إلى الذاكرة الرسوم الكاريكاتيرية الفظة والهجمات التي كانت تحصل في العقود الأولى من القرن العشرين."
" يبدو اليوم بأن معظم هذه التيارات المسمومة تنبثق عن اليساريين. وغالباً ما تعطي هذه التيارات الجديدة المعادية للسامية لنفسها الحق في المعاداة المشروعة لإسرائيل ."
هذا وقد عبر سام كيلي المراسل السابق لصحيفة افريقيا تايمز بأنه غادر الصحيفة في عام 2001 بسبب الرقابة الموالية لإسرائيل على تقاريره التي يقدمها عن الشرق الأوسط. وأضاف كيلي بأن العلاقة المقربة بين مردوخ ورئيس الوزراء آنذاك آرييل شارون والاستثمار الإعلامي الضخم الذي قام به في اسرائيل كانا أحد الأسباب وراء استقالتي .
 
حيث علق كيلي على ذلك بقوله :
"في حرب الكلمات، لا يوجد أي صحيفة تسعد بتحيزها إلى طرف واحد بقدر صحيفة التايمز."
وأضاف بأن :
"إذ كان يدب رعب هستيري في قلوب أي محرر للشؤون الخارجية والمدراء المتوسطين عندما كانت تتقدم أي مجموعة من اللوبيات المؤيدة لاسرائيل باعتراض أو شكوى لذلك كانوا يقومون بممارسة الضغط بدورهم على مراسلهم الخاص" .
"فقد أخبرتُ ذات مرة بأنه لا يجدر بي الإشارة إلى "اغتيالات" المعارضين لإسرائيل، ولا عمليات القتل أو الإعدام (بدون محاكمة) الغير قانونية".
"ولم يكن لأي لوبي اسرائيل أن يحلم بإمتلاك مثل هكذا نفوذ على صحيفة وطنية ضخمة."
إذ حرص الموظفون التنفيذيون لدى مردوخ على تجنب إزعاج مديرهم عندما قام كيلي باجراء مقابلة مع وحدة الجيش الاسرائيلي التي كانت مسؤولة عن مقتل طفل فلسطيني في الثانية عشر من عمره، حيث طلبوا منه عدم الإتيان بذكر الطفل المقتول في مقالته .
"و بعد تلك المحادثة، بقيت عاجزاً عن الكلام و لذلك قدمت استقالتي."
و وفقاً لإيزي ليبلر زعيم الجالية اليهودية الاسترالية والذي يعيش الآن في اسرائيل، فإن تعاطف مردوخ مع الدولة الاسرائيلية لم يأت من إحساسه المحافظ بل من تعاطفه الاسترالي الأصل مع المستضعفين لمواجهة الطبقات العليا في المجتمع." وأضاف ليبلر :
"لقد اجتمع مع الاسرائيليين، وأصبح ملكاً لهم، و أصبح يرى اسرائيل كالمستضعف الشجاع في الوقت الذي ينظر لها العالم أجمع كمحتل."
وبذلك نكون قد وثقنا خطر مردوخ وامبراطوريته العالمية للأخبار بشكل جيد. و ألقينا الضوء على نفوذه المستخدم للحد من الانتقادات الموجهة للدولة الاسرائيلية، و ما هو مستخدم حالياً لتعزيز أجندتها هو جزء من هذه الصورة الأكبر . 
 
اعتذار الصنداي تايمز عن "خطأها الفادح"
كتب جوناثان كوك،  الصحفي المستقل المقيم في اسرائيل ملاحظة حول رد الفعل الموالي لإسرائيل المبالغ فيه حول كاريكاتير سكارف وجاء فيها :
"كما تتجدد ذكرى المحرقة اليهودية مرة أخرى، أخذت اسرائيل على عاتقها أن تجعل من هذه المناسبة درساً لتلقنه للعالم، وبالطبع ليس درساً عن الرسالة العالمية من المحرقة بل درساً مفاده بأن اسرائيل تستطيع استغلال منتقديها و كم أفواههم." (فايسبوك، 29يونيو، 2013)
وأشار كوك إلى إحدى فقرات صحيفة هآرتس الإسرائيلية الليبرالية كتبه أنشيل فيفر جاء فيه بأن "صحيفة هآرتس تحكم على كل الأشياء بأنها معادية للسامية"، ولاحظ بأنه،  في الواقع لم يجد أنشيل شيئاً معادياُ للسامية في هذا الكرتون بالرغم من "استخدام معاييره الشديدة الحساسية لمعاداة السامية."
فقد كان فيفر دقيقاً جداً في شرحه لماذا علت صيحات الغضب التي تم اختلاقها و لماذا هذا الافراط في هذا الشأن. وقد قدم أربعة أسباب يبين من خلالها السبب الذي لا يجعل من هذا الرسم الكرتوني معادياً للسامية:
1.      لم يكن موجهاً ضد اليهود:ليس ثمة أي شيء في هذا الكرتون يشير إلى أن المقصود به هو اليهود...فنتنياهو هو رجل سياسي اسرائيلي انتخب لتوه من قبل ربع الناخبين الإسرائيليين، وليس رمزاً يهودياً أو ممثلاً عن اليهود في العالم .
2.      لم يستخدم صورة المحرقة:كذلك ليس ثمة شيء في الرسم الكرتوني الذي قدمه سكارف من الممكن أن يذكرنا بالمحرقة. لربما يعتقد أحد ما بأنه ينبغي للجدار أن يذكرنا بالحي اليهودي إلا أنه لا ينبغي أن ننسى بأن سكارف هو المصمم الأصلي لغلاف ألبوم البينك فلويد "الجدار". وهل يتوجب على الصنداي تايمز ألا تنشر الكاريكاتير في يوم الذكرى العالمية للمحرقة؟ فقط إذا ما اعتقد أحدنا بأن هذا يوم يتمتع فيه السياسيين الاسرائيليين بالحصانة لكي لا يتم تصويرهم من خلال الكاريكاتير .
3.      لم يكن هنالك تمييز: إن تصوير نتنياهو بهذا الشكل هو عدائي وغير عادل إلى حد ما، إلا أن ذلك يوازي الطريقة التي يتعامل فيها سكارف مع أي سياسي عندما يرسمه في لوحاته. خاصةً وقد أمضى سكارف كامل حياته المهنية وهو يسخر بشراسة من العظماء والمتعالين- وبالطبع نتنياهو من ضمن تلك المجموعة اللامعة .
4.      لا يعكس الكاريكاتير فكرة التشهير بالدم:ادعى البعض بأن الاسمنت باللون الأحمر الذي يستخدمه نتنياهو في بناء الجدار في الرسم الكاريكاتيري يشير إلى فكرة التشهير بالدم. بالطبع إنه دم ولكن هل يمكن لأحد أن يطالب بجدية بأن لا يحتوي أي كاريكاتير متعلق باسرائيل أو رموز يهودية على هذا السائل الأحمر؟
ولم يكن من المفترض تجاوز هذه الحجج المنطقية ، غير أنه في الساعة الرابعة بعد الظهر في 29 يونيو، "اجتمع قادة المجلس اليهودي البريطاني مع رئيس تحرير صحيفة الصنداي تايمز و مع المتحدث باسم شركة "نيوز انترناشونال وفي أعقاب هذا الاجتماع قام القائم بأعمال رئيس التحرير مارتن ايفنز بتقديم اعتذار جبان جاء فيه :
"الكل يعلم أنه لطالما كان جيرالد سكارف  دموي و وحشي في رسوماته، إلا أنه في نهاية الأسبوع الماضي تجاوز وباعترافه الحد المقبول. كما أن التوقيت- في ذكرى يوم المحرقة- لا يغتفر. وترافق ذلك مع هذه المناسبة كان بشعاً وأود أن أعتذر بشكل غير متحفظ عن الإساءة التي من الواضح أننا تسببنا بها بالنيابة عن الصحيفة . فقد كان ذلك خطأ فادح."
ولاحظ نورمان فنكلستن في كتابه الذي صدر في العام 2000،  صناعة المحرقة : وأفكار على استغلال المعاناة اليهودية، بانه تم استخدام المحرقة "لتبرير السياسيات الإجرامية للدولة الإسرائيلية والدعم الأميريكي لهذه السياسات". كما لاحظ نعوم تشومسكي بأنه لطالما قامت الدولة الاسرائيلية "بالتلاعب بشكل مقصود" بحادثة المحرقة لتعزيز مصالحها الخاصة .
و "الخطأ الفادح" الذي قامت صحيفة الصنداي تايمز بارتكابه مع بقية مؤسسات وسائل الإعلام هو التغاضي، أي توطئة هذا الواقع المخزي 
رأیکم