شرق الجزيرة العربية : الشهيد صادق مال الله.. حكاية المقاومة والانتصار

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۴۲۷
تأريخ النشر:  ۱۸:۵۲  - الأربعاء  ۱۹  ‫یونیه‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
الشهيد صادق عبد الكريم مال الله.. قصة تحمل في طياتها دليلاً واضحاً على ما يعانيه الشعب وخصوصاً المواطنين الشيعة شرق الجزيرة العربية في بلد يفتقر لأبسط دلائل العدل والحرية..
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء دماء الشهيد تشهد على صرخات الظلم والقهر التي تصاعدت يوم فاضت روحه الطاهرة تحت حدّ السيف ظلماً وعدواناً بعد أن لاقت أشدّ أنواع التعذيب والاضطهاد, لينتهي ذلك اليوم بحكم تعسفي يخلو من كل مظاهر العدل والمنطق.. ينص على أن حياة صادق لابد أن تنتهي دون ذنبٍ أو سببٍ مقنعين..

 

تختصر قصة الشهيد مال الله حكاية الحرمان والمعاناة لشيعة الجزيرة العربية.. وتسرد فصولاً من انتهاكات النظام السعودي واستهتاره بالحقوق والمقدسات، ومصادرته لحرية التعبير والرأي والاعتقاد، وتفضح وحشية آل سعود وسفكهم لدماء الأبرياء واستهتارهم بقيم العدالة الانسانية..

 

في خطوةٍ استفزازية دموية أقدم النظام السعودي على إعدام الشاب المسلم (صادق مال الله 25 عاماً) بعد سجنٍ دام أربع سنوات, قاسى خلالها أشد ألوان التعذيب; فارتحل إلى ربه مظلوماً شهيداً يستصرخ الضمائر الحيّة لفضح النظام المتسلّط، والانتصار لحقوق المظلومين والمضطهدين..

 
الشهيد يواجه نظام البطش السعودي

 

ولد الشهيد "صادق عبد الكريم كاظم مال الله" في القلعة – حي الزريب سنة 1387هـ (1967م) والتحق بالتعليم وأنهى المرحلة المتوسطة ثم بعد ذلك أكمل الدراسة ليلاً.

 

كان الشهيد منذ حداثة سنه شغوفاً بالقراءة ومولعا بمطالعة الكتب، فلم يأخذ بفكر أو رأي أو أي شيء آخر إلا بعد بحث وتقصي للأدلة والبراهين، ولم يقبل أن يتبع المذهب بدافع العاطفة أو التقليد والمسايرة لأبويه ومجتمعه فانطلق باحثاً عن الحقيقة التي يبرء بها ذمته أمام الله يوم القيامة، فقد كان يطمح لمعرفة [أي المذاهب الإسلامية أحق في الإتباع] وكان يقارن ويفاضل بين المذاهب كلها.

 

وعرف الشهيد في أوساط مجتمعه بالتدين والصلاح والشجاعة، وقد نقل عنه بعض من التقاه في السجن بأنه كان يناقش ضباط المباحث أثناء التحقيق معه حتى في القضايا السياسية بكل جرأة وصراحة ووضوح.

 
ملابسات الاعتقال الأول

 

امتازت فترة اعتقال الشهيد صادق مال الله بفلتان السعار الطائفي الذي أججته السلطات السعودية ودفعت اليه علماء الفتنة الذين كثفوا نشر فتاوى التكفير ضد أبناء الطائفة الشيعية، وفي ظل ذلك صدرت عدة فتاوى للشيخ بن باز والشيخ بن جبرين وآخرين.

 

ضمن مطالعات الشهيد صادق مال قرأ للدكتور "عمر عبد الله نصيف" أمين رابطة العالم الاسلامي آنذاك بحثاً استشهد فيه بنصوص من انجيل "برنابا" فأرسل اليه مستفسراً حول بعض القضايا الإسلامية وانجر النقاش حول الأديان بما فيها الدين المسيحي وطلب الشهيد مال الله استعارة الانجيل للاطلاع عليه، فبعث الدكتور نصيف تقريرا للمباحث السعودية وارفق معه رسالة الشهيد التي طلب عبرها استعارة الانجيل لمطالعته متهماً إياه باعتناق المسيحية!.

 

استدعي الشهيد للمثول أمام القاضي "فؤاد الماجد" بالمحكمة الكبرى بالقطيف، وتمت مساءلته عن أهدافه وراء طلب استعارة الانجيل وأن ذلك يعد دليل ارتداد عن الدين الاسلامي واعتناق للمسيحية، فأنكر الشهيد التهمة وأوضح بأنه طلب الانجيل للاطلاع فقط، وأتبع أقواله بالشهادتين.

 

فأصرّ القاضي الماجد على الشهيد ليعترف باعتناقه المسيحية، ثم بدأ باستدراجه لنقاش مذهبي، ورفض الشهيد مال الله متابعة النقاش لعلمه بأن القاضي ينصب له فخاً للإيقاع به واتهامه بالزندقة أو بالنيل من المذاهب السنية، وهنا أحال القاضي الماجد ملف القضية إلى المباحث العامة بحجة اعتناق المسيحية وسبّ الله والرسول والصحابة!!.

 

كان عمر الشهيد 21 عاما حين اعتقاله الأول عندما داهمت فرقة من المباحث منزل الشهيد وأخضعته للتفتيش الدقيق بحثاً عن أية أدلة تشير لاعتناقه المسيحية، ولم يجدوا شيئاً يدينه ويبرر اعتقاله ومع هذا قاموا باقتياده الى سجن المباحث بالدمام ثلاثة شهور.

 

اعتقلت السلطات السعودية الشهيد صادق مال الله للمرة الأولى في شهر رجب عام 1407هـ (1986م) وأطلق سراحه في شهر شوال من السنة نفسها.
 
السلطات تحرم الشهيد اثبات الهوية الشخصية:

 

بعد الافراج عن الشهيد راجع مكتب الأحوال المدنية بالقطيف لاستخراج "بطاقة الهوية شخصية" فتم رفض طلبه ووضعت أمامه عدة عقبات وعراقيل وتمت مطالبته بنشر إعلان في الصحف المحلية عن اسمه، وبأنه غير مديون لأي أحد، من البنوك أو عامة الأفراد، وامتثل الشهيد لطلبهم، وبعد صدور الإعلان راجع الأحوال المدنية فطالبوه بتوقيع تعهد واعتراف بأنه لم يسبق له أن أصدر "بطاقة شخصية" ولا جواز سفر.

 

واستمرت المماطلات وافتعال الذرائع والحجج وبقي الشهيد دون بطاقة هوية أو جواز، ما سبب له مواجهة المصاعب والمشاكل في حياته اليومية والمعيشية.

 
غضب وتهديد:

 

بعد خروج الشهيد من السجن الأول ومواجهته لمشكلة استخراج بطاقة الهوية مما أعاقه عن مواصلة الدراسة  أو الحصول على وظيفة، تيقن أن السلطة تتقصد محاصرته واذلاله، فأرسل خطاباً الى الشيخ آل نصيف الذي تسبب في اعتقاله وافتعال الأزمة التي يعيشها، وكتب له بروح ملؤها الغضب والألم "نعم أنا مسيحي ودرست المسيحية في الخارج فأرني ماذا ستفعل؟" فبادر آل نصيف بتسليم الخطاب للمباحث التي اتخذت منه مستنداً تهدد وتتوعد به الشهيد.

 

داهم رجال المباحث منزل الشهيد مجدداً دون أن يجدوا لديه ما يمكن اعتباره دليل ادانة ضده، وتحدث لهم الشهيد موضحاً: "أنتم تعلمون بأني لم أحصل على البطاقة الشخصية ولم أملك جواز سفر طيلة عمري فكيف يمكنني السفر للخارج؟!" الأمر الذي يثبت أن قوله للشيخ آل نصيف كان تنفيساً عن غضبه ليس أكثر.
 
استدعاءات للإغراء والتجنيد:

 

خلال عام واحد فصل بين الاعتقال الأول والثاني استدعي الشهيد مرات متتالية لمراجعة مقر المباحث بالقطيف، وبعد جلسات تحقيق لساعات متواصلة تخللها التهديد بإعادته للسجنوتلفيق تهمة الارتداد ضده، تحول أسلوب المحققين معه الى مسار آخر..

 

أدخلوه الى مكتب ضابط برتبة عالية، واستقبله الضابط بحفاوة وترحيب وأمر له بالضيافة، وتحدث معه بصوت دافئ:

 

ـ صادق ساعدني كي أقف معك وأخلصك من ورطتك، حرام أن تتبهدل وأنت في مقتبل عمرك. أنت شاب تستحق ان تعيش حياة محترمة.

ـ ما هو المطلوب مني؟ الشهيد يسأل الضابط.

ـ فقط تتعاون معنا تكتب لنا تقريرا كل اسبوع عن أجواء منطقتك وأحاديث الناس في المجالس والديوانيات.

 

في الأثناء طلب الضابط عبر الهاتف جندياً للحضور الى مكتبه، ولما دخل الجندي أخرج الضابط من درج مكتبه حزمة نقود وسلمها له وهو يقول: "هذا المبلغ اقسمه بالنصف وسلمه لفلان وفلان" استلم الجندي حزمة النقود وخرج بعد أن ضرب التحية للضابط.

 

وعاد الضابط يحدث الشهيد: أرأيت؟ هذه رواتب بعض المتعاونين معنا ندفع لهم نقداً، وانت تستطيع أن تصبح مثلهم وتربح وتنتهي مشاكلك ولن تضطر للعمل ولا للدراسة سنوفر لك كل ما تحتاج اليه.

 

كان الشهيد يعيش حياة الفقر والحرمان والعوز وهو أكبر أفراد عائلته، وعلم أن المطلوب منه أن يتجسس على مجتمعه، وأن يخون ضميره ودينه، فرفض وقال للضابط :

 

ـ أنا أريد أن أبقى انساناً عادياً أعيش من كدّ يميني وعرق جبيني!.

 

وحين باءت محاولاتهم المستمرة وعروضهم المغرية بالفشل والخيبة، لجأوا لتهديد الشهيد بالاعتقال والتعذيب، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمته وثباته وايمانه، فرفض تهديداتهم كما رفض اغراءاتهم!.

 
الاعتقال الثاني وعبور سجن الحاير:

 

بعد أن فشل جهاز المباحث في تجنيد الشهيد ضمن صفوف عملائه وجواسيسه، أحالوا ملفه مرة أخرى الى المحكمة الكبرى في القطيف، حيث استدعي الشهيد للمثول بين يدي القاضي "فؤاد الماجد".

 

تكررت جلسات القاضي مع الشهيد بحضور قضاة آخرين من كتاب العدل في المحكمة، ودارت أسئلتهم وأحاديثهم بين محاولة انتزاع اعتراف من الشهيد باعتناقه للمسيحية، وبين استدراجه للتحول عن مذهب أهل البيت واعلان تسننه..

 

ورغم حداثة سن الشهيد إلا أن سعة اطلاعه وقراءته المستمرة لمصادر الثقافة الدينية والعقائدية منحته معرفة مكنته من محاججة القاضي وزملائه والرد على بعض افتراءاتهم ضد المذهب الشيعي، وحين يأسوا من الايقاع به أو اقناعه بالتسنن، لفقوا له تهمة الارتداد عن الاسلام واعتناق المسيحية وأحالوه الى ملفه الى المباحث!.

 

اعتقل الشهيد مرة ثانية عام 1408هـ (1987م) فوجد الشهيد نفسه وحيداً في زنزانة السجن دون تحقيق ولا تهمة معلنة ولا محاكمة..

 

وفي سجن المباحث بالدمام ظلوا يترددون عليه لتخييره بين قبول العمل جاسوساً أو يعتنق المذهب الوهابي، وستؤمن له الفرصة ليصبح إماماً لمسجد يؤم فيه صلاة الجماعة، وستوفر له مقابل ذلك شقة سكنية وراتب شهري!.

 

بعد سنتين عجاف أمضاها في سجن المباحث بالدمام, نقلوه الى سجن الحاير بالرياض، وهناك التقى مع مجموعات من السجناء الذين سبق لهم الانخراط في الجماعات الاسلامية المقاتلة في أفغانستان بينهم الكاتب المعروف "منصور النقيدان" المنحدر من منطقة بريدة والذي روى بعد خروجه من السجن لبعض أصدقائه من الشيعة صوراً من إيمان الشهيد وعبادته وعلاقته بالله سبحانه وتعالى..

 
من سجن الدمام الى ساحة الاعدام:

 

بعد نحو سنتين في سجن الحاير بالرياض نقل الشهيد مرة أخرى لسجن مباحث الدمام في 23 رمضان 1412هـ (26/3/1992م).

 

لم يحظى الشهيد طوال 4 سنين من اعتقاله بمحاكمة علنية ولم يوفر له محامي يتولى الدفاع عنه، كما لم تقدم السلطات السعودية  أية براهين أو أدلة تثبت افتراءاتها وتهمها الباطلة بحق الشهيد.

 

المجتمع الذي احتضن الشهيد منذ نعومة أظفاره يعرفونه حق المعرفة ويعلمون مدى التزامه بتعاليم الدين الإسلامي، كما شهد له بذلك عديدون ممن التقوا به داخل المعتقلات وبينهم الشيخ فضيلة محمد المعاتيق من أهالي تاروت.

 
الانتصار والعروج للسماء

 

في صبيحة يوم الخميس 6/3/1413هـ (3/9/1992م) الكئيب المتشح بالحزن والألم، أحضرت دوريات الأمن ترافقها سيارة اسعاف الشهيد صادق عبد الكريم مال الله الى ساحة بجوار سوق الخميس وسط القطيف، وما أن تم انزال الشهيد من دورية الأمن حتى علت هتافاته بالتكبير والتهليل والشهادتين.. كان يؤذن معلنا ثبات ايمانه وولايته وانتمائه!.

 

لن ينسى أحد ممن حضر الى السوق في ذلك الصباح صرخات (الله أكبر) تدوي مخترقة الجدران ومعانقة سعفات النخيل، ولن ينسى أحد صيحات (أشهد أن لا إله إلا الله) وهي تمسح على هامات الرؤوس المحتشدة يعتصرها الألم والحرقة والفجيعة دون أن تستطيع انقاذ الشاب المظلوم من تحت سيف ابغي والطغيان السعودي الطائفي!.

 

يوم اعدام الشهيد انتصرت روحه لمبادئه وقيمه، وعرج الى ربه طاهراً من دنس العمالة والجاسوسية التي حاولت سلطات آل سعود ايقاعه في فخاخها الموبوءة.. رحل منتصرا لايمانه وعقيدته وولائه لمذهب التشيع، رافضاً أن يتزحزح عن عقيدته  متحدياً وحشة السجون وقسوة التعذيب والغياب الطويل عن الأهل والأحباب.

 

في يوم اعدامه انهزم قاتليه وانتصر بدمه ونداءاته المدوية (الله أكبر) من كل ظالم ومن سيوف البغي والتكفير..

 

رحل الشهيد مظلوماً ولا زال جرحه النازف يخط فوق أرض القطيف حكايات الظلم والاستبداد، وينادي الأحرار للثورة والتحرر ورفض الخنوع والاستسلام..

 

ايه أيها المظلوم يا صادق سلام عليك يوم ولدت ويوم اعتقلت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً لتأخذ بحقك من قاتليك!.

رأیکم