التحالف السعودي الصهيوني في الأزمة السورية

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۴۷۰
تأريخ النشر:  ۲۳:۲۸  - الاثنين  ۲۴  ‫یونیه‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
لا يتطلب الأمر كثير ذكاء ليكتشف المتابع للمشهد الجديد الذي بدأ يتشكل اليوم في المنطقة، أن رأس الحربة في الحرب على سورية هي إسرائيل و السعودية. فبعد انفجار الربيع التركي في وجه ‘أردوغان’ وبعد إنهاء دور مشيخة آل حمد كأدات في لعبة الأمم بالمنطقة.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء تزامن زيارة وزير الخارجية و مدير مخابرات آل سعود إلى باريس، مع زيارة وزير الخارجية البريطانية و وزير الحرب الصهيوني إلى واشنطن، لبحث ما أسموه بسبل ايقاف الجيش العربي السوري و حزب الله عن تحقيق المزيد من الإنتصارات الميدانية.

"لن يكون تدمير العالم على يد الأشرار..بل على يد من يشاهدون الأشرار في صمت".

لعل أول ضحايا الحرب الكونية الدائرة اليوم في سورية هو القانون الدولي، حيث لم تعد القوى الغربية تهتم بمقتضياته ولو من باب التعمية. فعودة الإدارة الأمريكية تحت ضغط المحافظين الجدد، أو لنقل الصهاينة الجدد، بالإضافة إلى بعض البلدان الأوروبية كفرنسا وبريطانيا، بضغط وتمويل من السعودية، للحديث عن تسليح "المعارضة” السورية باسلحة جديدة ونوعية، هو بكل المقاييس خرق سافر لميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم تزويد الأفراد والجماعات المعارضة لأنظمة شرعية باسلحة قاتلة. وهذا ما فتأت روسيا الفيدرالية تذكر به المنتظم الدولي في كل مناسبة وتصريح، لكن من دون جدوى.

 

هذا معناه أن نظم الأخلاق والقيم والمبادىء التي قام الإجتماع الدولي على أساسها، من أجل الأمن والسلام والإستقرار في العالم، قد تم التضحية بها لحساب مصالح القوى المهيمنة خدمة للصناعة العسكرية و لأمن إسرائيل، وفي نفس الوقت، إشباعا لرغبات شخصية لبعض الممولين من المتصهينين العرب المرتعبين من انعكاسات انتصار الأسد على عروشهم المهزوزة. الأمر الذي دفع بممثل روسيا في الأمم المتحدة للتهديد علانية الخميس، بعزم موسكو: "تزويد سورية بأنظمة أسلحة جديدة و متطورة من خارج العقود القديمة و الجارية”، لأن سقوط سورية يعني ببساطة سقوط روسيا.

 

تزامن زيارة وزير الخارجية و مدير مخابرات آل سعود إلى باريس، مع زيارة وزير الخارجية البريطانية و وزير الحرب الصهيوني إلى واشنطن، لبحث ما أسموه بسبل ايقاف الجيش العربي السوري و حزب الله عن تحقيق المزيد من الإنتصارات الميدانية بعد الانتصار المدوي في معركة القصير الإستراتيجية، مهددين بإلغاء مؤتمر ‘جنيف 2′ إذا لم يتم الحفاظ على ما أسموه بـ "توازن القوى” على الأرض، وخصوصا في حمص التي يروجون من باب التضليل أنها تمثل المعقل الكبير للمعارضة المسلحة السورية، إنما يعبر عن هزيمة و إفلاس محور الشر، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن هذا المحور، دخل في مأزق حقيقي، وبدأ يتصرف بعشوائية و بشكل متؤخر جدا فيما له علاقة بمواكبة أجندة الجيش العربي السوري و حزب الله المدروسة و المحكمة في الميدان العسكري.

 

فعلى سبيل المثال، لم يجدوا من حل لمعظلة هزيمتهم المذلة سواء في القصير أو تلك المتوقعة في القادم من الأيام في باقي المناطق السورية، غير الحديث عن تسليح "المعارضة”. وكأنهم لم يسلحوا بطرق غير مباشرة المجموعات الإرهابية بكل أنواع الأسلحة بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات و الدبابات، وكأن هذه "المعارضة” التي يتحدثون عنها لها تنظيم محكم و وجود فاعل على الأرض. في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون نوع من التغطية المفضوحة على الجماعات التكفيرية التي فقدت مواقعها الرئيسية بعد معركة القصير، وتفرقت إلى مجموعات و وحدات مشتتة على جغرافية الريف السوري وبعض الجيوب في مدن كحلب ، وإدلب، وحمص، ودمشق (مخيم اليرموك)… ولم تعد تملك القوة الفاعلة التي تمكنها من مواجهة الجيش العربي السوري الباسل ومقاتلي حزب الله الأبرار لقلب موازين القوى على الأرض قبل مؤتمر "جنيف 2″. خصوصا بعد أن فشل تحالف الأشرار في تفجير حرب أهلية كان يراهن على إشعالها بين السوريين الشرفاء في بيئة متجانسة ترفض الإقتتال فيما بينها، وتعتبر الفكر التطفيري غريبا عن ثقافتها وتاريخها وقيمها، وتتمسك بالدولة كوعاء جامع وضامن لأمن واستقرار السوريين جميعا. الأمر الذي افشل محاولات المتآمرين لإشعال حرب أهلية، لا وجود لبيئة مشجعة لها في سورية الحضارة.

 

ولعل مجزرة "حطلة” الأخيرة التي ذهب ضحيتها 60 من المواطنين الشيعة في الشرق، و نفذت بقرار استخباراتي عربي (سعودي) في محاولة يائسة لمذهبة الصراع وتفجير الوضع قصد الضغط على حزب الله للإنسحاب من المستنقع السوري، أحسن مثال على إفلاس النظام الوهابي بالكامل. وحزب الله ليس بالسداجة التي يعتقدها النظام السعودي لجره إلى مستنقع الحرب الطائفية، فهو مدرك لأهداف المذبحة وأبعادها، لكنه يتعامل مع الصراع باعتباره حربا شرعية من الناحية الدينية والقومية والأخلاقية ضد التكفيريين، خاصة الذين يحاربون المسيحيين والمسلمين سنة وشيعة وأكراد على السواء، ما جعل المجتمع السوري ينظم للدولة في محاربتها لهذا الشر المطلق. لكن الأكيد، أن مثل هذه المحاولات الغبية سترتد في النهاية على السعودية نفسها، حال حسم الصراع على الأرض السورية. وهو ما يرعب النظام الرجعي الوهابي وأسياده في واشنطن وأوروبا، الذين كانو يعتقدون قبل واقعة القصير، أن لا أحد يستطيع حسم الحرب في سورية، لا النظام ولا المعارضة. لكن دخول رجال من نوعية نادرة ساحات المعارك في سورية، جعل حسابات الغرب المتعجرف والعربان الخونة تنقلب ضدهم بما لم يكونوا يتوقعون.

 

ووفقا لمعلومات أولية حصلت عليها السلطات السورية وقيادة حزب الله، حسب ما ذكرت صحيفة الديار اللبنانية، الخميس، فإن الذي أدار العملية (المذبحة) هو جهاز استخبارات عربي اختار بعناية الموقع والتوقيت واهتم بعملية اخراج الامر إلى الاعلام. وقد كشفت هوية المتورطين بالعملية خيوطا كثيرة باتت بين أيدي الأجهزة الأمنية السورية، وأصبحت المعلومات شبه مكتملة عن الجهة المنظمة لهذه المجزرة والجهات المدبرة. اما الرسالة الى حزب الله فقد وصلت دون "قفازات”، ومفادها ان ثمن تدخله في الحرب ستدفعه الأقلية الشيعية في المنطقة، أكان ذبحا بالسكاكين او عبر ضرب العصب الاقتصادي للمغتربين الشيعة في دول الخليج (بالرغم من عدم وجود منتسبين لحزب الله في الخليج)، وهذا اول الغيث، والآتي اعظم اذا لم يخرج الحزب من المعادلة السورية، وفق ما يتوهم عربان الزيت.

 

لا يتطلب الأمر كثير ذكاء ليكتشف المتابع للمشهد الجديد الذي بدأ يتشكل اليوم في المنطقة، أن رأس الحربة في الحرب على سورية هي إسرائيل و السعودية. فبعد انفجار الربيع التركي في وجه ‘أردوغان’ بسبب تدخله السافر في الأزمة السورية، ومحاولته فرض ‘جماعة الإخوان المجرمين’ كمكون رئيس مهيمن على القرار في ‘إتلاف الفنادق’ المعارض بتنسيق مع قطر، وفق ما أكدته دراسة صادرة قبل يومين عن معهد كارنيزي للسلام الأمريكي. وبعد إنهاء دور مشيخة آل حمد كأدات في لعبة الأمم بالمنطقة، بسبب محاولة أمير المشيخة الصغيرة اللعب على الحبلين، من جهة مع التكفيريين الذين كانوا يشكلون وقودا لنار الفتنة في سورية، ومن جهة أخرى سرا مع الإخوان المجرمين بالتحالف مع تركية ضد السعودية و الإمارات العربية معا.

 

هذه اللعبة الخبيثة دفعت بمملكة آل سعود للضغط في اتجاه إنهاء دور وحياة أمير قطر ووزير خارجيته السياسية بالكامل. وهو ما خضعت له الإدارة الأمريكية مرغمة، وبعثتت مسؤولا عسكريا رفيع المسستوى لمطالبة أمير قطر بالتنازل عن الحكم لنجله دون نقاش، تحت طائلة تجميد جميع استثماراته في العالم، وفق ما أفادت وسائل إعلام هذا الأسبوع. ولم ينفعه تحالفه مع إسرائيل ولا الخدمات الجليلة التي قدمها للأدارة الأمريكية في الربيع العربي، ولا الأموال الطائلة التي أنفقها خدمة لمشروعها الخبيث في المنطقة، فقبل ذليلا صاغرا أن ينسحب بلا كرامة مقابل الحفاظ على حياته، ليعيش ما تبقى من أيام عمره التافه مهموما مغموما و ملعونا في إنتظار غضب الله.

 

لم تعد مملكة آل سعود تثق في أي طرف إقليمي آخر غير إسرائيل التي عقدت معها اتفاقيات أمنية وعسكرية سرية وصفت بالإستراتيجية بتشجيع من الإدارة الأمريكية. لذلك تخلت هذه الدولة القروسطية عن اللعب من وراء الكواليس، وخرجت للعلن بعد أن كشفت القناع عن وجهها القبيح ودورها المباشر الخبيث في الأزمة العسكرية السورية و اللعبة السياسية و الفتنوية التي تحضر لها في لبنان.

 

وقد كان لافتا ما جاء على لسان مفتي المملكة الوهابية ‘آل الشيخ’ في تصريحه الأخير الموجه في جزء منه إلى مفتي الناتو الشيخ القرضاوي، حيث أثني على مواقفه المتطرفة ضد النظام السوري و حزب الله اللبناني، فرد هذا الأخير التحية بأحسن منها، قائلا أن من أسماهم بـ "علماء” الوهابية، كانوا أكثر فطنة منه وعلى حق عندما اكتشفوا باكرا حقيقة النظام العلوي "النصيري” في دمشق، و حزب الله في لبنان، حيث وصف هذا الأخير مرة بحزب "اللات” وأخيرا بحزب "الشيطان”، وهو ما اعتبرته إيران أمرا مرفوضا ومحاولة لزرع الفتنة بين المسلمين بدل الدعوة إلى الوحدة والتآخي والتضامن لمواجهة أعداء الأمة الحقيقيين، معتبرة أن الشيخ القرضاوي إلتبس عليه الأمر بين ‘الله’ و ‘الشيطان’، في توصيف ضمني لحالته العقلية التي أصابها الخرف.

 

هذا الود الجديد بين السعودية والشيخ القرضاوي معناه، أن السعودية قبلت بأن يستمر هذا الكاهن الأفاك في لعب دور المحرض على إضرام نار الفتن المتنقلة بين المسلمين تحت عبائتها ورعايتها المباشرة، ما يخدم بالنهاية هدفها في حربها السرية ضد إيران. وهي استراتيجية تعتقد السعودية أنها ستمكنها من الهيمنة على من تسميهم بـ "السنة” في العالم الإسلامي، بما في ذلك ضبط تحركات الإخوان المجرمين المشبوهة، باعتبار أن الشيخ القرضاوي هو الزعيم الروحي لهذه الجماعة المتصهينة.

 

وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن احتضان السعودية للقرضاوي كإرث من مخلفات أمير قطر، ستمكن السعودية من سحب ورقة الإخوان المجرمين من يد ‘طيب رجب أردوغان’ الذي كان يطمح لزعامة العالم العربي من مدخل الإخوان في سورية، بالإضافة لإستغلال حركة حماس في الملعب السوري أبشع استغلال بعد أن باع خالد مشعل وإسماعيل هنية روحمهما للشيطان، وانخرطا في مشروع محور الشر ضد محور الخير المتمثل في المقاومة، خصوصا بعد اليأس الذي أصابهم من تخلي مصر عن حركتهم التي أصبحت مشبوهة بسبب الجرائم التي ارتكبتها ضد الجيش و الشعب المصري، ففقدوا سورية و مصر وحزب الله وإيران، ولم يعد لديهم ما يدعمهم ببندقية صيد أو حتى رصاصة يتيمة بعد اليوم. وها هم يفقدون قطر، آخر معقل المتآمرين في العالم العربي، ولم يعد لهم من ملجأ سوى مزبلة التاريخ، باستثناء الجناح المعارض لنهج الخيانة، في انتظار أن يقلب الطاولة على جناح الخسة والنذالة.

 

كما لم يعد خافيا اليوم الدور التآمري الذي لعبته ولا تزال حركة حماس في سورية. ولعل اعتقال العديد من مقاتليها في دمشق من قبل وفي القصير مؤخرا من قبل حزب الله، واكتشاف هذا الأخير أن عناصر من حماس هم من قاموا بحفر الأنفاق في القصير وريفها، وزرعوا العبوات الناسفة المموهة وفق ذات التقنية التي دربهم عليها حزب الله، حسب الشهادات الواردة في مختلف وسائل الإعلام، مما جعل هذا الأخير (أي حزب الله) يشعر بالصدمة من هكذا خيانة، ويقرر طرد حوالي 300 عنصر من كوادرها من جنوب لبنان، مخافة أن تتجسس عناصر "حزب المؤمنين” من حماس على "حزب الشيطان” في لبنان لصالح "ماما إسرائيل”.

 

لكن أخطر ما في الأمر هذه المرة، هو ما كشفت عنه مصادر عسكرية من داخل حركة حماس، من أن بعض عناصر الحركة يقومون بالتعاون مع ما يسمى ب”جبهة النصرة” بحفر الأنفاق داخل مخيم اليرموك بإتجاه مدينة دمشق، وأن سير العمل بلغ مرحلة متقدمة بإتجاه منطقة ‘القدم’ وبإتجاه منطقة ‘الزاهرة’ القديمة ومناطق أخرى قريبة من المخيم، وذلك تحضيرا لخطة ليس السعودي و الصهيوني ببعيدين عن تفاصيلها. وكان رئيس المركز الدولي للإعلام والدراسات الأستاذ ‘رفيق نصر الله’ قد حذر سابقا من الموضوع قائلا: "كي يعلم من لا يريد العلم أن حماس اليوم هي أشد خطرا علينا من اسرائيل”.

 

تواجد وزير الحرب الصهيوني في واشنطن مع وزير الدفاع البريطاني للضغط على أمريكا بهدف تغيير قناعاتها ودفعها لخيار الحسم العسكري في سورية، تزامن كذلك مع دخول المحافظين الجدد للضغط في هذا الإتجاه، كما وأعلن الرئيس السابق ‘بيل كلينتون’ الذي زف ابنته لرجل أعمال صهيوني كبير من نيويورك قبل سنوات، أنه على الإدارة الأمريكية أن تلتزم بشكل أكبر في الأزمة السورية. غير أن النتائج جائت عكس التوقعات، فالرئيس باراك أوباما الذي اتفق مع بوتن على التعاون لمكافحة الإرهاب في سورية والمنطقة، رفض رفضا قاطعا أن يبعث بأي جندي أمريكي لسورية. في حين، وبسبب ضغط اللوبي الصهيوني و انقسام أعضاء الكونجريس بين معارض ومؤيد، وافق على تسليح المعارضة باسلحة نوعية، شريطة أن تتم مراقبة الجهات التي ستتسلمها مخافة أن تسقط في يد التكفيريين، وفق زعمه. خصوصا وأن فضيحة مقتل السفير الأمريكي في ليبيا بيد القاعدة وبأسلحة أمريكية، لا زالت ماثلة للأذهان، وكانت السبب الرئيس في رفض الكونجريس إقتراح أوباما تعيين ‘سوزان رايس’ وزيرة للخارجية مكان ‘هيلاري كلينتون’، بسبب تستر ‘رايس’ على فضيحة مقتل السفير الأمريكي، حتى لا تؤثر الحقيقة في حال إعلانها، على حملة ترشح أوباما لولايته الثانية.

 

القرار الأمريكي الأخير القاضي بتسليح المعارضة السورية لا يعتبر تطورا جديدا في موقف واشنطن، لأن مسالة تسليح "معارضة” لا وزن لها على الأرض يعتبر رسالة سياسية تعتقد أمريكا أنها ستكون قوية موجهة للنظام السوري والروسي على حد سواء، من باب الإبتزاز السياسي لتحسين شروط التفاوض قبل عقد مؤتمر "جنيف 2″، والذي يبدوا أن دونه عقبات كثيرة قد تأخره إلى وقت غير معلوم.

 

كما أن قانون "دعم الانتقال في سورية”، الذي أقرّته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي يوم 21 أيار/ماي 2013، والمتعلق بتقديم "دعم فتاك وزيادة الدعم غير الفتاك” لأفراد في المعارضة السورية خضعوا للكشف الأمني، بما في ذلك "المواد الدفاعية، والخدمات الدفاعية، والتدريب العسكري”. هو قانون غير ملزم للإدارة الأمريكية التي تتخوف في حال إقدامها على هكذا خطوة من أن يسقط السلاح بيد مجموعات لا تعرف الإدارة ماذا تنوي فعله بهذه الأسلحة في حال طلب منها التوقف عن القتال لسبب من الأسباب. كما أن الخوف من وقوع هذه الأسلحة في أيدي متطرفي القاعدة وجبهة النصرة خوف أكثر من مبرر، ويجعل القيادات السياسية والعسكرية في الإدارة الأمريكية وأوروبا عموما تفكر ألف مرة و مرة قبل الخوض في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر. وهو الأمر الذي دفع بألمانيا ودول أوروبية عديدة إلى التحفظ على تنفيذ هذا القرار.

 

هذا علما أن قدرة ما يسمى بمجموعة "أصدقاء سورية” على التصعيد محدودة للغاية. إذ ينصّ قانون دعم الانتقال في سورية صراحة على أنه لا يجوز أن "يُفسَّر هذا القانون على أنه يوفّر إذناً باستخدام القوة العسكرية من جانب القوات الأميركية”. وهذا، يحول دون نشر قوات برية على الأرض، وهو ما ذكر به كيري في أكثر من مناسبة وأكده الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض الخميس، حيث قال للإعلام: "أن الإدارة الأميركية لا تنوي بعث أي جندي أمريكي للقتال في سورية”. علما كذلك، أن ذات القانون يمنع استخدام أي مكوَّن قتالي أميركي لفرض منطقة حظر جوي أو حماية الملاذات الآمنة داخل سورية. وهو ما يجعل حديث الإدارة الأمريكية عن إمكانية إقامة منطقة حظر جوي على الحدود الأردنية، من دون قرار واضح وصريح من مجلس الأمن، نوع من المزايدة السياسية ليس إلا.

 

ومهما يكن من أمر، فـ”المعارضة” العميلة لقطر وتركية، أصبحت عناصرها في الميدان عرضة للذبح والقتل من قبل عناصر ‘جبهة النصرة’ حتى لا يكون لهم نفوذ ينافس التكفيريين العاملين تحت لواء بندر بن سلطان. ويرى مراقبون بعد هذا التحول الدراماتيكي في الميدان، أنه ومن دون مساهمة أميركية كبيرة، فإنه لا الاتحاد الأوروبي ولا حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيقدم على القيام بإجراءات عسكرية لقلب موازين القوى على الأرض. مما يدفعنا للإستنتاج أن الإعلان عن تسليح المعارضة من قبل الإدارة الأمريكية في هذا الوقت بالضبط، هو لإطالة عمر الأزمة السورية من باب ابتزاز النظام السعودي الغبي، وامتصاص ما تبقى له من أرصدة مالية ضخم في الأبناك الغربية حتى يصل إلى درجة الإفلاس التام. لكنه في ذات الوقت، انقلاب على اتفاقات سرية تمت بين الإدارة الأمريكية من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية، ما حدى بالصين لإلغاء الإجتماع بين الكوريتين الذي كان مقررا أن ينعقد في الأيام القليلة القادمة، في رسالة مفادها، أن الحل يمر عبر الإلتزام بكل ملفات الخلاف في شرقي آسيا والشرق الأوسط. والصين بهذا الإجراء، تدافع عن مصالحها في سورية، نظرا لعقود الإعمار الضخمة التي وقعتها مع الحكومة السورية.

 

ولعله من المفيد إعادة التذكير بالمناسبة، أن ما يدفع الإدارة الأمريكية وحلف الناتو إلى رفض أي شكل من أشكال التدخل العسكري المباشر في الحرب السورية، هو وجود آلاف من عناصر الجيش الروسي و عناصر من الجيش الإيراني في الميدان، خصوصا في منصات إطلاق الصواريخ والدفاعات الجوية، وفي المواقع التي تتواجد بها أسلحة استراتيجية سرية لم يكشف عنها حتى الآن، ما يعني في القاموس العسكري، شن هجوم مباشر على إيران وعلى الجيش الروسي معا. وهو ما لا يمكن أن تسكت عنه إيران أو أن تقبل به روسيا من دون رد صاعق ومدوي سيطال الوجود الأمريكي والأطلسي في القواعد العسكرية على امتداد مساحة المنطقة، وستغلق إيران مضيق هرمز الذي يمر عبره 40% من احتياجات النفط العالمي، وما لهذا القرار الخطير من تداعيات على الإقتصاد الدولي قد يتسبب بانفجار الشوارع في عواصم الغرب. ولن تنجو مشيخات الخليج من الدمار، وبخاصة السعودية وقطر والإمارات، وستفجر مواردها المائية، وتحرق آبارها ومصافيها النفطية وكل منجزاتها العمرانية.. وهذا في حد ذاته يعني أن العالم سيدخل في حرب كونية لا يعلم أحد كيف يمكن أن تنتهي.

 

وقد سبق للرئيس بوتن أن قام بتعزيز أسطوله البحري المتواجد على الشواطىء الروسية بحوالي 20 بارجة وسفينة حربية مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة الهجومية، ناهيك عن الغواصات النووية التي ترابط في المنطقة، بالإضافة لما ورﱠده إلى سورية وإيران من أسلحة لا تزال غير معروفة، وقد تشكل المفاجأة في المواجهات المقبلة إن هي وقعت، على عادة الروسي في التستر على أمكاناته ومقدراته العسكرية، ليضمن لها النجاح الميداني والترويج التجاري الواسع بعد الحرب، كما حصل مع صواريخ الكورنيط التي تسببت في إفلاس سوق ‘الميركابا’ الإسرائيلية، مفخرة الصناعة العبرية عام 2006. كما أن تصريح الرئيس بوتن في مؤتمر الأمن الأوروبي الأخير من أن أي محاولة للتدخل العسكري ضد سورية ستكون فاشلة، اعتبر رسالة واضحة في هذا الإتجاه، ومفادها أن محور (روسيا، الصين، إيران، العراق، سورية، حزب الله) محور متين و متماسك ومستعد لكل الإحتمالات ولن يتوانى في الدفاع عن أمنه القومي المشترك. وهذا أصبح اليوم أكثر من واضح للغرب.

 

أما قرار الإدارة الأمريكية بترك منظومة باتريوت بالإضافة لسرب من طائرات "إف 16″ في الأردن بعد انتهاء مناورات "الأسد المتأهب” متم هذا الشهر، فلا علاقة له بالهجوم على سورية كما يروج لذلك بعض المحللين المدفوعي الأجر، لإستحالة ذلك من الناحية العسكرية و السياسية معا. وكل ما في الأمر، أن هذا القرار، يعتبر رسالة سياسية أكثر منها عسكرية، موجهة للضغط على إيران، لأن المقصود بالحرب السورية في حقيقة الأمر هي إيران بالذات. كما أنها رسالة نفسية موجهة للجبهة الداخلية الإسرائيلية المرعوبة، لطمأنتها بأن الإدارة الأمريكية ملتزمة بأمن الكيان العبري. وفي حال لوحت أمريكا بإقامة منطقة عازلة على الحدود الأردنية، فستكون بذلك قد أدخلت نفسها والأردن والمنطقة في صراع قد يتطور لحرب عالمية لا يعلم إلا الله كيف ستنتهي. وقد تتحقق حينها نبوئة العالم العبقري ‘ألبرت إينشتاين’ عندما سألوه: "كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة؟ فأجاب: لا أعرف، لكنني أعرف أن الحرب العالمية الرابعة ستكون حتما بالحجارة والعصي”.

 

وفي هذا الصدد، تشير التقارير العسكرية اليوم بما لا يدع مجالا للشك، أن أي مغامرة عسكرية غربية في سورية، يلزمها ما يناهز 300 ألف جندي أمريكي على الأرض، وأسطول بحري ضخم، وأسراب من الطائرات تفوق ما تم حشده لضرب العراق. وهذا أمر مستحيل في الوقت الذي سحب أوباما قواته من العراق ويتحضر لسحب ما تبقى منها من أفغانستان، وتعهد في حملته الأخيرة بأن لا تخوض أمريكا أية مغامرة عسكرية ثالثة في عهده، وأن الأولوية اليوم هي لإنقاد الإقتصاد الأمريكي الذي وصل إلى حافة الهاوية بسبب حروب بوش العبثية.

 

اسرائيل التي ادعت على لسان رئيس وزرائها ‘بنيامين نتنياهو’ قبل أسبوع أنها لن تتدخل في الشأن السوري بعد توبيخ الرئيس ‘بوتن’، تبين أنها تكذب، وأنها لا زالت منخرطة في الحرب السورية حتى العظم. ذلك أنه بسبب الرعب الذي أصابها يعد سقوط القصير، وسيطرة الجيش السوري على الحدود مع الجولان والأردن ولبنان، وعجزها عن إقامة منطقة عازلة بينها وبين سورية، وبعد انسحاب كتيبة الأمم المتحدة النمساوية من مهمة مراقبة الحدود، ورفضها القبول بتعويض هذا الفراغ المفاجأ والخطير بكتيبة روسية مخافة أن يقوم الروس بالتجسس لصالح النظام في دمشق، وفق قولها… فضلت الهروب إلى الأمام عبر ضخ المزيد من السلاح النوعي للتكفيريين في سورية عبر الجولان، وجندت مجموعة طائرات من دون طيار تحلق على ارتفاعات عالية فوق خطوط الحدود الأردنية السورية، و التركية السورية، بالإضافة للأقمار الصناعية التي تتابع تحركات الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله على الأرض، وتقوم بتزويد ‘التكفيريين’ على الأرض أولا بأول، بالمعلومات المفيدة لتمكنهم من إحباط خطط الهجوم المرتقبة في الساعات والأيام القادمة، خصوصا في منطقة حلب التي كثر الحديث عنها اليوم في الإعلام العربي والدولي باعتبارها المحطة القادمة بعد ‘القصير’.

 

غير أن الجيش العربي السوري وحزب الله يخلطون الأوراق مجددا، ويدفعون بحلف المتآمرين إلى حافة الجنون و الإفلاس.. هناك معارك تدور على مشارف حي الخالدية في حمص القديمة، والجيش السوري قتل عشرات الإرهابيين هناك، ويحقق تقدما ملموسا، وهناك معارك تدور في ريف دمشق الشرقي وفي ريف حلب وريف إدلب والمنطقة الشرقية، وفي الشمال على مشارف الحدود التركية وفي الجنوب على الحدود مع الأردن حيث استعاد ‘خربة الغزال’ الإستراتيجية… لكن هذه المعارك الصغيرة ليست الهدف المركزي.. فالجيش السوري لم يبدأ خطة الهجوم الشامل بعد، وما يقوم به هو قطع طرق الإمدادات، ومحاصرة المجموعالت التكفيرية في دوائر مغلقة، ومراقبة مخارج الأنفاق، وهي كلها تحركات تكتيكية تجعل من المستحيل معرفة ما يقوم به الجيش وحزب الله بالضبط، لكن الأكيد أن ساعة الحسم ستكون قريبة، وصاعقة، وفي كل المناطق، وفي نفس الوقت… هذه استراتيجية جديدة ستدخل أرشيف المعاهد العسكرية الغربية لتدرس لضباط المستقبل.

 

حلف الفاشلين اكتشف فجأة أن التركيز لا يتم اليوم على حلب بالرغم من الضخ الإعلامي الكبير الذي ركز على هذه المدينة، بل ما يقوم به الجيش العربي السوري وحزب الله، باعتباره أولوية الأولويات، هو سد كل منافذ الحدود السورية في الجنوب (ريف درعا والحدود الأردنية) والشمال (الحدود التركية) حيث الأكراد المؤيدين للنظام، ومنطقة الشرق، بعد أن تم تطهير الحدود اللبنانية بالكامل ووضع قوى دائمة لمراقبة هذه المنافذ، وضرب كل من يجرأ على اجتياز الحدود، بل ومتابعته داخل العمق اللبناني. وهو ما أثار احتجاج الرئيس ‘سليمان’ عندما قصف الجيش السوري من الجو مركزا للإرهابيين في "عرسال”. وكان على الرئيس ‘سليمان’ أن يمنع الإرهابيين من استعمال الأراضي اللبنانية للهجوم على الشعب السوري، وكان عليه أن يندد بإسرائيل التي تخترق يوميا الأجواء اللبنانية في الجنوب. هذا الإحتجاج الذي جاء بطلب من السفارة الأمريكية، أثار موجة من السخط العارم من قبل حزب الله وحلفائه في 8 أذار ضد الرئيس الفاشل والمنحاز لإطروحات 14 الشهر والحريص على تنفيذ تعليمات السفارة الأمريكية بإخلاص و تفاني. ويشار إلى أن آخر الأنباء تتحدث عن تراجعه عن تقديم شكوى بسورية لمجلس الأمن بعد أن رفض وزير الخارجية عدنان منصور الأمر.

 

ومع بدء العد العكسي لجنيف، تبدي جميع الأطراف المزيد من العصبية، والشكوك حتى في احتمال انعقاد المؤتمر. فالأمريكي وحلفائه (السعودية وفرنسا وبريطانيا) مدركين لخطورة الاستسلام إلى فكرة أن لا مناص من جنيف في ظل انقسام المعارضة السورية، وسقوط جناح واسع منها تحت قيادة "التكفيريين”. و يتقاسم أطراف محور الفاشلين تحليلاً دقيقا وعميقا لحجم الفشل الذي طالهم في سورية ولمخاطر الذهاب إلى جنيف بصفر ورقة على الأرض، وقد عبر عن عمق الهزيمة الحليف الفرنسي بأدق ما يكون الوصف، من خلال قوله الخميس: "لا ينبغي أن يذهب أحد الأطراف إلى جنيف، في وضع بالغ الضعف، فيما يصل الآخر في وضع بالغ القوة”.

 

وللمرة الأولى منذ تفجر الانتفاضة في مارس اذار 2011 في درعا، قال وزير اسرائيلي يوم الاثنين المنصرم: "إن حكومة الأسد ربما لا تبقى فحسب، بل وقد تستعيد أيضا أراضي من مقاتلي المعارضة”. وهو تصريح يظهر الصعوبات التي تواجه الغرب في توقع مصير سورية وتقييم مسألة التدخل في الصراع.

 

وفي انتظار حسم المعارك على الأرض السورية في المدى المنظور وفق الإستراتيجية التي تحدثنا عنها أعلاه، لتنطلق مقاومة الإحتلال في الجولان حال إتمام الإستعدادات والتدريبات القائمة على قدم وساق، ها هو حزب الله يبعث برسائل مشفرة إلى الداخل اللبناني، ومفادها وفق ما ذكر سياسي مقرب من ‘حزب الله’، لصحيفة السفير اللبنانية، أن: "سورية أصبحت ساحة معركة مفتوحة للقوى الإقليمية والدولية. إنها ساحة مفتوحة لكل من يريد القتال”.

 

أما خصوم حزب الله في الداخل اللبناني، فليسوا قادرين على خوض معارك معه في شوارع بيروت أو غيرها. وتقول مصادر أمنية لبنانية، إن الخطر يمكن أن يأتي من جماعات تابعة للقاعدة في شمال لبنان وجنوبه، وقد تحاول الإنتقام من خلال هجمات انتحارية، لكن حزب الله قادر على حسم الوضع في لبنان بسرعة فائقة في حال تحرك "التكفيريين” من الشمال في محاولة لإشعال الساحة الداخلية، وستكون هذه أول وآخر غلطة يرتكبها ‘الحريري’ و ‘جعجع’ وجماعة 14 الشهر العميلة، كما ستكون مناسبة لإقتلاع النفوذ السعودي الوهابي في لبنان من خلال ضرب أدواته.

 

يعرف لبنان اليوم فراغا هائلا وخطيرا في السلطة، وحزب الله لا يعلق حتى الآن على ما يدور، بل يفضل الإنتظار بصبر وجهوزية، ويعطي لقوات الجيش الفرصة لضبط الأمن، خصوصا في طرابلس وأماكن أخرى، والجيش يتعرض لضغط هائل من كل الجهات بمن فيها السياسية. لكن الجميع في لبنان، يدركون أن لحزب الله خطوطا حمرا لن يسمح لأحد بتجاوزها، لأن ذلك يعني نزول الحزب إلى الشوارع. والحزب ليس بحاجة للتعريف بنفسه أنه قوة إقليمية كبيرة ومهيمنة وليس قوة لبنانية فقط، وأنه عملة نادرة في ساحات القتال، وأنه صاحب سطوة سياسية قاهرة و قوة عسكرية رهيبة وفاعلة.. وأنه عندما قرر دخول الحرب في سورية، حسبها حسابا دقيقا، واستعد لكل تطوراتها وتداعياتها بما في ذلك دخول الأمريكي والناتو حلبة الصراع، فمن ذا الذي يجرأ على المغامرة…؟

 

لم نتطرق لكلمة سماحة السيد حسن نصر الله اليوم، لإننا كنا نشعر قبل الخطاب أنه لا يريد أن يقول شيئا في هذا الوقت الدقيق من عمر الصراع، حتى لا يعطي لأعدائه في الخارج والداخل خيوطا ينفذون منها، خصوصا أنه لا يعرف الكذب والمراوغة وتقنيات الحرب النفسية.. وأن القصير ليست إلا محطة أولى في محطات الإنتصارات القادمة.

 

المرحلة مرحلة حرب، وتقتضي السكوت عن الكلام المباح، في انتظار العاصفة.. وإنا معكم من المنتظرين.. أليس الصبح بقريب؟.. إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.. حينها سيبتهج المؤمنون بطلعة سماحته.. ويفرحون بنصر الله.. ويعود الشرق جميلا كما كان أول مرة.
رأیکم