الانتفاضة المَنسيّة في شرق المملكة العربية السعودية - فريدريك ويري

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۰۰۶
تأريخ النشر:  ۰۸:۱۶  - الاثنين  ۱۶  ‫ستمبر‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
شهدت المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية دورة قاتلة من التظاهرات وإطلاق النار والاعتقالات على مدى أكثر من عامين.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء في حين يشترك شيعة المنطقة الشرقية في المظالم مع بقية أنحاء البلاد، يتفاقم السخط الذي يجيّش تحت السطح بسبب سجلّ حافل من تمييز النظام والإهمال على المستوى المناطقي. ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، ينبغي على النظام معالجة جذور المعارضة على المستويَين المحلي والوطني.
اضطرابات المنطقة الشرقية

تعود أسباب المعارضة في المنطقة الشرقية عادة إلى التمييز الطائفي الذي يمارسه النظام ضد الشيعة، وإلى الإهمال الاقتصادي، والتهميش السياسي للمنطقة.
 
يدعو الناشطون الشيعة في المنطقة الشرقية إلى حكمٍ قائمٍ على المشاركة الحقيقية، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإنشاء مجلس شورى مُنتخَب، وصياغة دستور للبلاد، من بين مطالب أخرى.
 
استجاب النظام لتلك المطالب باستراتيجية بالية تمثّلت بتوزيع الإعانات الاقتصادية، واستلحاق رجال الدين الشيعة لكبح الاحتجاجات، وإطلاق هجوم إعلامي مضاد يُشعِل فتيل الطائفية، وتنفيذ حملة من الاعتقالات والسجن.
 
عمّق القمع الذي مارسه النظام الانقسامات بين محاوريه التقليديين من الناشطين الشيعة من كبار السنّ ورجال الدين، وبين شبكات الشباب الذين نفد صبرهم وأعربوا عن امتعاضهم من بطء وتيرة الإصلاح. وفي حين تشبه أهداف هؤلاء الناشطين الشباب أهداف نظرائهم الأكبر سناً، فإنهم يفضّلون احتجاجات الشوارع على العرائض والالتماسات.
توصيات للحكومة السعودية

تنفيذ النتائج التي توصّل إليها، في العام 2012، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض. وتشمل هذه النتائج سحب القوات السعودية من البحرين، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، وإنشاء لجنة للتحقيق في ممارسات وزارة الداخلية في العوامية، وهي بلدة فقيرة كانت نقطة محوريّة للمعارضة الشيعية وقمع النظام.
 
وضع حدّ لعمليات الاعتقال التعسّفي وإلغاء القوانين الصارمة ضد "الفتنة". فقد أجّجت هذه التجاوزات غضب الشباب في المنطقة الشرقية ومناطق أخرى في البلاد.
 
تمكين المجالس البلدية المُنتخَبة في جميع أنحاء البلاد لكي تمارس قدراً أكبر من الرقابة والسلطة التنفيذية على ميزانياتها. فهذه السلطات في الشرق ستساعد في تعزيز البنية التحتية وتحسين المرافق التعليمية وتنويع الاقتصاد، وهي كلّها أمور ضرورية لتجنّب مخاطر المعارضة الشبابية.
 
الاعتراف بالقوانين الشرعية للشيعة الجعفرية ومنح الشيعة تمثيلاً في هيئة كبار العلماء. فزيادة التنوّع في هذه المؤسّسات ستساهم، على المدى الطويل، في الحدّ من الطائفية في المجتمع السعودي.
 
عدم التسامح مع تصوير المعارضة في المنطقة الشرقية على أنها دليل على التخريب الذي تمارسه إيران. فمثل هذا التصوير يغذّي بيئة سياسية سامة ويساهم في تنفير جيل الشباب الشيعة.
تزايد مشاعر السخط

بعد عامين على بدء الانتفاضات العربية، لاتزال المملكة العربية السعودية تشكّل لغزاً.1  فيبدو، بالنسبة إلى المراقبين الخارجيين، أنها تجاوزت إلى حدّ كبير الثورات والاضطرابات التي هزّت بقية العالم العربي. لكن السعودية تحت السطح بلدٌ يعاني من تصاعد التحدّيات السياسية والاقتصادية والديمغرافية. كما أن تطلّعات جيل الشباب الذي يواجه بطالةً واسعة الانتشار، واستبعاداً وشيكاً له من نظام رعاية الدولة، آخذةٌ في الارتفاع. يُضاف إلى ذلك أن مشهد الإعلام الاجتماعي بات يمكّن الناس، وعلى نحو غير مسبوق، من تبادل الأفكار وانتهاك المحرّمات التي كانت مقدّسة في السابق. في الوقت نفسه، تتعرّض الخدمات والبنية التحتية إلى الضغط والإجهاد، في حين أن القطاع العام متضخّم، ويجري تجاهل مسائل الخلافة داخل القيادة الهرمة.
 
وإذا ماكان ثمة مكان في المملكة العربية السعودية حيث تبرز هذه التحديات بوضوح، فهو المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، حيث تقيم الغالبية العظمى من المواطنين الشيعة الاثني عشرية في البلاد، والذين تقدّر نسبتهم بحوالى 10 إلى 15 في المئة من مجموع السكان.2  فقد شهدت المنطقة الشرقية منذ بداية الانتفاضات العربية في أواخر العام 2010، اضطرابات ثانوية ومستمرة ضمن حلقة لاتنتهي من الاعتقالات وإطلاق النار والتظاهرات. وقد قُتِل ستة عشر شاباً خلال هذه الاضطرابات.
 
خلال معظم سنوات العقدَين الماضيَين، عكست المعارضة في المنطقة الشرقية مزيجاً من الإهمال الاقتصادي والتهميش السياسي على المستوى المحلي، ينطوي في كثير من الأحيان على مفاهيم مُضخَّمة عن إذعان الشيعة لإيران. إضافة إلى ذلك، واجه الناشطون الشيعة رواية قديمة قدّمتها العائلة المالكة وحلفاؤها، مفادها أن المواطنين في البلاد ميّالون إلى أهواء القبَلية والطائفية والإسلاميين، وبالتالي هم ليسوا جاهزين للديمقراطية الكاملة. وفي هذا الإطار، يؤدّي آل سعود دور الوسيط المعتدل، والرابط الذي يوحّد المواطنين المنقسمين. وردّاً على ذلك، يقول الناشطون الشيعة، إلى جانب عدد متزايد من الإصلاحيين السنّة، إن هذا يمثّل بالضبط غياب المجتمع المدني والحكم التشاركي الذي يفسّر الاستمرار المزمن للطائفية والقبلية في المجتمع السعودي.
 
ما من شك في أن التمييز الطائفي يؤثّر إلى حدٍّ كبير على الحياة اليومية للأقلّية الشيعية في المنطقة الشرقية في السعودية. بيد أن العديد من مطالب المحتجّين لاتتعلّق بحقوق الشيعة على وجه التحديد، إذ تشمل بالأحرى مجموعةً من الأهداف التي طالما طرحها الإصلاحيون في أماكن أخرى من البلاد: الإفراج عن السجناء السياسيين، وتشكيل مجلس شورى مُنتخَب، واستقلال القضاء، وصياغة دستور للبلاد، ومنح المجالس البلدية قدراً أكبر من السلطة. في هذا المعنى، سيكون من الخطأ تفسير المعارضة في المنطقة الشرقية باعتبارها قضية محلية بحتة أو شيعية بالمعنى الضيّق. ومع أن الوضع تفاقم بالتأكيد بسبب التمييز الطائفي، يطال الكثير من الدوافع الكامنة وراء المعارضة أجزاءَ أخرى من المملكة، وبدرجات متفاوتة من الشدّة.
 
وقد لجأ النظام، في سياق ردّه على الاحتجاجات، إلى استراتيجيات مُجرَّبة تمثّلت في تقديم الإعانات والمنافع الاقتصادية الأخرى، واستلحاق رجال الدين الشيعة المحافظين والأكثر مهادنة لتهدئة غضب الشباب، وإطلاق هجوم إعلامي مضاد يصوّر الاحتجاجات بوصفها أعمالاً إجرامية بطبيعتها أو أنها تسترشد بنظام ايران الشيعي، وشنّ حملة أمنية من الاعتقالات والسجن. وتسبّبت حملة القمع التي شنّتها الحكومة في تعميق الانقسامات بين محاوريها من رجال الدين الشيعة وبين كادر من الشباب أكثر نشاطاً، الأمر الذي أضرّ بعملية الإصلاح.
 
يحتاج النظام إلى معالجة الدوافع المتأصّلة للمعارضة على الصعيدَين الوطني والمحلي لكي يحقّق سلاماً اجتماعياً دائماً في المنطقة الشرقية. ففي نهاية المطاف، تكمن أفضل وسيلة لتخفيف حالة عدم الاستقرار في المنطقة الشرقية في بدء عملية إصلاح شاملة تتضمّن نظاماً قضائياً أكثر شفافية ومستقلاً، ومنح صلاحيات أكبر للمجالس البلدية، ووضع حدّ للتمييز في القطاع العام، وإضفاء مزيد من التنوّع الديني على المؤسسة الدينية في البلاد.
الجذور المحلية والطائفية للمعارضة

تُعَدّ مشكلة المعارضة في المنطقة الشرقية، في كثير من جوانبها، نتاجَ التوزيع غير المتكافئ للموارد الاقتصادية ورأس المال السياسي، وهو الخلل الذي يعتري العديد من المحافظات في المملكة العربية السعودية. بيد أن هذا الإحساس بالإقصاء متجذّر في المنطقة الشرقية، وله سجلّ طويل يعود إلى بدايات نشأة المملكة.
 
في العام 1913، أُخضِعَت واحَتا الأحساء والقطيف في المنطقة الشرقية إلى سيطرة ابن سعود وحلفائه القبليين من منطقة وسط نجد. وفي العام 1932، أُدمِجَت الواحتَين في الدولة السعودية الحديثة. في الفترة اللاحقة من بناء الدولة، ظلت المناطق الشرقية تابعة لمنطقة نجد من حيث تنميتها الاقتصادية وسلطتها السياسية ومكانتها البارزة في الروايات الرسمية للدولة.
 
يعترف الناشطون الشيعة بأن مستوى المعيشة في شرق السعودية قد تحسّن عموماً مع مرور الوقت، ولاسيما بالمقارنة مع المحافظات الأخرى مثل الجوف وعسير. لكن لاشكّ أن المشاكل لاتزال قائمة، ولايزال هناك إحباط إزاء عدم وجود مدخلات لأبناء المنطقة الشرقية في ميزانيات البلديات وإدارة المحافظة. وفي مناطق معيّنة في الشرق، ولاسيما بلدة العوامية، أدّت المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر المدقع إلى زيادة المشاكل، التي ازدادت مرارةً لأن البلدة تتاخم خط أنابيب رئيساً للغاز.
 
أدّى الإقصاء الديني إلى تفاقم الشعور بالتهميش السياسي والمناطقي. وبموجب النظام الأساسي للحكم في المملكة الذي أُقِرّ في العام 1992، جرى تكريس الإسلام السنّي كمصدر لسلطة الدولة، إذ تصدر أعلى هيئة دينية في البلاد، هيئة كبار العلماء التي تضمّ عشرين شخصاً، الفتاوى الدينية التي تؤثّر على كل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية في المملكة تقريباً. ومع أن الهيئة تضمّ ممثّلين عن المدارس الفقهية السنّية الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، لايوجد فيها ممثّلون للشيعة.
 
نتيجة لذلك، يشعر الشيعة بالتمييز في عدد من المجالات. ومع أن الحكومة تسمح بالتجمّعات الدينية الخاصة، لايزال الشيعة يواجهون عقبات بيروقراطية وقانونية في الحصول على التراخيص العامة والاعتراف بالمساجد وبيوت العزاء. ويشكو رجال الدين الشيعة من أن وسائل الإعلام الرسمية تهمل تغطية الاحتفالات الدينية الشيعية. كما يُعَدّ النظام التعليمي مجالاً رئيساً آخر للقلق، إذ تحوي الكتب المدرسية في كثير من الأحيان إشارات مهينة إلى الشيعة، وفي بعض الحالات حججاً قانونية لإقصائهم اجتماعياً أو حتى قتلهم.
 
وثمّة شكوى قديمة تتمثّل في معاملة الشيعة في ظلّ النظام القضائي الذي تحكمه على المستوى الوطني مدرسة الفقه الحنبلي السنّية. ومع أن الشيعة في شرق المملكة يتمتّعون بالقدرة على استخدام محاكم الأوقاف والمواريث الجعفرية، يبقى نطاق أحكامها محدوداً جغرافياً ويقتصر على الدعاوى في القطيف والأحساء. ولايستطيع الشيعة من أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك أنحاء من المنطقة الشرقية ونجران والمناطق الشيعية في المدينة المنورة في الغرب، الوصول إلى المحاكم الشيعية. إضافة إلى ذلك، فإن سلطة المحاكم الشيعية في المنطقة الشرقية مقيّدة بالمحاكم السنّية التي تمتلك حق نقض قرارات المحاكم الشيعية. وفي وسع أي مُدَّعى عليه أو مدَّعٍ لايوافق على حكم قاضٍ شيعي، أن يسعى إلى إعادة النظر في القضية في محكمة سنّية.3
 
كذلك يجري إقصاء الشيعة من الأجهزة الحكومية الحسّاسة، مثل وزارة الداخلية والحرس الوطني ووزارة الدفاع. وباستثناء مراقبة حركة المرور، تزوَّد قوات الشرطة في المنطقة الشرقية في العادة بموظفين من السنّة، وهم في كثير من الأحيان من أنحاء أخرى من البلاد، الأمر الذي يولّد شعوراً بالجفاء لدى المجتمعات المحلية وموظّفي إنفاذ القانون. ويُعتَبَر الديوان الملكي ومجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي مجالات أخرى للإقصاء. على المستوى المحلي، الشيعة ممثَّلون بشكل أفضل في المجالس البلدية، ولهم ستة من أصل أحد عشر مقعداً في المنطقة الشرقية. ومع ذلك، ليست السلطة الحقيقية في المحافظة في يد المجالس، بل هي موجودة على مستوى المحافظة، التي تخضع إلى إشراف وزارة الداخلية وتسيطر العائلة المالكة عليها بحزم.4
 
يستند الكثير من التمييز إلى التحالف التاريخي والتكافلي بين عائلة آل سعود الحاكمة والمؤسّسة الدينية السلفية. وفي مقابل إضفاء الشرعية على حكم العائلة، يُسمَح للمؤسّسة السلفية بأن تتبوّأ مكاناً بارزاً في الخطاب العام والاجتماعي في المملكة. وبالنسبة إلى كثير من رجال الدين فى الدوائر العليا من هذه البيروقراطية، يوفّر تعزيز الطائفية منافع مادية حقيقية من خلال ضمان وصولهم بصورة مستمرة وحصرية إلى السلطة السياسية. ومن شأن أي اعتراف رسمي بالهوية الشيعية، سواء في المجالات السياسية أو القانونية أو الثقافية، أن يقوّض هذه الأولوية بصورة فعلية. فرجال الدين السلفيين هم بالكاد موحَّدون في سلوكهم تجاه الشيعة، لكنهم موحَّدون عموماً في الرأي القائل إن الشيعة منحرفون عن العقيدة الإسلامية السلفية. وبالتالي تُشوَّه سمعة الشيعة بوصفهم روافض.
 
وقد أثبت التمييز الطائفي أنه مفيد للعائلة الحاكمة والسلفيين، إذ سمح النظام السعودي منذ وقت طويل بانتشار الكتيّبات والخطب وبيانات الإنترنت المناهضة للشيعة والفرس، حيث يتكرّر استخدام الكثير منها من هجوم المملكة الأيديولوجي المضاد على الثورة الإيرانية التي قامت في العام 1979. وكثيراً ماتُستخدَم مناهضة التشيّع كأداة محلية مفيدة للنظام، ووسيلة لاسترضاء المنتقدين المحتملين في المؤسّسة السلفية وصرف المشاعر الشعبية بعيداً عن إخفاقات النظام. ولكي يتمكن من التعامل مع مطالب الإصلاح، كثيراً مالعب نظام بالورقة الطائفية لتحقيق نتيجة مماثلة، حيث يصوّر الاحتجاجات في المنطقة الشرقية على أنها شيعية بطبيعتها. وكان الهدف النهائي من هذه الاستراتيجية هو إحباط أي تعاون عابر للطوائف بين الناشطين في أنحاء مختلفة من المملكة.
الشكوك الدائمة حول التأثير الخارجي

جرى إقصاء الشيعة السعوديين منذ وقت طويل بسبب الشكوك الكبيرة حول روابطهم عبر الوطنية مع إيران والعراق ولبنان وسورية. ومن أبرز هذه الروابط المؤسّسة الشيعية الفريدة مراجع التقليد. وهذا المصطلح يعني حرفياً "مصدر المحاكاة"، ويشير في الممارسة العملية إلى تبجيل كبار رجال الدين الشيعة الذين توفّر فتاواهم إرشادات غير ملزمة في المسائل الروحية والاجتماعية والقانونية، والسياسية في بعض الحالات. ولأن سلطة المؤسّسة الدينية الشيعية لاتقتصر، من الناحية النظرية، على الحدود الوطنية، فقد أثبتت المؤسّسة أنها إشكالية على صعيد إدماج الشيعة من خلال تأجيج شكوك السنّة في خيانة الشيعة للدولة. وتكمن في صميم هذه الشكوك أسئلة حول ما إذا كانت السلطة عبر الوطنية للمرجع توجيهية أو استشارية، وما إذا كانت تمتدّ خارج نطاق الشؤون الروحية والاجتماعية لتطال المسائل السياسية. وجادل بعض الكتّاب الشيعة في أنه كي يندمج الشيعة حقيقة، فعليهم إصلاح هذه المؤسّسة أولاً. ولايزال هذا النقاش مستمراً بين الشيعة، وقد تأثّر كثيراً بالأحداث الإقليمية في العراق وإيران.
 
لاتزال الشكوك في ولاء الشيعة السياسي في المنطقة الشرقية للنظام الإيراني تحاصرهم وتضايقهم. وتتجنّب الأغلبية الساحقة من الشيعة السعوديين إقامة علاقات سياسية رسمية مع الجمهورية الإسلامية، وترفض نظام الحكم الديني الإيراني لصالح الرؤية الأكثر مهادَنة لآية الله العظمى السيد علي السيستاني، أرفع رجل دين شيعي في العراق. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال دائماً، فقد تسبّبت الثورة الإيرانية في حدوث تحوّل كبير من المهادنة إلى النشاط في أوساط الشيعة في المنطقة الشرقية.
 
كانت انتفاضة الأيام السبعة في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 الحدث الأكثر تأثيراً في المنطقة الشرقية في السعودية بعد الثورة الإيرانية.  ومع أن التظاهرات كانت مستوحاة جزئياً من الثورة الإيرانية،5 كان الكثير من المظالم التي حرّكت المتظاهرين محلياً وغير طائفي. وشهدت فترة أواخر السبعينيات خيبة أمل متزايدة بين الشيعة، بسبب فشل الحكومة في الوفاء بوعودها لتحديث المنطقة الشرقية، حيث تتناقض الظروف المعيشية بشكل حادّ مع الثراء المتزايد للنخب السعودية في منطقة نجد وسط البلاد. وقد بدأت الاحتجاجات بعدما نظّم ناشطون شيعة مواكب عامة في يوم عاشوراء، إحياءً لذكرى أربعينية الإمام الحسين، في القطيف في انتهاك مباشر للحظر الذي كان قائماً منذ العام 1913. وسرعان ما امتدّ التمرّد إلى القرى المجاورة، حيث جاء ردّ النظام القمعي سريعاً بواسطة الحرس الوطني السعودي، فقُتِل أربعة وعشرون من المتظاهرين الشيعة على الأقل. وبحلول كانون الأول/ديسمبر، أسّس قادة الانتفاضة، حسن الصفار وتوفيق السيف وجعفر الشايب، منظمة الثورة الإسلامية رسمياً.
 
في أعقاب الانتفاضة، واصلت إيران جهودها الرامية إلى ممارسة نفوذ على النشاط الشيعي في المملكة العربية السعودية. في العام 1981، أنشأ فيلق الحرس الثوري الإسلامي مكتب حركات التحرر، الذي يهدف بوضوح إلى دعم الجماعات الثورية في منطقة الخليج.6  وقد أقامت شخصيات شيعية دينية سعودية وناشطون علمانيون - الكثير منهم من أتباع آية الله السيد محمد الشيرازي، والمعروفين بأعضاء مايُسمّى التيار الشيرازي - علاقات وثيقة مع هذا المكتب. وتبيّن لاحقاً أن لهؤلاء الأفراد دوراً فعّالاً في دعم منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية.
 
ومع ذلك، لم تكن إيران راضية في نهاية المطاف عن قدرتها على السيطرة على منظمة الثورة الإسلامية. فقد حدا غياب الرقابة، إلى جانب التحوّل السياسي الحزبي في طهران، بالقيادة الإيرانية إلى إنشاء، جماعة متشدّدة أكثر مرونة في المملكة العربية السعودية، أطلق عليها اسم "حزب الله الحجاز". وقيل إن أعضاء الجماعة هم الذين نفّذوا تفجير أبراج الخبر في العام 1996 في المنطقة الشرقية، حيث قُتِل تسعة عشر جندياً أميركياً وجُرِح حوالى 500 شخص.7  وفي أعقاب اعتقال منفّذي التفجير وعودة الدفء إلى العلاقات السعودية-الإيرانية في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، حُلَّت الجماعة ودُمِج أعضاؤها في فصيل سياسي يُعرَف باسم "خط الإمام" (في إشارة إلى آية الله روح الله الخميني).
 
في العام 1993، عاد الزعماء الشيعة لمنظمة الثورة الإسلامية، والذين كان الكثير منهم في المنفى، إلى السعودية، وتوصّلوا إلى اتفاق مع الحكومة السعودية. وفي مقابل وعدٍ بالتخلّي عن العنف، حصل هؤلاء على تأكيدات من الحكومة بشأن الإصلاح السياسي ومعالجة المظالم الشيعية.8  كانت هذه بداية فترة طويلة من النشاط السلمي لرجال الدين والناشطين المعروفين الآن جَماعياً باسم "الإصلاحيين". ومع أنهم نأوا بأنفسهم عن إيران، واجه العديد منهم اتّهامات متكرّرة من جانب النظام ورجال الدين السلفيين بأنهم استمروا في التصرّف نيابة عن طهران وبناءً على طلبٍ من رجال الدين الشيعة في إيران والعراق ولبنان.
الإصلاحات الجوفاء وتصاعد خيبة الأمل

تمثّل النشاط السياسي الشيعي السعودي منذ فترة الثمانينيات المضطّربة إلى حدّ كبير بتقديم التماساتٍ إلى العائلة المالكة، والعمل في المجتمع المدني على مستوى القاعدة، والمشاركة في انتخابات المجالس البلدية، والحوار مع الإصلاحيين من ذوي التفكير المماثل من الليبراليين السعوديين والإسلاميين السنّة. لكن الجزء الأكبر من هذا النشاط لايهدف إلى معالجة الإساءات الطائفية المحدّدة ضد الشيعة، بل إلى بناء مجتمع مدني وهياكل حكم تقوم على المشاركة بصورة أكبر في المملكة.
 
مع ارتقاء الملك عبدالله إلى العرش في العام 2005، أعرب شيعة المنطقة الشرقية عن أملهم في أن يكون الإصلاح حقيقة واقعة. فقد تبنّى عبدالله، كولي للعهد أولاً وكملك فيما بعد، عدداً من المبادرات الرامية إلى تهدئة الانقسامات الطائفية وزيادة المشاركة العامة في الحياة السياسية في البلاد. وكان من بين أبرز المبادرات في هذا الصدد إنشاء جلسات الحوار الوطني، التي تهدف إلى جمع أفراد من مختلف شرائح المجتمع السعودي لمناقشة مجموعة متنّوعة من القضايا الوطنية. وقد اتّخذت المبادرة الخطوة الثورية المتمثّلة بالاعتراف بالتنوّع الطائفي والمناطقي في المملكة. كما أسّس عبدالله برنامجاً وطنياً ضخماً للمنح الدراسية لإرسال الشباب السعودي إلى الخارج من أجل الحصول على التعليم الجامعي. والأهم من ذلك هو أن الملك عبدالله أشرف على أول تجربة للبلاد في السياسة القائمة على المشاركة الجماعية عبر انتخابات المجلس البلدي في العام 2005.
 
لكن هذه الإصلاحات لم تَرْقَ إلى مستوى الوعود التي قطعتها. وفقاً لكل الروايات تقريباً - من شباب الشيعة إلى رجال الدين والمثقفين - أثبتت المبادرات مثل الحوار الوطني والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أنها شكلية في الأساس. فقد أنعشت انتخابات المجالس البلدية في العام 2005 الآمال بشأن إجراء تحسينات على الحكم في المنطقة الشرقية. لكنها أثبتت أيضاً أنها مخيّبة للآمال، حيث بقيت السلطة النهائية على الميزانيات المحلية والإدارة وتعيين الموظفين في يد أمير المنطقة الشرقية ووزارة الداخلية.
 
بدا التعديل الوزاري الذي أُجري في السعودية في شباط/فبراير 2009 واعداً. فقد شمل إقصاء أنصار متشدّدين من الحكومة، مثل إبراهيم بن عبدالله الغيث، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصالح بن محمد اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى. أثارت عملية إعادة التنظيم التوقّعات بأن يحصل الشيعة على تمثيل في هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى، وهو أيضاً هيئة دينية رفيعة. ومع ذلك، لم يُعيَّن أيُّ شيعي في هذه الهيئات.
 
الأسوأ من ذلك هو أنه تمّ التراجع تدريجياً عن الجهود الرسمية وغير الرسمية لإقامة حوار عابر للطوائف بين الشيعة والسنّة، إما بسبب غياب الدعم من جانب النظام، وإما بسبب العرقلة المتزايدة لهذه الجهود، إلى جانب تصاعد التوتّر الطائفي في المجتمع السعودي. فقد أعرب أحد الناشطين الشيعة في الهفوف لكاتب الورقة عن أسفه في أوائل العام 2013 قائلاً: "لقد ولّت أيام المصالحة بين الشيعة والسنّة بين العامين 2005 و2007".
 
إن كان ثمة نقطة إيجابية فهي تتمثّل في برنامج المنح الدراسية في الخارج. كان هذا البرنامج يُدار، وفقاً لكثير من المحاورين الشيعة، من دون اعتبار للطائفة أو المنطقة. ومع ذلك، تبيّن أن هذا البرنامج كان سيفاً ذا حدّين، حيث عاد الكثير من الشباب الشيعة الذين استفادوا من البرنامج إلى بلدٍ لم يكن قادراً على استيعاب تطلّعاتهم في اللحظة التي حلّت فيها مشاعر اللامبالاة وانعدام الثقة واليأس المتجدّدة محلّ وعود الإصلاح.
الفجوة بين الأجيال

على مدى العقدَين الماضيَين، لم تُسفِر محاولات الإصلاحيين على صعيد النشاط السلمي إلا عن نتائج مخيّبة للآمال. في نهاية المطاف، تحوّل تصاعد مشاعر الإحباط مع غياب الإصلاح إلى غضب جماعي. وإن كان هناك من حدثٍ يمكنه تحديد هذا التحوّل بدقة، فهو أعمال الشغب التي وقعت في المدينة المنورة في شباط/فبراير 2009، وهي مدينة يبجّلها الشيعة لأنها تضمّ قبور أئمة الشيعة. فقد اندلعت اشتباكات بين الحجاج الشيعة الذين كانوا يزورون المقبرة وأفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة للنظام. ومع أن الروايات الخاصة بالحادث تختلف، يبدو أن شرارة الاضطرابات انطلقت عندما قامت الشرطة الدينية بتصوير إناث من الحجّاج الشيعة. بعد ذلك، دخلت قوات الأمن إلى الأحياء الشيعية في المدينة حيث قامت بضرب السكان واعتقالهم، وأُصيب العشرات نتيجة لذلك.9
 
راوغ الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وهو الثاني في تسلسل ولاية العرش الذي كان قد عُيِّن حديثاً، وأثار اللبس في سياق إدانته للحادث، الأمر الذي أثار حفيظة الشيعة. وفي مقابلة صحافية لاحقة، بدا أن نايف يبرّر ردَّ الشرطة الدينية الوحشي، حيث قال إن المملكة العربية السعودية تتّبع "مذهب أهل السنّة"، وإنه رغم أن بعض المواطنين "يتبعون مدارس فكرية أخرى... فإن على عقلائهم أن يحترموا هذا المذهب".10  بالنسبة إلى الشيعة في المنطقة الشرقية، بدا أن ردّ النظام يؤكّد الشكوك المتزايدة بشأن وقف تواصل العائلة الحاكمة مع الشيعة أو التراجع عنه. وسرعان ما اندلعت التظاهرات في القطيف والعوامية والصفوة، الأمر الذي شكّل علامة على أخطر انفجار للمعارضة الشيعية منذ العام 1979.
 
أدّت أعمال الشغب في المدينة المنورة والإجراءات الصارمة التي تلتها، إلى تزايد حدّة الانقسامات داخل الطائفة الشيعية بشأن وتيرة الإصلاح ونطاقه. في أوائل آذار/مارس، أعلن حمزة الحسن، أحد أوائل منظّري منظمة الثورة الإسلامية الذي يقيم الآن في لندن، تشكيل "حركة خلاص في الجزيرة العربية" وقد رفضت الحركة صراحةً، مستشهدة ببطء وتيرة الإصلاح باعتباره المُحرِّك الرئيس وراء تشكيلها، النهجَ التدريجي والتشاركي للإصلاحيين، قائلةً إن تقرير المصير هو "حقّ مشروع" لأي جماعة مضطّهدة.11
 
بيد أن التأثير الأكثر ديمومة للاشتباكات تمثَّلَ في زيادة شعبية آية الله نمر باقر النمر، وهو رجل دين شيعي صريح في التعبير عن آرائه رفضَ أيضاً النهج التشاركي للإصلاحيين، والذي كان تأييده يقتصر على مسقط رأسه في العوامية.12  في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم 13 آذار/مارس، انتقد النمر النظام وحذّر من أن انفصال المنطقة الشرقية عن بقية البلاد هو الخيار الوحيد المتبقّي. كان أداء النمر نارياً وجذب أعداداً غير مسبوقة من الشبان المُحبَطين، وسرعان ما اكتسبت الخطبة شهرة واسعة على شبكة الإنترنت بوصفها "خطاب الكرامة". إلا أن الخطبة أثبتت في صفاقتها ورفضها القاسي للحوار أنها مربكة جداً للشخصيات الأكثر واقعية في حركة الإصلاحيين. ولذا لم يكن مفاجئاً أن تثير إشارة الخطاب إلى الانفصال حفيظةَ النظام، الذي تصرّف بسرعة واعتقل النمر وعدداً من أنصاره وفرض حظر التجوّل على العوامية.
 
وبدلاً من خنق المعارضة، أدّت موجة الاعتقالات إلى إطلاق نداءات واسعة للتضامن مع النمر، الأمر الذي أدّى، على عكس ماهو مُتوقَّع، إلى تعزيز مكانة هذه الشخصية الشيعية التي كان النظام يتمنّى تهميشها. نظّم الناشطون في أنحاء المنطقة الشرقية اعتصامات للمطالبة بالإفراج عن متظاهري العوامية. في نيسان/أبريل، أصدرت مجموعة من 60 شخصية شيعية، منها ثمانية عشر من رجال الدين البارزين، بياناً أعربت فيه عن التضامن مع سكان العوامية، وطالبت بوضع حدّ للتمييز الطائفي، في حين نأت بنفسها أيضاً عن دعوات النمر إلى الانفصال.13
 
بحلول أواخر العام 2010، بدأت مجموعة شابة وأكثر نشاطاً من الشيعة السعوديين تدرك أكثر فأكثر أن العائلة المالكة تمكّنت من استلحاق الكوادر القديمة من الإصلاحيين، وأن هذه الكوادر فشلت في تحقيق أي تحسينات ذات مغزى. كان هذا الجيل الأصغر سنّاً عرضةً إلى رياح التغيير التي تجتاح المنطقة. وأصبحت الخلافات حول استراتيجيات الإصلاح تتمّ شيئاً فشيئاً على أساس صراع الأجيال. وتزايدت تلك الفجوة لتصل إلى ذروتها في نهاية المطاف في أعقاب الانتفاضات في تونس والقاهرة.
"يوم الغضب" السعودي في المنطقة الشرقية

في أعقاب سقوط الرئيس المصري حسني مبارك والتغيّرات الهائلة التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط في العام 2011، كانت الفئة الأكبر سنّاً من الناشطين والإصلاحيين هي التي بادرت أولاً إلى الضغط من أجل التغيير في المملكة العربية السعودية. وقّع الإصلاحيون الذين يفضّلون أسلوب الاحتجاج السلمي رسالةً إلى العائلة المالكة تطالب بملَكية دستورية. شملت قائمة الموقّعين الـ119 على الوثيقة التي أُطلِق عليها اسم "إعلان وطني للإصلاح"، مجموعة واسعة من الناشطين من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي والطائفي. حثّت الوثيقة على إجراء مجموعة واسعة من الإصلاحات السياسية والمدنية، بما في ذلك إنشاء جمعية وطنية مُنتخَبة، وحماية حقوق الإنسان، والأهمّ من ذلك، تأسيس نظام فدرالي من شأنه أن يعطي سلطة أكبر لحكومات المحافظات. وكان المطلب الأخير ذا أهمية خاصة باعتباره الشكوى التي وحّدت السنّة والشيعة.14
 
لكن بالنسبة إلى الناشطين الشباب في الشرق، الذين ألهمتهم حشود المتظاهرين في تونس وميدان التحرير وبنغازي ودوار اللؤلؤة، كانت العريضة رمزاً لنهج قديم وبالٍ ثبت فشلُه. اشترك العديد من هؤلاء الناشطين في التخطيط لتظاهرات على مستوى البلاد، تقرّر القيام بها في 11 آذار/مارس، ووُصِفَت بأنها "يوم الغضب"، و"يوم حنين"، وأكثر فأكثر بأنها "ثورة حنين"، في إشارة تاريخية إلى معركة حنين التي جرت بين النبي محمد وأتباعه وبين قبيلة بدوية، قرب الطائف في العام 630 ميلادي.
 
في أوائل آذار/مارس، بدا أن مجموعات شبابية متباينة في جميع أنحاء البلاد قد اندمجت تحت مظلّة حركة عابرة للطوائف أُطلِق عليها اسم "ائتلاف الشباب الأحرار". أصدر الائتلاف مجموعة مطوّلة من المطالب تتألّف من 24 مطلباً، بما في ذلك الإفراج عن السجناء السياسيين، ووضع حدّ للفساد، وإلغاء جميع "الديون والضرائب غير المبرّرة"، وانتخاب مجلس للشورى، وإنشاء سلطة قضائية مستقلة.15 لكن المحاولة فشلت في نهاية المطاف بسبب الشكوك المتبادلة بين السنّة والشيعة في المنطقة الشرقية حول أهداف الاحتجاجات وتسلسلها.
التوترات بين الأجندات المحلية والوطنية

سرعان ماظهرت التوترات داخل الحركة الاحتجاجية بشأن تحديد أولويات الأجندات المحلية أو الوطنية. بدأ الشيعة على وجه الخصوص بالتركيز أكثر على مطالب وإصلاحات محدّدة حول التمييز في المنطقة الشرقية، بدلاً من التركيز على أهداف وطنية شاملة مثل القضاء على الفساد وصياغة دستور. ظهرت صفحات الفايسبوك الأولى التي تركّز بشكل خاص على المنطقة الشرقية في 3 آذار/مارس، بما في ذلك الصفحة التي تتمتعّ بشعبية واسعة، "ثورة المنطقة الشرقية". لاتزال الصفحة نشطة وفيها روابط لمقاطع الفيديو والمنشورات.
 
أوضح منظّمو صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" أن أجندتهم مختلفة عن أجندة "ثورة حنين". وقد جعل الموقع من الإفراج عن تسعةٍ من السجناء الشيعة "المنسيين" الذين اعتُقِلوا لمدة ستة عشر عاماً من دون محاكمة بسبب تورّطهم المزعوم في تفجير أبراج الخبر، مطلبَه الأساسي، وكذلك إطلاق سراح توفيق العامر، وهو رجل دين شعبي من الهفوف كان اعتُقِل بسبب دعوته إلى قيام ملَكية دستورية.16
 
وقد عمد الشيعة إلى جدولة احتجاجاتهم إضافة إلى التعبير عن المطالب المحلية الخاصة بهم. فجرت أول تظاهرة يوم 3 آذار/مارس، قبل ثمانية أيام من "يوم الغضب"، عندما سار نحو 100 متظاهر في العوامية والقطيف تضامناً مع المعتقلين "المنسيّين". حصلت احتجاجات مماثلة في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة في القطيف والهفوف والصفوة والعوامية. ردّ النظام باعتقال مايقرب من أربعة وعشرين متظاهراً، بمَن فيهم مثقّفون بارزون، في شوارع القطيف. كما وقع العديد من الجرحى بحسب ماذكرت التقارير. في 6 آذار/مارس، أفرجت السلطات السعودية عن العامر إلى جانب متظاهرين آخرين كانوا مُحتجَزين في لفتة واضحة للمصالحة.17
 
كما دعت صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" إلى بدء اعتصامات يوم 9 آذار/مارس في القطيف. وأكّد المنظّمون، في سياق تبريرهم لتحديد هذا التاريخ، أن قضية السجناء الذين لايزالون طيّ النسيان ستضيع "وسط كل الشعارات الأخرى التي سيتم إطلاقها يوم [11 مارس]". كما أكّدوا أن "ثورتنا تمثّل إدانة للجرائم البشعة التي ارتكبها [أمير المنطقة الشرقية] محمد بن فهد". 18
 
جاء ردّ فعل الأصوات المعارضة الأخرى سريعاً. فقد قالت إحدى المعلِّقات على شبكة الإنترنت، وتُدعى سلمى الشهاب، إن صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" مناطقية وطائفية، وأشارت إلى أن القائمين عليها أنفسهم ينتقدون مثل هذه التقسيمات.19  وقال آخرون يزعمون أنهم يمثّلون الجهات الراعية لـ"يوم الغضب" الرئيس، إن أشخاصاً من السنّة هم الذين أسّسوا الصفحة ويشرفون عليها، وإن الاحتجاجات الشيعية تهدّد باستقطاب الحركة الوطنية الأوسع وتقسيمها.
 
اتّخذت الاحتجاجات منعطفاً أكثر دراميةً في 17 آذار/مارس، عندما تدخّلت القوات السعودية والإماراتية في البحرين لمساعدة النظام الملَكي البحريني السنّي في قمع الاحتجاجات المستمرة من جانب الأغلبية الشيعية في البلاد. وكان نشر القوات السعودية في البحرين قد أعاد تحريك احتجاجات الشيعة في المنطقة الشرقية بسبب وجود صلات عميقة بين الشيعة في كلا البلدين. ركّزت شعارات مسيرات الشيعة في المملكة العربية السعودية بشكل متزايد على انسحاب القوات السعودية وإطلاق عبارات التضامن مع المحتجّين في البحرين، وهو مايشكّل مثالاً مهماً على تعزيز المعارضتَين في البلدين إحداهما الأخرى.
 
في نهاية المطاف، فشلت الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية في تلبية التوقّعات العالية لمنظّميها. عزا العديد من الناشطين في المنطقة الشرقية، في مداولاتهم التي أعقبت الصدمة حول سبب فشل الاحتجاجات، فشلَ التظاهرات في استقطاب تأييد شعبي واسع إلى لامبالاة السنّة والنفور التاريخي لوسط منطقة نجد من بدء أي نوع من المعارضة ضد الوضع الراهن. من جانبهم، اتّهم الناشطون السنّةُ الشيعةَ بأنهم بدأوا احتجاجاتهم بصورة مبكّرة. في المقابل، اعتبرت وسائل الإعلام الرسمية غياب الاحتجاجات على الصعيد الوطني تأكيداً على تسامح أسرة آل سعود وشرعيتها. فقد كتب رئيس تحرير صحيفة الشرق الشرق، طارق الحميد قائلاً: "فوجئ الجميع عندما تحوّل يوم الغضب هذا إلى بيعة صامتة عبّر فيها الجمهور السعودي بصمتٍ عن دعمه للقيادة".20  وكانت تلك هي السمة التي برزت بوضوح في حملة التعبئة المضادة التي قامت بها الحكومة.
حملة النظام للتعبئة المضادة

ردّاً على الاحتجاجات، طبّق النظام السعودي نموذجاً طالما استخدمه لإدارة المعارضة الداخلية واحتوائها، ولاسيما في المنطقة الشرقية. لكن النتيجة النهائية لكلّ هذه الإجراءات لم تسفر عن شيء يُذكَر لمعالجة الأسباب الجذرية للمعارضة.
المكاسب الاقتصادية وانتخابات المجلس البلدي

من بين أهم التدابير التي اتّخذها النظام لاحتواء المعارضة تقديمُ الإعانات الضخمة للسكان. في شباط/فبارير 2011، وبعد غياب دام ثلاثة أشهر في الخارج لتلقي العلاج، أعلن الملك عبدالله حزمة اقتصادية تبلغ في مجموعها 130 مليار دولار. وقد أوردت البيانات الصحافية اللاحقة تفاصيل البرنامج بوصفه يهدف إلى التخفيف من أثر التضخّم، وتقديم إعانة بطالة (امتياز خاص بارز لشيعة المنطقة الشرقية)، وتوفير برنامج المنح الدراسية الخارجية للسعوديين الذين يدرسون في الخارج، والإبقاء على "بدل التضخّم" لموظّفي الدولة السعوديين.21
 
في 22 آذار/مارس، أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية أن المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية الـ219 في المملكة ستُعقَد يوم 23 نيسان/أبريل. وكانت الانتخابات التي كان من المُقرَّر أصلاً أن تتم في تشرين الأول/أكتوبر 2009، تأجّلت مراراً وتكراراً، وبدا أن تسريع إجرائها المفاجئ جرى توقيته لتهدئة الاحتجاجات الآخذة بالنمو.22  لم يُدرَج أحد المطالب الرئيسة للإصلاح، وهو مشاركة المرأة في التصويت، في الإعلان الأولي، مع أن الملك عبدالله كان أعلن في وقت لاحق أنه سيُسمَح للنساء بالفعل بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.23
 
إضافة إلى ذلك، وسّعت الحكومة القطاع العام بصورة مدهشة. بحلول أيلول/سبتمبر 2012، كان قد جرى التعاقد مع أكثر من 299 ألف رجل وامرأة سعوديين في الوظائف العامة في غضون عام واحد، وهو رقم يساوي تقريباً تعيينات القطاع العام على مدى العقد السابق بأكمله.24
 
لكن معدّلات البطالة لاتزال مرتفعة، والعوامية لاتزال تعاني من التمييز الطائفي. لذا، سيحتاج حلّ مشاكل المنطقة الشرقية إلى ماهو أكثر بكثير من إيجاد فرص العمل.
الهجوم الإعلامي المضاد: إضفاء الطابع الطائفي على الاحتجاجات

شنَّ النظام السعودي أيضاً حملة إعلامية لتشويه الاحتجاجات وتقويضها، وذلك باستخدام مجموعة واسعة من المواضيع. فقد شدّد على الطبيعة التدميرية للاحتجاجات، ونزع شرعيتها مستنداً إلى الشريعة الإسلامية، والأهم من ذلك، أنه صوّر الاحتجاجات على أنها تخدم المصالح الضيّقة للشيعة. وقامت مجموعة من المؤسّسات بنقل هذه الرسائل، مستخدمة وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، بما في ذلك وزارة الداخلية، وهيئة كبار العلماء، والصحف المحافظة والإصلاحية، وصفحات الفايسبوك التي أكّدت على التضامن مع النظام.
 
أصدرت وزارة الداخلية، في 5 آذار/مارس، بياناً قوياً أكّدت فيه أن الاحتجاجات غير قانونية، وأن مَن يشاركون فيها سيخضعون إلى المحاكمة.25  وقد دُعِم هذا الخطاب بفتوى صادرة عن هيئة كبار العلماء، حظّرت الاحتجاجات مستشهدةً بالمبادئ القانونية الإسلامية ضد بثّ الفتنة.26  وسرعان ماتبعتها سلسلةٌ من الفتاوى الأخرى التي انتقدت تجاوزات الاحتجاجات ضد الشريعة الإسلامية.
 
رعى النظام، وإن بصورة غير مباشرة، إنشاء صفحات الفايسبوك التي حاولت تشويه سمعة منظّمي "يوم الغضب" وعزلهم، ومن أبرز هذه الصفحات "معاً ضد ثورة حنين" و"سوّد الله وجوههم". وكما هي الحال في عدد كبير من أشرطة الفيديو على موقع يوتيوب، كانت هناك إشارات متكرّرة إلى الشيعة وإيران، على كلتا الصفحتَين، بوصفهم المحرّضين الخفيين وراء احتجاجات "يوم الغضب".27  ردّاً على ذلك، أصدر ائتلاف الشباب الأحرار بياناً جاء فيه أن "جميع منظّمي [يوم الغضب] هم من السنّة".28  ويعتقد بعض المراقبين، على الأقل، أن دعاية النظام تفسّر جزئياً فشل الاحتجاجات في كسب تأييد شعبي واسع، ولاسيما بين السنّة.29 
 
اتّخذ النظام بإجراءات أكثر قمعيةً في مايختصّ بوسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية. ففي شباط/فبراير الماضي، أقرّ النظام قانوناً جديداً يُلزِم الصُحُف الإلكترونية بأن تكون مُرخَّصةً من وزارة الداخلية. واشتكى ناشطون من أن القانون غامض إلى حدّ أنه يختزل العديد من أشكال الخطاب على الإنترنت، مثل الفيديو والرسائل النصّية.30  واتّخذ النظام تدابير إضافية لحظر قنوات على موقع يوتيوب، تنشر مقاطع فيديو الاحتجاجات في المنطقة الشرقية.31
 
كما أعلن متحدث باسم وزارة الداخلية السعودية في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر أن الشرطة في المنطقة الشرقية سيكون لها حضور على موقع فايسبوك، وستعيّن فريقاً خاصاً لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة. كان الهدف من إنشاء صفحة الفايسبوك تشجيع الحصول على النصائح والمعلومات من مصادر مجهولة في مايتعلّق بالنشاط "المحظور" في المنطقة الشرقية.32  وفي الوقت نفسه تقريباً، عمد النظام إلى إغلاق عدد من المواقع في المنطقة الشرقية. 33
الوساطة الدينية الشيعية

في موازاة هذه الاستراتيجية الإعلامية، اعتمدت الحكومة على محاوِرين محليين من رجال الدين الشيعة في المنطقة الشرقية لإخماد الاحتجاجات، وقد جرى ذلك في جزء كبير منه عبر مفاوضات وراء الكواليس مع حاكم المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد، وحوارات مع الشباب. شارك في المفاوضات والحوارات رجال دين من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي.34
 
كانت النتائج النهائية لهذه الجهود مختلطة. في بعض الحالات كان لها تأثير، ولكن في حالات أخرى وضعت رجال الدين في صراع مباشر مع الشباب. كان انتقاد الشباب على أشدّه عندما كان موجَّهاً إلى شخصيتين دينيّتين تعتبران من المحافظين أو التقليديين، وهما منصور الجشي وعبدالله الخنيزي. فقد حاول الاثنان تسهيل الإفراج عن السجناء السياسيين، إلا أنهما تعرّضا إلى سخرية الناشطين الشباب بوصفهما متعاونَين مع النظام. وفي تعليقات على موقعَي تويتر ويوتيوب وفي الصحافة، سخر الناشطون منهما بوصفهما "عميلين للمخابرات" يتآمران مع بلطجية النظام أو يظهران "انعدام الخبرة والوعي الذاتي".35
التحوّل نحو القمع العنيف

لم تقلّل جهود رجال الدين من حماسة الناشطين الشباب. ولهذا السبب شنّت الحكومة مابدا أنه حملة أمنية منسّقة. ففي الوقت الذي كانت المفاوضات التي يقودها رجال الدين جارية، اعتقل النظام 120 من المحتجّين وأبقى على وجودٍ شبه دائمٍ لقوات الأمن والمروحيات والعربات المدرّعة في شوارع القطيف.
 
في 3 آب/أغسطس 2011، اعتُقِل رجل الدين الذي يحظى بشعبية كبيرة توفيق العامر من جديد، الأمر الذي أثار المزيد من التظاهرات خصوصاً بين أنصاره في الهفوف، وكان سبباً في ظهور عبارات التضامن على صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" في موقع فايسبوك. في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2011، أخذت الاحتجاجات منحًى أكثر عنفاً عندما اشتبكت قوات الأمن مع متظاهرين مسلحين في العوامية، الأمر الذي أسفر عن إصابة أحد عشر شرطيّاً وثلاثة مدنيين. وأظهر شريط فيديو نشر في موقع فايسبوك شباباً ملثّمين وهم يهاجمون أحد مراكز الشرطة. وقيل إن المواجهة اندلعت بعد أن حاولت الشرطة السعودية إلقاء القبض على رجل في الستّين من عمره، في محاولة لإجباره على تسليم ابنه الذي كان يشارك في الاحتجاجات المؤيِّدة للبحرين. 36
 
أثارت اشتباكات العوامية، عبر المدوّنات والمشهد الإعلامي السعودي، نقاشاً وتفكيراً متجدِّدَين حول الجذور الكامنة وراء العنف. وكما كان متوقَّعاً، ألقت وزارة الداخلية السعودية باللائمة في الاضطرابات على "أطراف خارجية"، وهدّدت بمواجهة المعارضة بـ"قبضة من حديد". حضّ بيان الوزارة المحتجّين على أن يقرّروا "ما إذا كان ولاؤهم لله ووطنهم أو لتلك الدولة وسلطتها".37  وقد كرّرت الصحافة السعودية الرسمية هذا الأسلوب إلى حدّ كبير، حيث قال أحد المعلّقين البارزين إن يد إيران، لا التحيّز الطائفي، هي مايحرّك العنف.38
 
في المقابل، انتقدت أصوات شيعية وأخرى مؤيِّدة للإصلاح ردَّ النظام القاسي باعتباره يميط اللثام عن الطابع الحقيقي له. وقارن البعض اضطرابات العوامية بالاحتجاجات في سورية، قائلين إنها كانت نذيراً بعنفٍ أسوأ في جميع أنحاء المملكة.
 
وقعت الحوادث التي كان لها أكبر الأثر في تحفيز الشباب على النزول الى الشوارع في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2011، عندما قُتِل ناصر المحيشي ابن التسعة عشر عاماً بإطلاق الرصاص عليه عند نقطة تفتيش قرب القطيف. وقيل إن جثته تُرِكَت على الأرض لمدة ثلاث أو أربع ساعات لأن الحكومة رفضت السماح لعائلته بأخذها، الأمر الذي أثار احتجاجات في أنحاء المدينة. وبعد ذلك، قُتِل رجلٌ ثانٍ، هو علي الفلفل، على يد الشرطة. وبحلول نهاية الأسبوع، كان خمسة أشخاص، منهم طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات، قد لقوا مصرعهم، وأصيب ستة آخرون برصاص الشرطة. هذا وأورد وزير الداخلية، في بيان صدر عنه، رواية الحكومة للأحداث، وربط الاحتجاجات بالتدخّل الإيراني: "تعرّض عدد من نقاط التفتيش والمركبات الأمنية منذ يوم الاثنين وبشكل متزايد إلى هجمات بإطلاق النار في منطقة القطيف من جانب مهاجمين مدفوعين بأوامر خارجية"، وهو ماكان يقصد به إيران.39
 
اعتباراً من هذه النقطة، أصبح حرق الإطارات وإطلاق النار من السيارات والمسيرات في الشوارع ومداهمات الشرطة حدَثاً يجري كل ليلة تقريباً. توقّف تقريباً وصول وسائل الإعلام الخارجية إلى العوامية، حيث امتلأت المدينة بنقاط التفتيش والعربات المدرّعة. كانت محاولات الحكومة لتفريق الاحتجاجات قمعية، وتواترت التقارير عن استخدام الذخيرة الحيّة ضد الحشود المسلحة.
 
في الوقت نفسه، حصلت اعتداءات مسلحة من الشباب الشيعة على مركبات الشرطة، وهي نتيجة غير مفاجئة نظراً إلى العدد الكبير من الأسلحة الصغيرة الموجودة في العوامية. وقد ولّدت وفاة المتظاهرين وسجنهم دوامةً لانهاية لها من الحداد والاحتجاجات التي تبعتها.
 
وتُقدِّم عطلة نهاية الأسبوع في 10 شباط/فبراير 2012 لمحةً توضيحيةً عن كيفية تجلّي هذا التصعيد. فقد تسبّب نمر النمر، رجل الدين المقيم في العوامية، في حدوث اضطرابات مرة أخرى، إذ ألقى خطبة طالب فيها بإنهاء النظام الملكي. ثم شقّ المحتجّون طريقهم في جميع أنحاء المدينة وراحوا يردّدون مطالبهم المنادية بالإصلاح والإفراج عن السجناء. رمى أحد المتظاهرين دمية تمثّل الأمير نايف، الذي كان قد أصبح ولياً للعهد، على رتلٍ من سيارات مكافحة الشغب المصفحة. وربما تم إطلاق النار على قوات الأمن وربما لم يتم. في الاشتباكات التي تلت ذلك، أطلقت الشرطة النار على زهير السعيد البالغ واحداً وعشرين عاماً من العمر، فتوفّي لاحقاً في المستشفى. وبحلول أواخر العام 2012، كان أكثر من ستة عشر شاباً، الغالبية العظمى منهم من منطقة العوامية، قد قُتِلوا على أيدي قوات الأمن في المنطقة الشرقية،.
اتجاهات جديدة في المعارضة الشيعية

مع مرور الوقت، أصبح المتظاهرون الشباب من العوامية والقطيف أكثر ضجراً وتبرّماً إزاء فشل الإصلاحيين في إجراء تحسينات ملموسة في الظروف المعيشية والوظائف ووضع حدّ للتمييز السائد.40  انتشرت شبكات الشباب في جميع أنحاء المنطقة الشرقية، وازدادت شعبية رجل الدين المثير للمشاكل نمر النمر. كما كثّف الناشطون الشيعة الحوار والتواصل مع الإصلاحيين والناشطين السنّة.
شبكات الشباب: الأهداف والتنظيم

تشبه أهداف المجموعات الشبابية الجديدة، في كثير من النواحي، أهداف الإصلاحيين من كبار السنّ، والتي تتمثّل في الإفراج عن السجناء السياسيين وإقامة نظام ملَكي دستوري. غير أن الاختلافات بين الطرفَين تتمحور حول الإطار الزمني والتكتيكات اللازمة لتحقيق ذلك. فقد قال ناشط قديم في مدينة العوامية في حديث مع الكاتب في العام 2013، إن "الشيوخ والشباب يختلفون في مقدار صبرهم". وفي خطبة ألقاها في العام 2012، بدا أن الزعيم الإصلاحي البارز حسن الصفار يعترف بذلك، إذ حذّر قائلاً إنه "رغم أن الأجيال السابقة تحمّلت المشاكل وتكيّفت معها، فإن الجيل الحالي مختلف".41
 
ثمة فرق آخر مهم يتمثّل في الازدراء العام الذي يبديه الناشطون الشباب تجاه المناقشات الأيديولوجية والقانونية التي حدّدت النشاط الشيعي منذ فترة طويلة. ففي المقابلات التي أُجريَت معهم، وصف هؤلاء الناشطون الشباب الجدد أنفسهم بأنهم "مابعد أيديولوجيين" وغير طائفيين في مطالبهم. وهناك العديد من الشباب الذين يتجنّبون الخلافات الغامضة بين مختلف مراجع الشيعة، بل إن البعض ذهب إلى حدّ القول إن الانقسامات الأيديولوجية في مابين خط الإمام الموالي لإيران والشيرازيين والتيارات الدينية الأخرى، لامعنى لها إلى حدّ كبير في صفوف الناشطين الشباب. واعتبر الكثيرون في أحاديثهم أن آية الله العظمى السيد علي السيستاني هو مرجعهم المفضّل على وجه التحديد لأنه بقي بعيداً عن الأمور السياسية، لابل إن أحدهم ذهب إلى ماهو أبعد من ذلك حيث وصفه بأنه "مرجع علماني".42 
 
من الناحية التنظيمية، شكّل الناشطون الشباب مجموعات من الشبكات الخلوية التي لاقيادة لها، بأسماء مثل "ائتلاف الشباب الأحرار"، و"شباب الحراك الرسالي"، و"مجموعة التضامن الإسلامي"، و"أحرار سيهات"، و"أحرار تاروت"، و"قطيفيون"، إضافة إلى مجموعة نسائية وهي "زينبيات قطيفيات". ويبدو حتى الآن أن المجموعة الأكثر شعبية من بينها، على الأقل في حضورها على شبكة الإنترنت، هي "ثورة المنطقة الشرقية". وعلى غرار نظيرتها الشبابية في البحرين، تستغل هذه المجموعات وسائل الإعلام الاجتماعية بمهارة لتنسيق الاحتجاجات في الشوارع، والتواصل مع الناشطين من ذوي التوجّهات الفكرية المماثلة، ونشر الانتقادات للنظام. وتظهر الكثير من المجموعات في بياناتها احتراماً واضحاً لتعاليم نمر النمر.
 
في آذار/مارس 2012، اندمج العديد من هذه الشبكات في "ائتلاف الحرية والعدالة".43  يضطّلع الائتلاف بدور بارز في تنظيم التظاهرات في مختلف أنحاء المنطقة. ويظهر شعار الائتلاف بشكل بارز، والذي يتمثّل بقبضة مشدودة على اللافتات والرايات، في المسيرات التي تُنظَّم في القطيف والعوامية. ومع أن للائتلاف حضوراً قوياً على موقع فايسبوك، لم يرد ذكره إلا قليلاً في وسائل الإعلام المفتوحة، ورفض الكشف عن أي تفاصيل حول حجمه وعدد أعضائه وقيادته خوفاً من انتقام السلطات. ومع ذلك، كشف الائتلاف في أيلول/سبتمبر 2012، عن فرار أحد مؤسّسيه من البلاد، وهو الناشط القديم حمزة علوي الشاخوري. 44
 
أما الناشطون والمثقّفون الشيعة من كبار السنّ، فيبدون إعجابهم بحماسة المجموعات الشبابية ولكنهم ينتقدون سذاجتها في اعتقادها أن المعارضة المحلية من جانب أقلية طائفية يمكن أن تشعل شرارة حراكٍ على غرار ماجرى في ميدان التحرير في مصر. فقد قال إصلاحي عجوز في حديثٍ مع كاتب الورقة في أوائل العام 2013: "نحن أقلية، ونحن مجرّد محافظة ولايمكننا أن نشعل ثورة". وينتقد آخرون افتقار الشباب إلى برنامج وتنظيم، معتبرين أن ائتلاف الحرية والعدالة لم يستطِع أن يكون مظلة جامعة متماسكة، وأن العدد الكبير من صفحات الفايسبوك للمجموعات الأخرى يوحي بوجود درجة من التماسك والقدرة التي لاوجود لها في الواقع على الأرض.45
تجديد الدعم لنمر النمر

بينما تشتّت الشباب في تجمّعات مختلفة، ظلّ نمر النمر محطّ اهتمام. في صيف العام 2012، تجاوزت لغته الخطابية الجريئة خطاً أحمر. ففي أواخر حزيران/يونيو، ألقى النمر خطبة مطوَّلة مُحرِّضة ضد الأسرة الحاكمة. كان وزير الداخلية المُهاب، الأمير نايف، قد توفّي قبل أقل من أسبوعين، وفرح النمر بوفاته، وتضرّع إلى الله أن يودي بحياة "سلالة آل خليفة وآل سعود كلها".46  حاولت قوات الأمن السعودية إلقاء القبض عليه، ووفقاً لمصادر النظام أعقبت ذلك مطاردة بالسيارات ونشبت معركة بالأسلحة النارية. أصيب النمر في فخذه ثم اعتُقِل واقتيد إلى السجن.
 
وعوضاً عن إخماد المعارضة الشيعية، أسفر اعتقال نمر النمر عن مزيد من الاحتجاجات في المنطقة الشرقية. عارض الكثير من الشيعة هجوم النمر الشخصي للغاية على الأمير نايف. لكن ردّ النظام الوحشي، على مايبدو، والذي زادته سوءاً صورُ النمر وهو ممدّد وينزف في الجزء الخلفي من سيارة جرّاء إصابته بطلق ناري، حوّل رجل الدين الصريح في آرائه إلى رمزٍ بطوليٍّ للشباب في كل أنحاء المنطقة. بعد وقت قصير من إطلاق النار عليه، دعت صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" على موقع فايسبوك إلى تنظيم احتجاجات ضد آل سعود في جميع أنحاء البلاد.47  في 12 تموز/يوليو، نشر موقع "الجزيرة العربية" السعودي المعارض بياناً من مجموعة معارضة غير معروفة حتى الآن، اسمها "حركة شباب الثورة بالقطيف"، هدّد بـ"مهاجمة مراكز الشرطة وتفجير آبار النفط" إذا لم يُفرَج عن النمر.48  خرج المئات من المتظاهرين الشيعة إلى الشوارع، وأصبحت الاشتباكات مع قوات الأمن حدَثاً يجري كل ليلة تقريباً.49
 
وكما كانت الحال في السابق، وضع تصاعد العنف مزيداً من الضغوط على النهج التصالحي لرجال الدين والناشطين من كبار السنّ. في 14 تموز/يوليو، ناشد 40 رجل دين من جميع ألوان الطيف الأيديولوجي – من الشيرازيين إلى خط الإمام – الشبابَ الشيعةَ بالبقاء صامدين، ووقف جميع أعمال العنف لتجنّب تمكين "التحريض الطائفي" للنظام. وظهرت رسالة مماثلة في 19 آب/أغسطس، صادرة عن تسعة من رجال الدين الشيعة، جاء فيها: "نطلب من الناس في هذه البلدة الوقوف بحزم ضد العنف في جميع أشكاله، وإدانة التجاوزات ضد الأرواح والممتلكات".50  رأى العديد من الناشطين الشباب أن هذه البيانات ليست سوى حيلة يتبنّاها النظام لخنق الاحتجاجات من أي نوع. فقد قال أحد الناشطين الشباب: "كان بيانهم أشبه تماماً بخط الحكومة (أوقِفوا الاحتجاج، فأنتم تسبّبون فتنة)".51
 
كما أن اعتقال النمر لم يهدّئ السنّة أو يوقف موجة التظاهرات السنّية. فقد تميّز صيف وخريف العام 2012 باحتجاجات متواصلة أمام السجون في القصيم، معقل السلفية المحافظة. وبصرف النظر عن الغضب بشأن السجناء السياسيين، كان الغضب السنّي موجّهاً إلى سوء الإدارة الاقتصادية والفساد، خصوصاً في محافظات المملكة الغربية والجنوبية. ويقول الناشطون الشيعة الشباب إن هذه التظاهرات السنّية مستوحاة من ثقافة الاحتجاج في المنطقة الشرقية.
جهود الشيعة في الحوار العابر للطوائف

في محاولة للاستفادة من هذا التيار من النشاط السنّي، حاول الإصلاحيون في المنطقة الشرقية مجدداً بذل جهد لبدء حوار عابر للطوائف مع السنّة في جميع أنحاء البلاد. وكما كانت الحال في الماضي، يجري جزء كبير من الحوار خارج نطاق منتديات "الحوار" المُعتمَدة رسمياً من النظام، والتي يعتبرها العديد من الناشطين وسيلةً لتنظيم وتقييد أيّ نوع من التنسيق بشأن الإصلاح الفعلي.
 
وقد استغل جيلٌ أصغر سناً من الناشطين مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بجهود التواصل. على سبيل المثال، أطلقت مجموعة من الشباب الشيعة، في أوائل العام 2013، حملةً على موقع تويتر لدعوة أهل السنّة من جدة إلى الاحتفال بليلة المولد النبوي.52  وقال أحد منظّمي البرنامج عن السنّة للكاتب مازحاً: "كلّهم يظنون أننا نتكلّم بالفارسية هنا".
 
على الرغم من هذه الجهود، ثبت أن قيام تعاون حقيقي أمر بعيد المنال بسبب الطائفية المتجذّرة في المجتمع السعودي.53  لايزال العديد من الإصلاحيين السلفيين يبدون فتوراً إزاء فكرة مخالطة الشيعة بصورة وثيقة جداً. ويتجلّى هذا الأمر على نحو أكثر وضوحاً في موقف رجل الدين السلفي والاستفزازي الذي يحظى بشعبية هائلة، الشيخ سلمان العودة، والذي ألمَحَ علناً إلى الإصلاحات الديمقراطية؛ وقد تخلّى العودة عن الخطاب الطائفي إلى حدّ كبير، واستقبل وفوداً من الشيعة.54  لكن السكان الشيعة المحليين يعبّرون عن أسفهم لأن العودة لم يصل إلى حدّ التعاون معهم خوفاً من استعداء قاعدته السنّية. فقد اعترف أحد الناشطين في القطيف لكاتب الورقة قائلاً: "لم يترجم الاحترام المتزايد بين السنّة والشيعة إلى عمل جماعي. لقد فعلنا كل ما في وسعنا، والأمر يتوقّف على الإصلاحيين السنّة الآن".
نحو سلام دائم في المنطقة الشرقية

تجاوزت المملكة العربية السعودية الذكرى السنوية الثانية للانتفاضات العربية، والمنطقة الشرقية عالقة بين بصيص من الأمل وخيبة الأمل الدائمة. في أوائل العام 2013، كانت هناك بعض المؤشّرات المشجّعة على أن الحكومة اتّخذت خطوات لمعالجة المظالم القائمة منذ وقت طويل. شملت هذه الخطوات إغلاق بعض القنوات التلفزيونية التي تشدّقت في الخطاب المعادي للشيعة، وتعيين عضو شيعي إضافي في مجلس الشورى، وبناء مركز للحوار بين الأديان – وإن كان خارج البلاد، في فيينا. إضافة إلى ذلك، فُصِل حاكم المنطقة الشرقية القديم، الأمير محمد بن فهد، عن منصبه الذي كان تولاه منذ العام 1985. لكن على الرغم من هذه الخطوة، ظلّ العديد من الناشطين متشائمين بشأن التغيير الحقيقي، مشيرين إلى أن السياسة الخاصة بالمنطقة الشرقية توجَّه مركزياً من الرياض، ولاسيما من وزارة الداخلية، وليس على مستوى المحافظة أو البلدية.
 
بحلول منتصف العام 2013، بدا أن سياسة الحكومة عادت لتصوّر النشاط في المنطقة الشرقية على أنه يتم وفقاً لتوجيهات من إيران. كان أبرز دليل على ذلك اعتقال ستة عشر سعودياً شيعياً في حملة تفتيش بتهمة التآمر للتجسّس لصالح إيران، وكان العديد منهم مهنيّين يقيمون في الجزء الغربي من البلاد.55 في الوقت نفسه تقريباً، دعا المدعي العام في المملكة العربية السعودية إلى إعدام نمر النمر بتطبيق حدّ الحرابة عليه (الصلب).56
 
يحتاج النظام في السعودية إلى تجاوز استراتيجية قائمة على القمع والانتقائية للتصدّي لدوافع المعارضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. الأهم من ذلك هو أنه تمّت بالفعل بلورةُ الخطوات الأولية في هذا الاتجاه. في العام 2012، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تحقيقاً شاملاً وموسَّعاً في اضطرابات المنطقة الشرقية، جرى بعد ذلك تسريبه إلى أحد مواقع المعارضة.57  ويُعَدّ التقرير الذي يتألّف من 125 صفحة، ويستند إلى مقابلات واسعة في تمت في المنطقة الشرقية، لافتاً للنظر بسبب موضوعيته وتوسّعه في تحديد جذور المعارضة في المنطقة الشرقية من حيث المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتجذّرة، بدلاً من الاعتماد على التفسيرات المعتادة من الإجرام أو التخريب بمساعدة إيرانية. فقال أحد الناشطين الشيعة في الصفوة، مشيراً إلى اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق التي حقّقت في انتهاكات العام 2011 في ذلك البلد: "إنها النسخة السعودية من تقرير بسيوني".
 
وتشمل توصيات التقرير مايلي:
وقف الطائفية في وسائل الإعلام
سحب القوات السعودية من البحرين
إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وخصوصاً "المنسيّين التسعة" الذين قضوا ستة عشر عاماً من دون محاكمة
تشكيل لجنة للتحقيق في ممارسات وزارة الداخلية في بلدة العوامية
إصلاح مركز الشرطة المحلي في العوامية وتعزيز التنمية في القطيف من خلال مشاريع الإسكان وتوفير مدارس أفضل ومرافق رياضية للشباب
 
وبصرف النظر عن تنفيذ هذه التدابير المحلية، ثمة المزيد مما يمكن أن يقوم به النظام على الصعيد الوطني. فالاعتقالات التعسّفية والقوانين الصارمة ضد "الفتنة" والرقابة هي التجاوزات التي لاتزال تؤجّج المعارضة الشبابية في المنطقة الشرقية، وهي التي شجّعت على الاحتجاجات في أماكن أخرى من البلاد. ولذا، ينبغي أن يكون وضعُ حدٍّ لهذه الممارسات أولويةً فورية. وفي مايخص المنطقة الشرقية تحديداً، ينبغي على النظام إضفاء الطابع الرسمي على الاعتراف بمجموعة قوانين الشيعة الجعفرية، وتطبيق تمثيل الشيعة في هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى. فهذه هي الخطوات الحاسمة التي سيكون لها تأثير تدريجي في المواقف الاجتماعية والإعلام والتعليم والإجراءات القضائية المحلية.
 
ففي المجال الاقتصادي، يُعتَبَر إنهاء التمييز في التوظيف بالنسبة إلى الشيعة تحدّياً طويل الأمد يتطلّب القيام بإصلاحات بيروقراطية وطنية في وزارة العمل، وفي ممارسات قطاع الأعمال في السعودية. هذا ويمثّل دمج الشيعة في قوات الشرطة المحلية ووزارة الداخلية نقطةَ الانطلاق الرئيسة في هذا المجال. والأهم من ذلك هو ضرورة أن تُعطى المجالس البلدية المُنتخَبة في جميع أنحاء البلاد قدراً أكبر من الرقابة والسلطة التنفيذية على ميزانياتها. فكثيراً مايذكر زعماء الشيعة في المنطقة الشرقية أن هذه السلطات سوف تُمكِّنهم من تعزيز البنية التحتية المحلية، وتحسين المرافق التعليمية والرياضية، وتنويع اقتصاد المنطقة في مجالات مثل السياحة، الأمر الذي يُعَدّ أساسياً لتجنّب مخاطر المعارضة التي يحرّكها الشباب.
 
وأخيراً، ينبغي على النظام وضع حدّ لسياساته، الرسمية منها والضمنية، التي تصوِّر أيَّ تعبيرٍ عن المعارضة في الشرق على أنه دليل على التخريب الإيراني. فهذا السلوك لايغذّي بيئة سياسية سامة وحسب، بل يساهم أيضاً في تنفيرِ جيلٍ شاب من الشيعة الذين يواجهون مستقبلاً مظلماً أكثر فأكثر، ودَفعِهِ إلى التشدّد. وفي حين تُظهِر الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب بعض التعاطف مع إيران، ألمح البعض إلى أن إصرار النظام على إظهار الشيعة بمظهر الشيطان يمكن أن يصبح نبوءة ذاتية التحقّق، خصوصاً بالنظر إلى الآثار المتبقّية في المنطقة الشرقية لجماعة "حزب الله الحجاز" المتشدّدة المدعومة من إيران. في ضوء ذلك، فإن القيام بإصلاحات موضوعية في المنطقة الشرقية يمكن أن يدعم أحد الأهداف الاستراتيجية الشاملة للحكومة السعودية: التصدّي للنفوذ الإيراني في الداخل والخارج.
هوامش:

1. ما لم يذكر خلاف ذلك، تعتمد هذه الورقة على مقابلات ميدانية أُجريَت في الأعوام 2007 و2010 و2013 مع مجموعة من الناشطين ورجال الدين والشباب الشيعة في أنحاء المنطقة الشرقية: في القطيف والأحساء والدمام وتاروت والصفوة والعوامية. وأنا ممتنّ لهؤلاء الأفراد لتبادل وجهات نظرهم معي. كما أود أن أشكر ألكساندرا سيغل على المساعدة منقطعة النظير التي قدّمتها في مجال الأبحاث. للاطلاع على مزيد من الدراسات عن الاحتجاجات في المنطقة الشرقية، أنظر:

Madawi al-Rasheed, "Sectarianism as Counter-Revolution: Saudi Responses to the Arab Spring,” Studies in Ethnicity and Nationalism 11, issue 3 (2011): 513–26; Madawi al-Rasheed, "Saudi Arabia: Local and Regional Challenges,” Contemporary Arab Affairs 6, no. 1 (2013); Toby Matthiesen, "A ‘Saudi Spring?’: The Shi’a Protest Movement in the Eastern Province 2011–2012,” Middle East Journal 66, no. 4 (Autumn 2012): 628–59.

2. The Pew Forum on Religion and Public Life, "The Future of the Global Muslim Population,” January 17, 2011, http://pewforum.org/future-of-the-global-muslim-population-sunni-and-shia.aspx.
 يتبع الشيعة "الاثني عشرية" فتاوى وتعاليم محمد بن الحسن المهدي، الذي يبجّلونه بوصفه "الإمام الثاني عشر". وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، 80 في المئة من الشيعة السعوديين هم من "الإثني عشرية" الذين يتبعون مدرسة الفقه الجعفري. ويقيم الشيعة (الإسماعيلية) – أتباع الإمام السابع – في منطقة نجران، وهناك جماعة شيعية صغيرة في المدينة المنورة معروفة باسم النخاولة. أنظر:
United States Department of State, 2012 Report on International Religious Freedom —Saudi Arabia, May 20, 2013, available at www.refworld.org/docid/519dd4911e.html

3. U.S. Department of State, 2012 Report on International Religious Freedom—Saudi Arabia.

4. المصدر السابق.

5. "Rebellion on the Saudi Periphery: Modernity, Marginalization and the Shi’a Uprising of 1979,” International Journal of Middle East Studies, 38:2. May (2006): 227–29.

6. Laurence Louër, Transnational Shi’a Politics: Religious and Political Networks in the Gulf (London: Hurst & Company, 2008), 179.

7. Tobias Matthiesen, "Hizbullah al-Hijaz: A History of the Most Radical Saudi Shi’a Opposition Group,” Middle East Journal 64, no. 2 (Spring 2010): 182.

8. فؤاد إبراهيم، "الشيعة في السعودية"، (لندن، دار الساقي، 2006)، ص 140-177.

9. Habib Trabelsi, "Heightened Shiite–Sunni Tension in Medina,” Middle East Online, February 24, 2009,
www.middle-east-online.com/english/?id=30601.

10. Caryle Murphy, "Shiite Bias Claim Laid Bare After Showdown,” National, April 26, 2009.

11. "إعلان تأسيس حركة خلاص في الجزيرة العربية"، موقع مركز القدس، 20 آذار/مارس 2009.
http://alqudscenter.org/arabic/pages.php?local_type=128&local_details=2&id1=748&menu_id=10&cat_id=2
أنظر أيضاً الإعلان من منظور سنّي، شبكة الدفاع عن السنّة، 12 آذار/مارس 2009:
http://www.dd-sunnah.net/news/view/action/view/id/825/

12. أنظر السيرة الذاتية لنمر النمر على الموقع التالي:
www.alnemer.ws/?act=artc&id=90

13. "رجال دين ومثقفون شيعة في السعودية يرفضون (تهديد وحدة الوطن)"، الراصد، 6 نيسان/أبريل 2009.
http://hajrnet.net/hajrvb/showthread.php?t=402974154

14. يمكن الاطلاع على العريضة على الموقع التالي:
www.metransparent.com/spip.php?article13117&lang=ar&id_forum=19643  

وُقِّعَت عريضة ثانية، نحو دولة الحقوق والمؤسسات، من جانب 22 شخصية، معظمهم إسلاميون، ومنهم سلمان العودة.
www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=247642

أنظر أيضاً:
Madawi al-Rasheed, "Saudi Arabia: Local and Regional Challenges,” Contemporary Arab Affairs 6, no. 1 (2013): 29.

15. "بيان من ائتلاف السباب الأحرار"، فايسبوك، 1 آذار/مارس 2011.
www.facebook.com/ksa1Freedom1day

16. "ثورة المنطقة الشرقية"، فايسبوك.
www.facebook.com/Revolution.East

17. "السلطات السعودية تطلق سراح داعية حقوق الإنسان الشيخ توفيق العامر"، مركز الحرمين للعالم الإسلامي، (موقع حزب الله الحجاز)، 7 آذار/مارس 2011، www.taghribnews.com/vdcjhaex.uqevazf3fu.html.

أنظر أيضاً:
Ian Black, "Middle East Crisis: Saudi Arabia: Expectations High Before ‘Day of Rage’ with Modest Aims,” Guardian, March 10, 2011;

"تظاهرات في الأحساء للإفراج عن الشيخ توفيق العامر"، الراصد، 3 آذار/مارس2011.
www.rasid.com/?act=artc&id=43190

18. "ثورة المنطقة الشرقية"، فايسبوك:
www.facebook.com/rev.east

19. المصدر السابق.

20. Rashid Abul-Samh, "Saudi Smoulders But Is Not on Fire,” Al-Ahram, March 17–23, 2011.

21. For a good overview, Robert Danin, "Is Saudi Arabia Next?” Atlantic Monthly, December 4, 2011.

22. عابد السحيمي، "السعودية تعلن بدء الموسم الانتخابي للمجلس البلدي 22 أبريل المقبل"، الشرق الأوسط، 23 آذار/مارس 2011،

http://aawsat.com/details.asp?section=43&article=613770&issueno=11803#.UTubgNY9. في الواقع، لم تجرِ الانتخابات في نيسان/أبريل بل في أيلول/سبتمبر.

23. Walaa Hawari, "Women Launch Facebook Campaign To Participate in Municipal Elections,” Arab News, February 7, 2011.

24. "299,000 Saudis Join Civil Service,” Arab News, September 18, 2012,
www.arabnews.com/saudi-arabia/299000-saudis-join-civil-service.

25. موقع وزارة الداخلية السعودية: www.moi.gov.sa

26. Anonymous, "Saudi Grand Mufti: Nation’s ‘Foes Use Protests To Create Sedition,’” Saudi Gazette, March 10, 2011.

27. Muhammad al-Sulami, "Calls Mount for Prosecution of 'Day of Rage Dissidents,’” Arab News, March 15, 2011.

28. صفحة "ائتلاف الشباب الأحرار" على موقع فايسبوك، 7 آذار/مارس 2011.
http://ar-ar.facebook.com/ksa1Freedom1day

29. مقابلة شخصية مع ناشط سنّي، الرياض، المملكة العربية السعودية، 18 كانون الثاني/يناير 2013.

30. Abeer Allam, "Online Law Curbs Saudi Freedom of Expression,” Financial Times, April 6, 2011.

31. مثال على ذلك:

Revolution2East: www.youtube.com/user/Revolution2East?ob=0&feature=results_main

 أنظر:

"Leila,” "Saudi Arabia: The Shia of al-Sharqiyya,” Muftah, April 20, 2012.

32. "شرطة الشرقية تتلقّى بلاغاتها على فايسبوك"، صحيفة اليوم، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011. www.alyaum.com/News/art/35133.html

33. أنظر على سبيل المثال صفحة الفايسبوك، http://ar-ar.facebook.com/qatifterritory، وهناك موقع آخر هو "الأحساء تريد تغيير الأمير"، www.facebook.com/home.php?sk=group_138668152864845.

34. شملت هذه المفاوضات وجهاء من التيار الشيرازي مثل حسن الصفار، إضافة إلى زعماء من خط الإمام (حسن النمر وعبدالكريم الحبيل) وأتباع خط المدرّسي (محمد حسن حبيب)، ومحافظين/تقليديين (منير الخباز ومنصور الجشي وعبدالله الخنيزي).

35. أنظر، على سبيل المثال، مقابلة مع أحد أعضاء ثورة المنطقة الشرقية، روزي بشير، "ثوار سعوديون: مقابلة"، جدلية، 21 حزيران/يونيو 2012. أنظر أيضاً محمد قبسي، "تعليقاً على البيان المخزي للشيخ الخنيزي"، الوطن، 17 تموز/يوليو 2013،https://www.facebook.com/Wnews/posts/390245821032231?comment_id=3961498&offset=0&total_comments=4
، وتعليقات حركة أحرار العوامية، www.facebook.com/Rasadnews.net/posts/247827875257847?utm_medium=twitter&utm_source=twitterfeed.

36. Patrick Cockburn, "Saudi Police ‘Open Fire on Civilians’ as Protests Gain Momentum,” Independent, October 5, 2011.

37. موقع وزارة الداخلية: www.moi.gov.sa

أنظر أيضاً:
Foreign Elements Blamed for Qatif Riots,” Arab News, October 5, 2011.

38. مشاري الذايدي، "العوامية: القصة ليست طائفية"، الشرق الأوسط، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2011.

39. Patrick Cockburn, "Saudi Arabia: Four Men Killed as Shia Protests Against the State Intensify,” Independent, November 25, 2011.

40. بشير، "ثوار سعوديون: مقابلة".

41. يمكن الاطلاع على الخطبة التي ألقاها الصفار في 21 تموز/يوليو على الموقع التالي: www.saffar.org/?act=artc&id=3007

أنظر أيضاً المقابلة مع توفيق السيف الذي يكرّر هذه النقطة. "قال الشباب للقادة: (عليكم أن تتوقفوا. فأنتم لم تقدّموا ماوعدتم به. الآن سنبذل كل ما في وسعنا)".

Anonymous, "Saudi Shiite Protests Show Rise of Radical Generation: Authorities Accuse Iran of Stirring Unrest,” Kuwait Times, July 21, 2012.

42. مقابلة شخصية مع ناشط شيعي شاب، تاروت، المملكة العربية السعودية، 24 كانون الثاني/يناير 2013.

43. أنظر صفحة الائتلاف على موقع فايسبوك: www.facebook.com/cofaj

أنظر أيضاً مراسلات الكاتب مع أحد أعضاء الائتلاف، 12 شباط/فبراير 2013، ومقابلات مع شباب المنطقة الشرقية، المملكة العربية السعودية، كانون الثاني/يناير 2013.

44. مراسلات الكاتب بواسطة البريد الإلكتروني مع أحد أعضاء الائتلاف، 12 شباط/فبراير 2013.

45. مقابلة شخصية مع مثقّف سعودي شيعي، القطيف، المملكة العربية السعودية، 20 كانون الثاني/يناير 2013.

46. الفيديو متوفّر على الموقع التالي:

www.youtube.com/watch?v=4x358ZGNgeA

47. أنظر صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" على موقع فايسبوك، 12 تموز/يوليو 2012: www.facebook.com/rev.east

48. البيان موجود على موقع الجزيرة العربية على الإنترنت، 12 تموز/يوليو 2012:

http://shmsaljazereh.blogspot.com/2012/07/5.html

49. Anonymous, "Shia Cleric Arrested in Saudi After Shootout,” Al Jazeera, July 18, 2012.

50. Anonymous., "Saudi Shiite Clerics Condemn Violence in Restive Qatif,” al-Arabiya (English), 21 August 21, 2012, http://english.alarabiya.net/articles/2012/08/21/233432.html.

وفي تكرار لهذا التحذير، حذّرت خطبة ألقاها حسن الصفار، في 31 آب/أغسطس، من أن شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تُستغَلّ لنشر الإشاعات الكاذبة التي "تهدم جسور الثقة بين الناس وتتسبّب في إثارة الفتنة والمشاكل". الكاتب مجهول، "الشيخ الصفار يحذر من فوضى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، موقع حسن الصفار، http://saffar.org/?act=artc&id=3042.

51. مقابلة شخصية مع ناشطين سعوديين شباب من الشيعة، العوامية، المملكة العربية السعودية، 20 كانون الثاني/يناير 2013.

52. يمكن الاطلاع على حساب البرنامج على موقع تويتر: https://twitter.com/tawasul_qatif

53. للحصول على معلومات خلفية عن جهود الإصلاحيين في مجال الحوار، أنظر توفيق السيف، "أن تكون شيعياً في السعودية: إشكالات المواطنة والهوية في مجتمع تقليدي"، كانون الثاني/يناير 2013. http://talsaif.blogspot.com/2012/12/view-to-be-shia-in-saudi-arabia-on_25.html

54. يمكن الاطلاع على مثال توضيحي لآراء العودة حول الديمقراطية على الموقع التالي:https://twitter.com/salman_alodah/status/280321067069865984

55. "Saudi Says Detained ‘Spy Ring’ Linked to Iran,” Al Jazeera, March 26, 2013.

56. Anonymous, "Saudi: Sheikh Nimr’s Crucified Fate,” al-Akhbar (Lebanon), March 30, 2013.

57. عبدالرحمن محمد عمرو العقيل، "أحداث العوامية والقطيف"، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 10 شباط/فبراير 2012. التقرير الكامل متوفّر على الموقع التالي: http://t.co/wltovJtn

 
معهد كارنجي

رأیکم