سياسيون وخبراء: التقارب المصري الإيراني وجع في قلب الملف الصهيوني الأمريكي

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۰۶
تأريخ النشر:  ۰۸:۵۴  - الجُمُعَة  ۱۵  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۳ 
فى أول زيارة منذ عام 1979 شارك الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد فى قمة منظمة التعاون الإسلامى التى عقدت فى القاهرة مؤخرا، وقد عمد نجاد إلى الحضور قبل القمة بيوم لزيارة بعض المقدسات الدينية فى مصر.

وجاءت الزيارة فى إطار قمة متعددة الأطراف إلا أنها الأولى لرئيس إيرانى منذ عام 1979 حين قطعت إيران علاقاتها مع مصر احتجاجا على اتفاقية كامب ديفيد التى وقعها الرئيس الراحل أنور السادات، ومنذ ذلك الحين ليس للبلدين سوى شُعبتَى مصالح فى العاصمتين.
وتختلف إيران ومصر حول عدة ملفات إقليمية لا سيما الأزمة السورية؛ إذ إن طهران تدعم نظام الرئيس السورى بشار الأسد، فيما تدعو القاهرة إلى رحيله؛ الأمر الذى جعل بعض القوى الإسلامية فى مصر ترفض هذه الزيارة.
وبعد وصول الرئيس محمد مرسى إلى سدة الحكم، أعربت إيران مرارا عن رغبتها فى تطبيع علاقاتها مع القاهرة، وكذلك كثير من التيارات والأحزاب السياسية فى مصر طالما نادت بضرورة عودة العلاقات بين البلدين، وخاصة العلاقات الاقتصادية والسياسية.
 
تطوير التعاون بين إيران ومصر
كان الرئيس الإيرانى قد أعلن قبل مغادرته طهران أنه سيحاول «فتح الطريق أمام تطوير التعاون بين إيران ومصر»، وذلك بعد أكثر من ثلاثين عاما من القطيعة بين البلدين.
وأشار نجاد خلال لقاءاته إلى أن مصر هى صانعة الحضارة والتاريخ وصاحبة دور مهم وبارز فى صناعة مستقبل المنطقة، وأن الشعب والقيادة الإيرانية يحملان كل الود والتقدير للشعب المصرى، خاصة فى ظل تشارك الرؤى. وقال إن الشعب الإيرانى محب للسلام ويطالب بإرساء العدالة ويتطلع إلى علاقات صداقة مع كل الشعوب، منوها إلى أن الشعب الإيرانى لم يسبق أن اعتدى على أحد، ولكنه لا يطالب إلا بحقه فى العيش بسلام وعدل، وقال: «إذا التقت مصر وإيران، فسوف تميل دفة القوة إلى صالح المنطقة وستتحقق مطالبها وطموحاتها»، وشدد على أن «التعاون المصرى الإيرانى من شأنه إنهاء القضية الفلسطينية وفقا للمصالح الفلسطينية، ولهذا يجب فتح الأبواب المغلقة من أجل تنمية العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية».
وأوضح أن إيران بحاجة إلى طاقات وإمكانيات مصر، والعكس صحيح، مضيفا أن بلاده على استعداد لتوجيه إمكاناتها نحو تكامل العلاقات مع القاهرة دون سقف، وعلى استعداد أيضا لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية.
 
الصهاينة والعدوان
كما دعا الرئيس الإيرانى فى لقاء مفتوح مع عدد من الإعلاميين المصريين دول الخليج إلى عدم ترك مساحة للغرب للتدخل فى إدارة شئونها، قائلا إن الغرب هو الذى شجع الرئيس العراقى السابق صدام حسين على شن حرب على إيران ثم غزو الكويت. مضيفا إن «علاقات إيران بدول الخليج العربى طيبة، وهى لم تتسبب لأى منها بأذى».
وشن أحمدى نجاد هجوما عنيفا على القوى الغربية والكيان الصهيونى واتهمها بزعزعة الاستقرار فى المنطقة وتأليب الدول على بعضها وتشجيع بعضها على شن الحروب ومهاجمة الجيران، وتنفيذ سياسة نهب مقدرات المنطقة والسيطرة عليها والعمل على زيادة مبيعاتها من الأسلحة بعد بث الفتن والأكاذيب وتصوير إيران على أنها «فزاعة المنطقة».
وشدد على أن الدول الخليجية تهدر قدراتها الاقتصادية على شراء الأسلحة الأمريكية والأوروبية بمبالغ ضخمة تصل إلى نحو 50 مليار دولار سنويا، وأن الدول الغربية تبث الشائعات والأكاذيب بهدف إرهاب الدول الخليجية وإرغامها على شراء تلك الأسلحة، التى لو ذهبت قيمتها إلى سبل التنمية لتغير حال المنطقة بالكامل.
 وقال أحمدى نجاد إن «الشعب الإيرانى جاهز للمشى على قدميه للقضاء على العدو الصهيونى إذا ما قام بمغامرة وحاول توجيه ضربة إلى طهران»، مضيفا: «الصهاينة خلقوا من أجل العدوان والتجاوز وهم يتمنون أن يعتدوا على إيران وضربها، ولكنهم يخشون بشدة من ردة الفعل الإيرانية نتيجة الهجوم علينا».
 
غضب صهيونى لعودة العلاقات
وتعليقا على زيارة الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد قال د. مجدى قرقر، الأمين العام لحزب العمل: لا شك أن زيارة الرئيس الإيرانى زيارة مرتقبة وبداية جديدة لإعادة العلاقات المصرية الإيرانية لطبيعتها، وعندما نقيّم هذه الزيارة نقيمها فى الإطار السياسى والإسلامى بعيدا عن النظرة الطائفية حتى لا نفسدها بوضعها فى إطار غير طبيعى.
وأضاف.. ومن الطبيعى أن عودة العلاقات بين مصر وإيران سوف تغضب الحلف الأمريكى الصهيونى، لأن الحلف المصرى الإيرانى إذا انضم معه تركيا سوف يكون محاصرا الكيان الصهيونى وداعما للدول الإسلامية.
وأكد قرقر تقديره للدور الإيرانى فى دعم المقاومة الفلسطينية والمقاومة فى جنوب لبنان فى مواجهة العدوان الصهيونى، إلا أننا فى الوقت نفسه نستنكر الموقف الإيرانى الداعم لبشار الأسد، ونطالب إيران وجميع الدول التى تدعم نظام الأسد أن ترفع يدها عن سوريا ولا تتدخل فى شئون سوريا الداخلية وترك الشعب السورى لكى يكون له الكلمة الأخيرة.
 
فرصة لبحث العلاقات
وقال د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن زيارة الرئيس الإيرانى لمصر جاءت خلال مشاركته فى القمة الإسلامية التى تعقد بصفة دورية، والتى عقدت مؤخرا فى القاهرة، وهى تعتبر فرصة لبحث العلاقات المصرية الإيرانية وخاصة الصراع فى سوريا والدور الإيرانى فيه، لا سيما أن مصر تسعى لحل الأزمة السورية.
وأضاف نافعة أن هذه الزيارة طبيعية ويجب علينا أن لا نبالغ فيها ونشعبها، فمؤتمر القمة يعقد بشكل دورى، ولكن توقيت هذه الزيارة مناسب جدا وخاصة فى ظل ما تشهده المنطقة من صراعات ونتمنى أن يتم استغلالها سياسيا لصالح البلدين.
 
تغيير توازن القوى
وقال د. محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الدراسات السياسية، ورئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية: هناك مخاوف حقيقية انتابت الكيان الصهيونى والولايات المتحدة الأمريكية من تلك الزيارة، لأن أى تقارب بين مصر وإيران معناه تغيير توازن القوى داخل الشرق الأوسط بالكامل، بمعنى وجود قوة جديدة صارت تهدد الحلف الصهيونى الأمريكى.
وأوضح إدريس أن ما يريده الغرب هو أن تظل مصر متقوقعة فى ذاتها، وهشّة تعيش على التسول، قائلا «الغرب لا يريد أن تصبح مصر دولة قوية ذات سيادة».
وتساءل إدريس: «كيف يكون من الجيد أن نوطد علاقاتنا بـ(الكيان الصهيونى) دولة اليهود، ودول بوذية ودول هندوسية، فى حين نرى أن علاقتنا بإيران (دولة إسلامية ذات مذهب مختلف) كارثة كبرى، مشيرًا إلى أننا -نحن المصريين- لا نخاف من التشيع لأننا 90 مليون مسلم ولا نعرف الفرق بين سنى وشيعى، فكلنا موحدون بالله ونؤمن بالقرآن والسنة، ولا فرق عندنا بين أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، فكلهم صحابة ولهم القدر ذاته من الحب والتقدير، كما نحمل درجة الحب نفسه لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشدد إدريس على أن العلاقات بين الدول لا تقوم على أسس دينية ولا طائفية ولا عقدية، منوّهًا: «العلاقات بين الدول تقوم على الاحترام المتبادل، والقانون الدولى يضبط تلك العلاقات، ولا يليق أبدا أن تكون كل الدول العربية على علاقة بإيران، ومن بينها الدول التى تتصارع مع إيران كالإمارات والسعودية والكويت والبحرين، وتكون مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم العربى والإسلامى لا علاقة لها بطهران.
 
إرضاء أمريكا
ومن جانبه أكد السفير محمود فرج، القائم بأعمال مصر فى إيران سابقا، وجود فوائد سياسية واستراتيجية للبلدين، على المستويين الإقليمى والدولى، من وراء عودة العلاقات، مشيرًا إلى أنه من الطبيعى أن تعود العلاقات بين أكبر دولتين فى منطقة «الشرق الأوسط الكبير» إلى طبيعتها.
وأضاف: لقد كان هناك تعاون بين البلدين فى المجال النووى وفى مجال المياه ومجالات أخرى، إلا أنها توقفت بسبب موقف الرئيس المخلوع وانصياعه التام للولايات المتحدة الأمريكية، وكذا لإرضاء الدول الخليجية للاستفادة منها بأية طريقة كانت.
وأشار فرج إلى أن العلاقات بين البلدين لم تنقطع تمامًا، فقد كان هناك تنسيق فى الملف النووى وغيره من الملفات، وكانوا يدعموننا فى الأمم المتحدة وكنا ندعمهم، موضحا أن الاتصالات بين الجانبين لم تنقطع؛ فمبارك التقى الرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى سنة 85 فى جنيف، والرئيس على أكبر هاشمى رفسنجانى اتصل بمبارك أكثر من مرة، وآية الله فيكوم كان على اتصال دائم بشيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق.
وفيما يتعلق بإساءات الشيعة لزوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الأبرار قال القائم السابق بأعمال مصر فى إيران: «لقد بدأت الإساءات مع بداية الثورة الإيرانية، ولها تراث قديم يرجع لأيام الفتنة الكبرى والدولة الأموية، إلا أن قائد الثورة الإيرانية تراجع عن تلك الأفكار، وهدأت الأجواء تمامًا فيما يتعلق بذلك الشأن»، مشيرًا إلى أن أحداث السباب فى إيران حاليًا ما هى إلا أحداث فردية، وعلينا ألا ننجر وراء تلك المهاترات بأى حال من الأحوال.
واختتم السفير محمود فرج، حديثه قائلا: «لقد بعثت زيارة الرئيس محمد مرسى إلى طهران برسالة، فحواها أن مصر تفتح الأبواب ومستعدة للتفاهم، مستنكرا ما يثار من دعوات ترفض توطيد العلاقات مع طهران باعتبارها دولة المجوس، وكذا الاعتداء الآثم عليه وعلى الوفد المحيط به بالقاهرة، واصفًا إياها بالمأساة».
 
انفتاح مصر
وأكد محمد عصمت سيف الدولة، المستشار السابق لرئيس الجمهورية للشئون العربية، أن التربة المصرية صالحة لأى تعاون مع كل أقطار الأرض عدا «الكيان الصهيونى»، مشيرًا إلى أن ترسيخ مصر لعلاقاتها بأية دولة هى مسألة تخصها وحدها، ولا يحق للغرب التدخل فيها، «فهذا عصر الخوف والتبعية الذى ينبغى الخروج منه».
وأشار سيف الدولة، إلى ما قاله صمويل هنتنجتون فى كتابه صراع الحضارات، والذى قال فيه إنه يجب أن تحل الخلافات الدينية والطائفية فى الشرق الأوسط، محل الصراعات الوطنية والقومية والتحررية. كما تطرق سيف الدولة إلى الوثيقة التى أعدها «الكيان الصهيونى» عام 1982 باسم «استراتيجية إسرائيل فى الثمانينيات»، والتى وصفها سيف الدولة بأنها الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة، والتى جاء فيها أن «تل أبيب» ستنشط لتوظيف التناقضات بين الأديان والطوائف الموجودة فى المنطقة. وتحدثت عن صراع سنى شيعى، سنى كردى، إسلامى قبطى... إلخ.
وشدد على موقف إيران القوى والشجاع فى مواجهة أمريكا، وتجبرها، وفى مواجهة الاحتلال الصهيونى. مشيرًا إلى وجوب تثمين هذا الموقف القوى «إذا ضُرب هذا النموذج لن يكون فى صالحنا ولا فى صالح أية دولة تسعى إلى الاستقلال».
واستنكر سيف الدولة ما يتردد فى بعض الأوساط السياسية المصرية حول أن التهديد الإيرانى أشد خطرًا من التهديد الصهيونى، قائلا: «هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلا؛ لأن إيران ليست من يحتل القدس»، منوها أن تلك الأفكار نابعة عن مخططات صهيونية أمريكية.
واختتم سيف الدولة حديثه مشددا على ضرورة أن يتحول الصراع من صراع «سنى شيعى، وعربى فارسى، وعربى تركى» إلى صراع عربى صهيونى، وعربى أمريكى.
 
مصر سيدة قرارها
ورأى د. يحيى القزاز، القيادى بحركة كفاية، أن زيارة نجاد إلى القاهرة للمشاركة فى مؤتمر القمة الإسلامى كانت موفقة، مشيرًا إلى أن هناك أواصر متينة بين الشعبين المصرى والإيرانى، مشددا على ضرورة عودة العلاقات التى ينبغى أن يحكمها احترام كل دولة لخصوصية الأخرى.
وقال القزاز: لا يجب أن نؤسس للعلاقات على أرضية راسخة، بمعنى أن توقف إيران اعتداءها على العرب وأن ترد حقوقهم فى الجزر التابعة لدولة الإمارات فى الخليج العربى، وكذلك عدم اضطهاد الأحواز السنيين فى إيران، كما ينبغى عليها أن تغير مواقفها من دعم النظام السورى.
وأضاف: «لا ينبغى أن يتعانق الزعيمان (مرسى ونجاد) نكاية فى الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وليثبت نجاد للولايات المتحدة أن له نفوذا فى المنطقة التى هى مستقر العدو الأمريكى، وأيضا مرسى يجعل من نجاد ورقة ضغط له على الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بتصريحات نجاد التى قال فيها إن الخريطة السياسية للمنطقة ستتغير إذا ما تعاون الشعبان المصرى والإيرانى؛ أوضح القزاز أن هذا الكلام هو الصواب، لكنه يحتاج إلى بعض المعطيات لكى يكون فاعلا، مشددا على أنه يجب أن تبتعد مصر عن التبعية الأمريكية وعن الممالآت الصهيونية، لتكون مصر سيدة قرارها، وأن يكون لديها نظام وطنى يعرف مصلحة الوطن ويعلى من قيمته على أية مصلحة أخرى.

رأیکم