التاريخ المشترك بين السعودية و «داعش» الاجرامية.. وجهان لعملة واحدة

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۵۸۴۸
تأريخ النشر:  ۱۱:۱۴  - الجُمُعَة  ۲۶  ‫دیسمبر‬  ۲۰۱۴ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
تستخدم جميع أنواع الاجرام لمواجهة شيعة المنطقة في الوقت الذي يقوم فيه النظام السعودي بسجن الإسلاميين المعتدلين من المواطنين السعوديين، فإنه يسمح للارهابيين منهم بإثارة الفوضى في بلاد الشام.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء إذا كان من غير المؤكد القول أن النظام السعودي يدعم هؤلاء الارهابيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن كراهية الأنظمة الشيعية في المنطقة باتت إحدى النقاط المشتركة التي تجمع بين «المتطرفين» وبين النظام السعودي. وإذا كان النظام السعودي لا يوجه ضرباته لمنافسيه على أرض المعركة، فإن الارهابيين يقومون بهذه المهمة بدلًا منه على أكمل وجه. 

تشير التقارير التي صدرت مؤخرا إلى أن تنظيم «داعش» الارهابي يعتمد إلى حد كبير على التمويل الذاتي الذي يرتكز على مجموعة واسعة من المصادر، ليس من بينها النظام السعودي.

يناقض هذا حديث نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، عن أن بلاده تواجه تهديدًا إرهابيًا يتم تمويله مباشرة من النظام السعودي.

وبالرغم من مساعي النظام السعودي لتبرئة ساحته من أية اتصالات مع تنظيم «داعش» الارهابي، إلا أن ذلك لا يمنع أن الجماعات الارهابية قد كشفت عن نوع من التقارب، ليس فقط مع التقاليد الدينية السعودية وحسب، بل أيضًا مع تاريخها السياسي.

من بيروت إلى بغداد، يمضي الارهابيون السعوديون الذين انضموا إلى تنظيم «داعش» الاجرامية، وغيره من الجماعات الأخرى، في طريقهم نحو القضاء على خصومهم وأعدائهم، آملين في نهاية المطاف في إقامة حلم ما يعرف بالدولة الإسلامية. 

السعودية تستخدم الدين لخدمة الدولة ويعكس هذا النهج من قبل الارهابيين السعوديين الذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع تنظيم «داعش» الارهابي عن عدم الرضا من جانبهم عن دولتهم الإسلامية، والمعروفة باسم المملكة العربية السعودية.

إن هؤلاء الارهابيين يمثلون جيل الشباب الذي ولد ونشأ في تسعينيات القرن الماضي، الجيل الذي تشبّع بأفكار إقامة «الأمة» التي تشمل المجتمع السني وتقصي ما دون ذلك من طوائف وفرق في العالم الإسلامي.

ولا عجب في ذلك، فقد نشأ هذا الجيل من الشباب في المملكة العربية السعودية، التي لا تعترف النسخة الوهابية من الإسلام فيها بالتعددية الدينية.

وبرغم ذلك، فإن نزوح الشباب السعودي إلى البلدان العربية المجاورة لا يجب أن ننظر إليه من المنظور الديني الضيق، خاصةً وأن هذا النزوح يعد نتاجًا للسياسات السعودية التي تستخدم الدين لخدمة الدولة.

لقد نشأت المملكة العربية السعودية نفسها في ظل صراعات مماثلة كتلك التي نشهدها اليوم في بلاد الشام.

ففي عام 1912، عمد مؤسس المملكة بن سعود إلى إنشاء ميليشيات قبلية دعاها «الإخوان»، وهي الميليشيات التي استخدمها في قتل المسلمين المعارضين لسلطته السياسية بدعوى أنهم كفار. ولم يكتفِ ابن سعود بذلك، فقام بتجنيد جميع شباب القبائل في شبه الجزيرة العربية بهدف مواجهة أولئك الذين أبدوا مقاومة لسياساته التوسعية.

كانت دولته الأولى تسمى «دولة نجد والحجاز»، وكانت تشمل المملكة الوسطى، والمنطقة الغربية التي تضم المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

حاز ابن سعود ألقابا عدة منها «الأمير» و«الإمام» و«السلطان» وصولًا إلى لقب «الملك» الذي تم الاستقرار عليه بناءً على اقتراح من سلطة الاستعمار البريطاني.

في ادبياتهم تكفير الآخرين كان تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة أمرا فريدا من نوعه في العالم العربي من حيث كونه مشروع ارهابيين منذ البداية.

فعلى النقيض مما يحدث في الدول العربية من تلقين الشباب بمفاهيم قومية عن تاريخ دولته، تلقَّى الشباب السعودي سيلًا من المفاهيم التي ترتكز على النزعة الارهابية، من قبيل أن المملكة السعودية إنما نشأت بالأساس نتيجة جهود قائد الأتقياء الذي خلّص البلاد من الكفر، وقضى على المعتقدات والممارسات غير الإسلامية.

لقد كان مؤسس المملكة ومقاتلوه في عشرينيات القرن الماضي يحملون كراهيةً شديدة للتماثيل والقبور؛ وحال وصولهم إلى مكة والمدينة، في منتصف العشرينيات، انتابتهم حالة من الهياج؛ فصاروا يبحثون عن «علامات الكفر»؛ وهو ما دفعهم إلى تدمير القبور، وفرض عدد من السلوكيات الصارمة على السكان.

ومن بين تلك السلوكيات منع النساء من الخروج إلى الشوارع وتحريم بيع التبغ؛ وشهدت بدايات حكمهم فرض سلسلة من التدابير الخاصة بمراقبة الأخلاق العامة وأداء المواطنين للصلوات. الأهم من ذلك هو أن الدولة السعودية التي أنشأتها القوة العسكرية لجيش «الإخوان» لم تكن تحترم حدود جيرانها.

ولم تكن إلا مسألة وقت حتى دخلت تلك القوات في صدام مع المستعمرات البريطانية القريبة. كانت المدن الجنوبية في العراق بغية للمقاتلين السعوديين؛ لا لشيء إلا لأنها منحتهم فرصة الموت في سبيل عقيدتهم الجهادية لقتال «الشيعة ».

فضلًا عما تمثله المدن العراقية المقدسة – كالنجف وكربلاء – من مكاسب مزدوجة سواءً كان هذا على مستوى الثروات في الحياة الدنيا، أو الجزاء في الحياة الآخرة. غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن؛ ففي ظل الضغوطات التي مارستها بريطانيا على الملك السعودي ابن سعود لكبح جماح مقاتليه، أصدر أوامره للارهابيين السعوديين بالكف عن الخطط التوسعية حتى إشعار آخر. ولكن هل تم تأجيل المشاريع التوسعية حقًا؟

فبالرغم من نجاح ابن سعود في كبح جماح جيش «الإخوان» سعيًا منه إلى استعادة ثقة البريطانيين، حتى إن أفضت هذه السياسة إلى قطع رؤوس قادة المعارضة، إلا أن دوافع الموت من أجل العقيدة لم تبارح مكانها في أذهان المقاتلين الذين ظلوا يبحثون عن بغيتهم في أماكن أخرى من العالم.

كانت أفغانستان فيما بعد وجهة المقاتلين السعوديين التي جاءت تتويجًا للتلقين السعودي بعقيدة الموت من أجل الإسلام، التي امتدت لعقود في إزكاء روح القتال والموت لإنقاذ المسلمين الآخرين في أنحاء العالم كافة.

كان هذا جانبا من تاريخ المملكة العربية السعودية المعاصر، وليس بالتأكيد تاريخ تنظيم «داعش» الارهابي. غير أن الواقع يفرض علينا البحث عن ثمة متشابهات هنا بين الجانبين. 

السعودية مولد الارهابيين فالمعركة بالنسبة للسعوديين الآن لم تعد في ساحات الأراضي الصحراوية الشاسعة والمدن المقدسة في شبه الجزيرة العربية، ولكنها تحركت شمالًا باتجاه الأراضي الأكثر خصوبة.

إن مشاركة الشباب السعودي في الصراعات التي تشهدها سوريا والعراق لم تكن مفاجئة أو حدثًا تاريخيًا عارضًا. فسوريا والعراق ربما تمثلان أكثر البلدان العربية على صعيد التعددية الدينية.

كما أن الارهابيين السعوديين باتوا على يقين من أن الجهاد في الداخل السعودي يواجه بالعقاب، على النقيض من الجهاد خارج الديار السعودية الذي ينظر إليه النظام السعودي على أنه مسألة اختيار شخصي. ربما يكون النظام السعودي قد نجح في إقناع العالم بأنه قوة معتدلة، يسعى إلى السلام، وبأنه يكبح جماح الجهاديين السعوديين.

كما أن التقارير قد تعفيه من أية مسؤوليات مباشرة عن ظهور تنظيم «داعش» الارهابي أو غيرها من الجماعات المسلحة.

غير أن ذلك لا يحول دون توجيه الاتهام لأكبر ممالك الخليج عن ظهور مثل هذه الجماعات؛ فتاريخها وتأسيسها وأيديولوجياتها تحمل عبقًا مماثلًا لما نراه في الوقت الراهن، فضلًا على المشاركة المتميزة لمواطنيها في مسلسل تلك الجماعات.

أيضًا، فقد لا يكون لدى القوى الغربية أي خيار سوى التسليم بقوة النظام السعودي وقدرته على وقف تدفق الارهابيين خارج المملكة.

وكما هو الحال مع بريطانيا التي وقعت فريسة للسحر السعودي وصدَّقت على وعوده بمعاقبة المتطرفين في عشرينيات القرن الماضي، فإن القوى الغربية مدفوعةً بحسابات المصالح قد تغض الطرف عن أولئك الجهاديين، خاصةً إذا استشعرت أن قضية الجهاد باتت أمرا لا مفر منه، شريطة أن يكون الأمر بعيدا عن حدودها.

لم يتخلَّ النظام السعودي عن استخدام الدين لخدمة أهدافه السياسية، بل أصبح معتادًا على استغلاله بطريقة قد تؤدي إلى انهياره في النهاية. لقد بات على النظام السعودي أن يدرك أن المقامرة على تزكية عقيدة الموت من أجل الإسلام هي سلاح ذو حدين.

لقد اتكأ النظام السعودي على تلك العقيدة لمحاربة السكان المحليين الذين قاوموا سياساته التوسعية، إلا أن نيران تلك المعارك امتدت لتشمل الدول العربية المجاورة، كما أسلفنا مع جنوب العراق. غير أن السحر قد ينقلب على الساحر، خاصةً وأن الجهاديين السعوديين الذين يقاتلون خارج الديار السعودية حاليًا قد يعودون يومًا ما إلى الداخل لمواجهة النظام السعودي نفسه، الذي أصبح في حالة تأهب خوفًا من هذا الكابوس.

ومع ذلك تبقى عودة الجهاديين الوشيكة للمملكة محل تأجيل؛ فسياسة ضبط النفس التي تتبنَّاها الولايات المتحدة في الشأن السوري والعراقي قد لا تكون ضمانًا كافيًا للجهاديين للعودة إلى الديار وممارسة «الجهاد» داخل السعودية.

فالولايات المتحدة قد تغير من سياستها تلك مع الحالة السعودية التي تعد أكثر حيوية من نظيرتها السورية أو العراقية بالنسبة للولايات المتحدة ولبقية العالم.

أضف إلى ذلك أن استمرار الجهاديين في استقبال الأموال والمقاتلين من السعودية سيجعلهم ينتظرون قبل أن يبدأوا في تنفيذ عمليات ضد هذا المصدر.

يملأ النظام السعودي الأرض صراخًا عن خطر عودة الجهاديين إلى بلادهم، لكن الأمر ليس خطرا كما يدَّعون.

ربما كان ثمة اتفاق بين طرفين بينهما الكثير من المصالح المشتركة، طرفان لم يعتادا الالتزام باتفاقاتهم على الإطلاق. فهل يمكننا القول إن النظام السعودي جادٌ بشأن مواجهة «الجهاديين المتطرفين» ؟.
الكلمات الرئيسة
رأیکم