لغز "السور الإسرائيلي العظيم" أبسط مما قد يبدو

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۸۸
تأريخ النشر:  ۱۱:۳۹  - الخميس  ۳۱  ینایر‬  ۲۰۱۳ 
منذ بداية تاريخها تقدم إسرائيل تفسها كدولة مظلومة محاطة بالأعداء. وفي إطار أيديولوجيتها خلقت تل أبيب صورة نمطية تقول بأن اتباع الإسلام هم "مجاهدون" يسعون لتدمير الدولة اليهودية.
وجرياً وراء مهمة "إنقاذ البشرية" تقوم إسرائيل بجهود حثيثة للقضاء على "الخطر" المتمثل بإيران وقصف المناطق الفلسطينية بمن فيها من السكان البسطاء لإنقاذ العالم من "الإرهاب المنظم".
ومن أجل أن ينأوا بنفسهم عن الثورات العربية قرر المسؤولين الإسرائيليين إستئناف بناء الجدار العازل ولكن هذه المرة حول سوريا. ويبدو هنا أن الجدار الذي بنته إسرائيل على طول الحدود مع قطاع غزة ومصر والاردن لم يعد كافياً لها. ولكن هل فعلاً هذا الجدار ضروري لأمن إسرائيل وما الاسباب الحقيقية من وراء إقامته؟
ولكن قبل الإجابة على السؤال بخصوص الهدف من إقامة الجدار العازل على الحدود مع سوريا من الضروري بمكان قول بضعة كلمات عن الطوق المفروض حول فلسطين. فمن المعروف أن إسرائيل أقامت جداراً خرسانياً مجهزاً بالأسلاك الشائكة على الحدود مع مناطق السلطة الفلسطينية للأسباب التالية:
1- حماية الدولة من هجمات المسلحين وضمان الأمن.
2- حماية المستوطنات اليهودية والإتصالات والطرق من الهجمات وإطلاق النيران من جانب المسلحين الفلسطينيين.
3- منع الجزء الأساسي من السكان الفلسطينيين من الإختلاط مع السكان اليهود.
4- تهئية الظروف للترسيم النهائي للحدود مع إسرائيل والإعلان عن الحدود النهائية مع الدولة الفلسطينية.
ولكن نتيجة لبناء هذه الجدار جرى ضم فعلي للاراضي الفلسطينية. وفي المحصلة بقي اكثر من 10% من اراضي الضفة الغربية (نحو 600 كلم أكثر مما لو مرت هذه الحدود عبر الخط الأخضر لحدود العام 1967) على الجانب الإسرائيلي من الحدود. ونتيجة لذلك تم الإستيلاء على أكثر من 160 كلم مربع من الاراضي الفلسطينية، كما اصبح الكثير من المزارعين الفلسطينيين معزولين عن اراضيهم، والتي تشكل بالنسبة لهم مصدر الرزق الوحيد. ورغم أن المحكمة الدولية وصفت في التاسع من تموز/يوليو الإنحراف عن الخط الأخضر بالإجراء غير الشرعي والمخالف لمعاهدة جنيف فإن تل ابيب ما زالت تعتبر نضال الفلسطينيين "إرهاباً إسلامياً ضد إسرائيل المتحضرة".
أما الخطوة التالية في سبيل "القضاء على الإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية" فجاءت من خلال بناء جدار بطول 230 كم على الحدود مع مصر إستغرق بناءه عامين وكلف الخزينة الإسرائيلية 420 مليون دولار. وتقول السلطات الإسرائيلية أن الجدار سمح بشكل كامل بوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين من الجانب المصري. بيد أن ضم أراضي من الدولة الجارة لم يمر مرور الكرام وتم حل الإشكال بفضل إتفاقية كامب ديفيد التي أعادت إلى مصر شبه جزيرة سيناء.
بيد أن توسع حدود الدولة الإسرائيلية لم يقف عند هذا الحد. ففي كانون ثاني/يناير الماضي فرضت الحكومة الإسرائيلية عقوبات على إقامة جدار عازل على الحدود مع الأردن، وفي العام الحالي بدأت إسرائيل في بناء جدار عازل على طول الحدود مع سوريا. وبررت إسرائيل هذه الخطوة بتأمين أمنها ومكافحة الإرهاب والتهريب واللاجئين من السودان وأثيوبيا. وجرى بناء هذا الجدار الخرساني- المناط به حماية الدولة الإسرائيلية - في مرتفعات الجولان التي إحتلتها إسرائيل خلال حرب العام 1967 والتي تبلغ مساحتها نحو 1150 كم مربع بطول 60 كم وعرض 25 كم فيما تعتبر دمشق أن ملكية هذه المرتفعات تعود إليها.
وفي محاولة منه لتوضيح ضرورة هذا الإجراء أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مقاتلين إسلاميين شغلوا مكان الجنود السوريين الذين غادروا المكان. وترى السطات الإسرائيلية أن الأنظمة العربية في البلدان المجاورة يمكن أن تتغير وعليه فإن على تل ابيب إقامة سواتر لضمان أمنها. وسيستغرق بناء هذا السياج أقل من عام واحد في حين لم تكشف إسرائيل عن تكاليف بناءه.
وإذا وضعنا جانباً حجج الساسة الإسرائيليون ونظرنا إلى الوقائع فإنه سيتبين أن الأوضاع في المنطقة لا يجمعها جامع بالأخطار التي يتحدث عنها هؤلاء. فخلافاً للمناطق الجنوبية لطالما كانت المناطق الشمالية تتمتع بحماية جيدة حيث تنتشر افضل الدبابات والمدرعات الثقيلة من طراز ميركافا-3 وميركافا-4. علاوةعلى ذلك تعتبر هضبة الجولان أكثر المناطق الملغمة على سطح الأرض. وقد تم تلغيم خط الهدنة بين سوريا وإسرائيل في الأعوام 1947 و1967 و1972. وهناك إعتقاد بأنه يلزم نحو نصف قرن لإزالة هذه الألغام. ولهذا السبب بالذات لم تحصل من هذه المنطقة أية حالات تهريب أو تسلل للمهاجرين إلى إسرائيل. وحتى بداية الأحداث في سوريا فإن الجيشان الإسرائيلي والسوري- المستعدان لإشعال الحرب المتوقفة منذ أربعين عاما- ضمنا الهدوء على هذه الجبهة.
وهكذا وتحت حجة حماية أمنها تقوم إسرائيل عملياً بتأكيد حدود جديدة لها من خلال ضم مناطق جديدة متنازع عليها وبحيث لن يكون ممكناً إرجاعها بعد حصول تسوية شرق أوسطية. وللأسف يحصل ذلك بتواطؤ كامل من قبل المجتمع الدولي وبدعم من الولايات المتحدة.
ومما لا شك به أن قلق إسرائيل تجاه أمن حدودها في الشمال لم يتصاعد فقط بسبب الأوضاع المتردية في البلدان العربية. ففي هذا الوقت بالذات يتنامى دور القوى المطالبة بتحرير فلسطين، وها هي حركتا حماس وفتح بدأتا بإجراء محادثات حول المصالحة. كما أن الضربات الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين دفعت بعدد من حلفاء تل أبيب لإعادة النظر بمواقفهم، ما يدل على أن أسطورة أن الدولة اليهودية هي ضحية بريئة قد تم فضحها. وعليه فإن إقامة جدار عازل في هضبة الجولان يعتبر في الدرجة الأولى خطوة سياسية وليست إستراتيجية أملتها ضرورة حماية الحدود. فسوريا تمتلك أسلحة كيميائية، وفي حال تحققت مخاوف إسرائيل فلن يستطيع عندها أي جدار بوقف التهديد الذي إخترعت إسرائيل جزءاً كبيراً منه.
 
رأیکم