عشية قيام الكيان الاسرائيلي، وفي العقود التي تلت، وضَعْنا، نحن العرب، أنفسنا في موقع المسؤولية الأخلاقية حيال نفي أو تأكيد أو إعلان موقف حاسم من المجازر التي ارتكبها الغرب في حق اليهود قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها وهو موقع لم يكلّفنا به أحد، وليس من اختصاصنا، فضلاً عن أنه ليس من مسؤوليتنا المباشرة.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء-هذا التقديم سببه أن كيان العدو يعيش، اليوم، المرحلة الأكثر خطورةً في تاريخه. وفي معزل عن حسابات رقمية، أو معطيات تستند الى عناصر نظرية، فإن إسرائيل دخلت، فعلياً، مرحلة الانتقال من زمن «الدولة الأبدية» الى زمن الدولة الساقطة حكماً. ولأن عملية بهذا الحجم تتطلّب جهوداً ضخمة، وحروباً أضخم، فإن العدو، قبل الغرب، سيلجأ الى سردية المظلومية اليهودية مرة جديدة. وبالتالي سنكون، لمرة أولى وأخيرة، أمام واجب الإجابة عن سؤال حول أيّ حل ممكن للمسألة اليهودية في بلادنا، ربطاً بقرار إزالة الكيان الاسرائيلي؟ وحتى لا نحمّل أنفسنا، من الآن، مسؤولية ما قد يراه البعض ظلماً بحق اليهود القاطنين في إسرائيل، عندما تزول دولتهم القائمة اليوم، من المجدي العودة الى موقف سهل وبسيط وواضح: إن الغرب الاستعماري، سواء بخلفية صليبية أو دينية أو بخلفية قمعية شمولية، مسؤول أولاً وأخيراً عمّا حلّ باليهود في أوروبا، وهو مسؤول أيضاً عن إيجاد حلّ لأزمة اليهود الذين سيغادرون فلسطين. أما مسؤوليتنا، نحن، فهي خلق الإطار المنظّم لدولة يعيش فيها أهل الارض من الفلسطينيين، ومن يمكن أن يبقى من سكانها الحاليين، بعد اختيار نظام جديد لحكم دولة فلسطين غير الناقصة لأي شبر من أرضها أو حرف من اسمها.
هل هذا هذيان كما يقول أبناء تيار الهزيمة؟
لندَع هؤلاء وشأنهم. سيظل بيننا، أو في العالم، من يمدّهم بوقود الحياة مهزومين. وبعضهم لم يعد يريد نهاية لإسرائيل أصلاً. وبالتالي، لا طائل منهم ومن هلوساتهم، ولا فائدة من مناقشتهم في ضرورة التضحيات الكبيرة التي ستبذل لاسترداد فلسطين، ما داموا يرون في ذلك مجرّد انتحار!
إسرائيل تعيش اليوم «أيام القلق العظيم»، بسبب تآكل قدراتها الهجومية والدفاعية، ليس عسكرياً فقط، بل سياسياً أيضاً. للمرة الأولى، في تاريخها، باتت إسرائيل اليوم في حاجة إلى قواعد عسكرية أميركية على الارض المغتصبة في فلسطين، والى قواعد حماية أميركية على بعد عشرات أو مئات الكيلومترات من حدودها الشمالية والجنوبية، كما باتت تحتاج، من دون أي تشاوف، الى الوجود العسكري الاميركي المباشر لحمايتها من الاعداء. وفوق كل ذلك، بات الكيان في حاجة، ليس الى اتفاقات سلام معه لم يعد بالإمكان تبريرها، بل إلى تعاون يمنحه المظلة السياسية للنفاذ الى العقل العربي. وبعد تراجع أدوار تركيا ومصر والاردن والمغرب في حماية «حق إسرائيل في الوجود»، تسعى اليوم الى شراكة مباشرة مع مملكة القهر والتخلف في الجزيرة العربية، آخر الامبراطوريات الشبيهة بها في بلادنا، علّها تمنحها «صفحاً إسلامياً» يساعدها ليس على البقاء، بل على استخدام العرب مباشرة لمواجهة خصومها الذين تقودهم إيران.
وضع إسرائيل الصعب ليس ناتجاً من تعاظم قوة خصومها فحسب، بل لكونها لم تعد تملك تفوّقاً أخلاقياً، حتى بالنسبة إلى مواطنيها أنفسهم، بعدما حوّلت حروبها الطويلة جيشها الى مجموعة من القتلة، وصار هؤلاء ملزمين بالقيام بأعمال قتل أكثر وحشية حتى يستقيم بقاء الدولة. ورغم كل ذلك، يخرجون كل مرة من مناوراتهم بثُغَر خطيرة، تجعل احتمال الهزيمة في أي حرب مقبلة يوازي احتمال الفوز. كذلك أصاب الوهن البنية الاجتماعية للكيان، لأن أبناء هذه الدولة يعرفون، كونهم عماد جيشها، أن الأمور لم تعد كما في السابق، وأن كل مناورات السنوات العشر الاخيرة استهدفت الدفاع وليس الهجوم، وأنه حتى المناورات على عمليات عسكرية كبرى كان هدفها «إبعاد الخطر» وليس الإجهاز عليه. وكل ذلك يكفي ليتراكم في الوعي الاسرائيلي هزيمة تجرّ هزيمة.
اليوم، لم تعد إسرائيل قادرة على اتخاذ قرار بمفردها. وواهم من يعتقد أن حكومة العدو، أو مؤسساتها العسكرية والأمنية، قادرة على اتخاذ قرار بحرب في الإقليم ما لم تكن هناك موافقة وتغطية ومساهمة أميركية مباشرة. لذلك، يعمل قادة العدو، من دون توقف، على إقناع الادارة الاميركية بأن ضرب أعداء إسرائيل، اليوم وليس غداً، فيه مصلحة أميركية مساوية تماماً لمصلحتهم. وربما تجد إسرائيل في مملكة آل سعود الطرف الوحيد في العالم الذي يشاركها هذا الهاجس، بعدما وضع هؤلاء المجانين أنفسهم في الموقع الاسرائيلي.
كل هذا القلق هو ما يتحكم في مجريات الأحداث في الأشهر والاسابيع الماضية، من الاستعدادات المتواصلة لجاهزية عسكرية تتيح للعدو خوض حرب واسعة في الشمال والجنوب، ولإقناع الاميركيين بمباشرة حرب سياسية واقتصادية ضد خصوم إسرائيل في المنطقة، ولحضّ دول مثل السعودية على السير في خطوات أكبر نحو هذه المواجهة. وفي ذهن العدو أن تدخلاً أميركياً سيعيق جبهة خصومها بقوة، وأن مشاركة سعودية ستجعل الحرب المقبلة قائمة مع فئة من العرب الموالين للفرس، من مذهب سياسي أو ديني «مخالف» لـ«إجماع» يعتقد الغرب وإسرائيل أن بمقدور السعودية التحدث باسمه.
حتى لا يقع الناس في بلبلة، لا يعني ما تقدم أن هناك حشوداً عسكرية جرارة على الحدود مع سوريا ولبنان، لكنّ هناك قراراً سياسياً خاصاً يقود الى الى جاهزية هجومية. ويترافق ذلك مع تعزيز النشاط الاستخباراتي في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وحتى إيران، بغية ضمان صورة واضحة عن واقع الأعداء، وهو أمر تواكبه الولايات المتحدة بما يصدر عن إدارتها من قرارات، وبما تقوم به القوات الاميركية على الارض في سوريا والعراق، كما أنه مناخ يتزاحم مع المساعي الاميركية، بالتعاون مع السعودية ومصر والامارات، لإنجاز خطوة بهلوانية تنتهي بالاعلان عن دولة فلسطينية، لكن من دون معنى، حيث لا حدود نهائية لها، ولا سلطة مستقلة ولا منافذ حرة، ولا حق لعودة من يرغب من الفلسطينيين العيش في ظلها.
اليوم، نسير، نحن والعدو، على حدّ السكين. بيننا من يخاف المواجهة معتقداً أن العدو أقدر وحده، فكيف إذا كانت أميركا والسعودية معه. وبيننا من يريد أخذنا الى النقاش العقيم حول أفضلية هذا الخيار أو ذاك لاستعادة الحقوق. لكن بيننا، أيضاً، من يعيش في هذه الارض، ولا يهدر دقيقة من وقته، بل يعمل بكل ما أوتي من قوة وخبرة وعلم للاستعداد للحظة إذا ارتفع فيها الصراخ، أن يكون حكماً صراخ الهاربين من أبناء غير شرعيين، لكيان غير شرعي كان يدعى... إسرائيل