الشهيد محمد باقر الصدر و شمولية الفكر والعطاء ـ عادل الجبوري

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۷۴۹
تأريخ النشر:  ۲۱:۵۴  - الأربعاء  ۱۰  ‫أبریل‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين ) العالمية للأنباء :
حين كتب عن الفكر الماركسي أو البرجوازي لم يكن ينطلق من تعميمات وأحكام مسبقة، بل تبنى اسلوبا حواريا وسجاليا وقارع الحجة بمثلها، والمنطق الاول بالمنطق الاخر، ولم يطلق الاحكام الجاهزة.
كما لم يلجأ الى التحريم والتجريم لخصومه الفكريين، كالكفر والالحاد وما شابه ذلك، وانما غاص في نقض الفكر الآخر وسعى لتحطيم أركانه الأساسية من خلال اطروحات مضادة ، لكنها متينة ومحكمة، وإنه كان حريصا على ان يقرأه الاسلاميون اينما كانوا، فلم يكتف بمذهب او طائفة، وتحرك في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة، لذلك اتخذ بعدا عربيا واسلاميا بعد أن تجاوز الدائرة العراقية، ثم اصبح مداه العالم والانسان اينما كان" .

هذه العبارات جاءت في سياق شهادة للباحث الاكاديمي العراقي ذي التوجه اليساري ـ الماركسي الدكتور عبد الحسين شعبان عن الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر. ومثل تلك الشهادة لمثقف ينتمي فكريا الى المدرسة الماركسية بحق الشهيد الصدر، تشير الى حقيقة مهمة للغاية، وهي أن النتاج الفكري والمنهجية التي عمل عليها الشهيد الصدر، كانا من العمق والموضوعية وسعة الأفق بحيث إن الاخر يتعاطى معهما باهتمام واحترام رغم الاختلافات في المنطلقات والمتبنيات.

ولا شك في ان شهادة الباحث شعبان ليست الأولى من نوعها بحق الشهيد الصدر، لا سيما بعد سقوط نظام صدام الذي تزامن مع ذكرى استشهاد الصدر واخته العلوية بنت الهدى على يد ذلك النظام، إذ اتاحت فضاءات الحريّة المجال واسعا للكتاب والباحثين والاكاديميين للتحدث والكتابة عن شخصية مفكر كبير ومتميز استطاع أن يمزج بين الأصالة والحداثة بطريقة ربما لم ينجح فيها إلا القلائل ليصيغ مشروعا حضارياً انسانياً متكاملاً.

وما ميز مشروع الشهيد الصدر عن مشاريع أسلافه من المفكرين هو عمقه الفلسفي الفكري أولاً، وعناوينه المتعددة ثانياً، واقترابه بل التصاقه من حاجات الأمة المادية والمعنوية ثالثاً، ومخاطبته للجميع بعيداً عن الاعتبارات الطائفية والمذهبية والفئوية رابعاً. بعبارة اخرى إن مشروعه اتخذ ابعاداً انسانية واسعة للغاية عبرت عن طبيعة تحديات العصر وتعقيداته وتشابكاته.

وكما يقول الاكاديمي الدكتور عبد الستار الاسماعيلي في دراسة له تحت عنوان "نظرة في العطاء الفكري للسيد الشهيد محمد باقر الصدر" (قدس).. "إن أي قراءة في فكر السيد الشهيد (قدس) توقفنا على نظرتـــه العميقه النافذة، وتحليله الواعي الدقيق، ونقده العلمي النزيه، ولا نغالي إذا قلنا إن السيد الشهيد من حيث هو مفكر وباحث وفيلسوف يتجاوز الخصائص الذاتية للشخصية الاسلامية .. فهو عندما يطرح الفكرة من أين كان مصدرها، ونوعها، واتجاهها، يطرحها على بساط البحث ويناقشها بأسلوب العالم المتمكن ويبين ملامحها ويجلو غوامضها، حتى تبدو تحت الضوء الكاشف بلا ستار".

ولعله طيلة الأعوام العشرة الماضية، شغل اسم الشهيد الصدر حيزاً واسعاً في المحافل الأكاديمية والأوساط الثقافية والفكرية بشقيها الديني والعلماني.

فبينما كان الاتجاه السائد والمتعارف عليه لدى الجاليات العراقية في الخارج ـ ايران وسوريا ولبنان وأوروبا والولايات المتحدة الاميركية وكندا واستراليا ـ قبل سقوط نظام صدام يتمثل في أن الاحتفاء بالشهيد الصدر كان غالبا ما تطغى عليه أجواء ومناخات الفكر والثقافة الإسلاميين انطلاقا من كونه مرجعاً دينياً وأستاذاً حوزوياً ومفكراً إسلامياً، رأينا أن الاوساط الثقافية والفكرية والسياسية العراقية في داخل العراق بشتى اتجاهاتها وجدت نفسها مشدودة ومنجذبة للتعرف والاستزادة من الاطروحات الفكرية للشهيد الصدر بجوانبها المختلفة، السياسية والاقتصادية والفلسفية والاجتماعية.

فهناك مؤسسات أكاديمية رسمية وغير رسمية تناولت في مؤتمرات بحثية وحلقات نقاشية الابعاد السياسية في فكر الشهيد الصدر، وهناك مؤسسات تناولت الابعاد الاقتصادية في فكره، الى جانب عشرات الرسائل الجامعية ـ الماجستير والدكتوراه ـ التي سلطت الأضواء على جوانب من اطروحاته الفكرية في السياسة والاقتصاد والمنطق والاصول.

وهذا الامر يعكس حقيقتين، الاولى تتمثل بالطابع الشمولي لفكر الشهيد الصدر الى جانب العمق والرصانة وقوة المنطق والحجة ـ مثلما اشار الى ذلك عبد الحسين شعبان.

والحقيقة الثانية تتمثل في أن الاوساط والنخب الفكرية والثقافية والسياسية في داخل العراق ربما تكون قد سمعت كثيراً عن محمد باقر الصدر إلا أنها لم تتمكن من التعرف اليه عن كثب بسبب سياسات النظام السابق الذي حظر تداول مؤلفاته وأطروحاته بالكامل، بل أكثر من ذلك حظر طرح اسمه، الأمر الذي أدى الى غيابها ـ أي الاطروحات والمؤلفات ـ في الداخل وحضورها الكبير والواسع في الخارج.

وبعد سقوط النظام باتت كل الابواب مفتوحة امام كل من يريد ان يعرف عن ماذا كتب الشهيد الصدر وكيف كتب ولماذا كتب؟. ولم يكن الاعجاب بإنجازاته الفكرية مقتصرا على اصحاب التوجه الاسلامي فحسب، بل امتد الى اصحاب التوجهات الفكرية الاخرى.



وفي شارع المتنبي وسط العاصمة بغداد، ذلك الشارع الذي يطلق عليه الكثيرون "شارع الكتب والمكتبات" احتل الكتاب الاسلامي بعد التاسع من نيسان/ ابريل 2003 الصدارة في التداول، واحتلت مؤلفات الشهيد الصدر الشهيرة مثل "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و"البنك اللاربوي في الاسلام" و"نشأة التشيع" و"الاسس المنطقية للاستقراء"، فضلا عما كتب عنه بأقلام كتاب عراقيين وعرب، مرتبة متقدمة في الطلب عليها والبحث عنها، سواء بالنسبة للباحثين الاكاديميين او عامة القراء.

وإلى جانب ذلك فإن بعض اقسام وفروع الكليات الانسانية في الجامعات العراقية، مثل الفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية راحت تدخل مؤلفات الشهيد الصدر ضمن مناهجها الدراسية المقررة.


وبالتأكيد فإن المشروع الحضاري المتكامل لآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر الذي تحرك باتجاهات ثلاثة ـ سياسي واقتصادي واجتماعي ـ لم يكتب له ان يتبلور على ارض الواقع في العراق، بسبب رحيله المفاجئ من جانب، والظروف السياسية التي شهدها العراق فيما بعد من جانب اخر جراء المنهجيات العدوانية الاستبدادية لنظام حزب البعث.

بيد ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران فتح آفاقا رحبة ليجد ذلك المشروع الرائد الظروف والمناخات الملائمة للامتداد والحضور والتأثير، فإيران استلهمت من بحثه الموسوم "لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الاسلامية في ايران" كثيرا من الافكار لتضع اسس وركائز نظامها السياسي الاسلامي الجديد.

وقصة ذلك البحث تعود الى رسالة وجهها عدد من علماء الدين المسلمين في لبنان الى الشهيد الصدر في بدايات انتصار الثورة الاسلامية الايرانية يستوضحون فيها فقهيا عن مشروع دستور الجمهورية الاسلامية.

في الوقت ذاته كان الشهيد الصدر حاضرا ـ اسما وفكرا ـ في مختلف مجالات الحراك الفكري والثقافي في ايران وبقاع اخرى في العالم الاسلامي وغير الاسلامي على امتداد ربع قرن من الزمن، لتنعكس معطيات ذلك الحراك على الفضاء الفكري والثقافي العراقي بعد سقوط نظام صدام بصورة رؤى وأفكار وقراءات ونظريات لم تترك بعدا من الابعاد الفكرية للشهيد الصدر الا وتناولته بالتحليل والتفكيك الموضوعي والدقيق والمعمق.
رأیکم