عبد الغني خنجر: لم أرَ الشّمس 3 أشهر.. وانتقالي للعمل السّياسي قرارٌ مدروس

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۰۶۶
تأريخ النشر:  ۱۰:۱۵  - السَّبْت  ۱۸  ‫مایو‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
كان عبد الغني خنجر، منذ بدايات شبابه، منخرطاً في الحراك الشّبابي، ومثل بقيّة جيله، كان واحداً من النّشطاء الذين عرفتهم حركة الصّحوة الدّينيّة في ثمانينات القرن العشرين، وأسهم بشكل عملي وتثقيفي في الرّوابط الدّينيّة التي انتشرت في البلاد منذ ذلك الوقت.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء شكّلت انتفاضة التسعينات منعطاً هاماً في حياته. تعرّض للاعتقال لأكثر من مرّة، واضطر وقتها للهجرة خارج البلاد، وتعرّض بعد العودة للاعتقال. منذ بداياته الأولى، لم يكن يحمل خنجر موقفاً مهادِناً مع النّظام الخليفي، وكان يراه مُخادِعاً على طول الخط، ولذلك أبرز خنجر تحفّظاً واضحاً تجاه سياسات المراوغة التي اتّبعها النّظام، بما في ذلك "ميثاق العمل الوطني".

يقول أحد أصدقاؤه: "عندما تمّ الإعلان عن الميثاق، وبدأ إطلاق الرّموز، قال خنجر كلمةً، كانت غريبة عن السّياق الذي يجري آنذاك، قال: "إنّي أرى دماءاً تصل إلى حدّ الرّكب". في أعقاب تلك المرحلة، انخرط خنجر في العمل الحقوقي، وبرز بشكل مؤثّر على المستوى المحلّي والدّولي. وقبل عام من اندلاع الثورة، تم اعتقاله ضمن القمعة الأمنية التي شنّها النّظام في أغسطس 2010م، وتعرّض مع بقية الرموز لتعذيب بشع، وكان ذلك من الأسباب التي هيّات لاندلاع ثورة 14 فبراير.


نرحّب بالنّاشط البحريني عبد الغني خنجر، ونتقدّم إليكم بأطيب الأمنيات، لاسيما بعد خروجكم من البلاد، بعد ملاحقة أمنيّة استمرّت عامين كاملين داخل البلاد. ونشكركم لقبول الإجابة على هذه الأسئلة، مقدّرين وضعكم الخاص، وما يفرضه ذلك من التّحفظ أو الامتناع عن الإجابة عن بعض الأسئلة. فلكم كلّ الشكر والتقدير.

- خنجر: في البداية، أحببتُ أن أتوجّه بالشّكر الكبير إلى موقع "لؤلؤة أوال" وإلى القائمين عليهم، لما يبذلونه من جهدٍ في سبيل طرح ذوق ثوري حِرفي إعلامي مختلف، متحرّرين في ذلك من "الوصاية السّياسيّة"، ومعتمدين على طاقاتٍ شبابيّة ثوريّة، آمنت بحراك الشّعب، ومتسلّحين بالصورة والقلم والخبر، ولا يُحرّكهم المالُ السياسي فيزيغوا في الأهواء، وإنما تنيرُ دروبهم جراحاتُ هذا الشّعب، ومعاناته، وتضحياتُ رموزه وشبابه ونسائه في السّجون الخليفيّة المُعتمة. تحية لكم، وأتشرّفُ بالإجابة على أسئلة الموقع، معتذراً لكم - مقدّماً – بأنّ بعض الإجابات ستكون "مبتورة"، لأنه لم يحن الوقت المناسب للإجابة عليها بكلّ التفاصيل، وذلك نظراً للوضع الأمني ومحذوراته الكثيرة، والتي لا تخفى عليكم بالطّبع.



باعتبارك أحد المطاردين السّابقين من النظام، إضافة إلى كونك محكوماً في قضية سياسيّة خطيرة (قضيّة الرّموز)؛ كيف كنتم تتخفّون من النظام وأجهزته الأمنيّة؟ وما هي أهم المحاولات التي تمّت للقبض عليك؟

- خنجر: التّخفي مسألة صعبة للغاية، حيث تُفرضُ عليك العتمةُ المطلقة. لا أحد يجلسُ معك. لا أحد يعرف مكانك. لا تتواصل مع أحدٍ، إلاّ القلّة من الثقات. لا تُمارس حياتك الطبيعيّة، وفي أبسط الأمور. في فترة اختفائي الأولى؛ لم أر ضوء الشّمس لفترة قاربت 3 أشهر. هناك ظروف صعبة كثيرة لا أستطيع البوح بها اليوم لحسياسيتها، وما يُحيط بها من إجراءات أمنيّة شديدة، لكنها تُشكّل قصصاً تُستحق التّأمل، وتُستحق التّدوين من باب نشر التجربة، ومشاركة الآخرين فيها. وهو ما سيأتي اليوم المناسب لسردها.



احتياطات التّخفّي

ما الإحتياطات الأمنية التي اتخذتها للتخفي؟
- خنجر: أولاً وقبل كلّ شيء: السّريّة التّامة، وتقليل الخروج العلني. لم أخرج من مخبئي إلا 4 مرات فقط، طيلة سنتين، وكانت أصعب هذه المرّات؛ هي خروجي من أجل حضور جنازة والدتي – رحمها الله - فقد تلقّيتُ خبر موتها بشكلٍ مفاجئ عبر "تويتر". عندما حضرتُ الجنازة؛ لم أستعد لأيّة احتياطات أمنيّة، وهذه كانت مغامرة من النّاحية الأمنيّة، وقد تكون خطوة "متهوّرة". ولكن، لم يكن لديّ أي خيارٍ غير أن أنظر إلى وجه والدتي التي فارقتها لأكثر من 9 شهور في ذلك الوقت. كانت النّظرة الأخيرة إلى وجهها تُعادل ثمن حُرّيتي. كنتُ أقول لنفسي بأنّ عدم النّظر إلى وجهها للمرّة الأخيرة؛ قد يُصيبني بالحسرة، والشوق الذي لا ينطفيء، وإلى يوم الدين. قرّرتُ الخروج إذن، وخرجتُ إلى وجهها العظيم. تخطّيتُ نقاط التّفتيش. وكانت تلك المرّة الأولى التي أعبرُ فيها نقاط تفتيش بعد دخول قوّات درع الجزيرة. ورغم المخاطر، إلا أنّ الله كان معي، وحفظني. دخلتُ إلى قريتي، قرية عراد (جزيرة المحرّق)، متخفّيّاً (ارتديتُ ثوباً إمارتيّة وغترة بيضاء). وكنت، يومها، قد فقدتُ من وزني أكثر من 15 كيلوجراما، فكنتُ نحيفاً للغاية. اخترتُ طرقاً لا تعبرها السّيارات في أزقّة القرية للوصول إلى المقبرة. بقيت في المقبرة عشر دقائق، على الأغلب، وهتفتُ أمام وجه والدتي: هنيئاً لكِ، فقد غادرتي هذه الدّنيا شريفةً صابرةً"، وقبّلتها القبلة الأخيرة.


هل توقّفت عن العمل الحقوقي والسياسي والثوري خلال فترة التخفي؟ وما الأدوار التي لعبتها؟
خنجر : لقد كنتُ بين خيارين وهما: إمّا التوقّف عن أيّ عمل، والاكتفاء فقط بالاختفاء والعيش تحت رحمة الخوف والترقب، وكأني معتقل، مع وقف التنفيذ. وإمّا أن أعمل، وأواصل نشاطي، مع الحذر الأمني الشّديد، ومتحدّياً كلّ الظروف الصّعبة.
الخيار الأول لا يناسب طبيعتي أبداً، ولا ينسجم مع ضميري، كما أنه لا يناسب مرحلة الثّورة، حيث كنتُ أشاهد العطاء والتضحيات غير المحدودة لشعبنا العظيم، فيعصر قلبي الخجلُ من الله سبحانه وتعالى، والخجل من تلك التّضحيات الجسام، من أن أبقى رهين غرفة مغلقة، يقتصر عملي على الأكل والشّرب والنّوم فقط!
أنْ أبقى مختفّياً، دون أن يكون لي - ولو النّزر اليسير من العمل – هو تساؤلٌ يومي طرحته على نفسي، فوجدته أمراً في غاية الألم، بل مثّل لي عذاباً لا يُطاق. لذلك، قرّرتُ وقبل اختفائي؛ أن أختبيء؛ ولكن من أجل أن أعمل، وأواصل الطريق. لقد كان هذا الخيار من صميم جذوة اختفائي، فكنتُ على تواصل دائم مع المنظّمات والشّخصيات الحقوقية العالمية المحلّيّة والخارجيّة، وكذلك تواصلتُ مع العديد من الصّحف الأجنبيّة والقنوات الفضائية الشهيرة، وطرحت قصتي ممزوجة بالألم والدموع وعذابات السجون والطوامير، وطرحت جزءاً ممّا يعانيه شعبنا جراء قسوة الجلاد الخليفي وانهياره الأخلاقي، فأجريتُ عدّة لقاءات ومقابلات ومداخلات تتعلق بثورة الشعب البحريني المظلوم، كما كنتُ عضواً متطوّعاً فاعلاً في الحراك الحقوقي وإعداد التقارير وجمع المعلومات والصور وتوثيقها وإرسالها للحقوقيين. كنت أسمعُ دويّ الرصاص ومقذوفات مسيلات الدموع، وأشاهد مطاردات قوات المرتزقة للشباب والأطفال. شاهدتُ، أيضاً، هدم المساجد، وجرافات الخليفيين وهي تقتحم القرى. وكلّما شاهدتُ ذلك؛ ازداد إصراري على العمل، وإزداد شوقي للمساهمة في العطاء الشعبي، ومهما كان الثمن، فكنتُ أكتبُ على صفحات التواصل الأجتماعي (تويتر وفيس بوك).



نصائح للنشطاء المطاردين

بماذا تنصحون الشباب الذين يواجهون التّخفي والملاحقة الأمنيّة؟

خنجر: وأودّ الإشارة إلى أنني أطرح هذه الأمور، وفي هذه العجالة، ليس من باب التّفاخر والمباهاة، والعياذ بالله، وإنما لكي أقدّم تجربتي المتواضعة لتكون تجربة مفيدة، فلعلّ بعض بصيصها ينتفع به الثّوّار الذين لازالوا تحت المطاردة ولا زالوا متخفّين. أقول لهم: اعملوا، وتوخّوا الحذر، لا تهنوا ولا تضعفوا، واصلوا مشوار حياتكم رغم ظروفكم الأمنيّة الصّعبة، اجعلوه مشواراً حافلا بالعطاء والعمل، وليس تخفّياً باهتا مسكوناً بالنوم و الأكل ومشاهدة التلفاز، فهذا النمط من التّخفّي لا يصنع منكم شيئاً، ولا يُقدّم لشعبنا أي شيئ نافع.
إنّ اليأس، الفزع، التراجع، الإنكفاء، والصمت من الخوف.. هذه المصطلحات فقط توجد في قاموس الضّعاف المنهزمين، ولكنها تسقطُ، وتتساقطُ عند أولئك الذين قرّروا المواجهة مع الطاغوت، واختاروا طريق ذات الشّوكة بمحض إرادتهم. قرّروا أن يكون حراكهم مختلفاً بطابعه الثّوري، قرّروا أن تكون عذاباتهم وجراحاتهم ثمناً لنصرة شعبٍ عانى الأمّرّين منذ دخول قبيلة العتوب لأرضنا مستبيحةً حرماتها.
والجدير بالذكر، أنّه قد واجهتني صعوباتٌ كثيرة، ومنها شعور الخوف على الشّخص الذي وفّر لي الحماية والدفئ والأخوة الصادقة، لكنه بهرني بتفانيه وعطائه واستعداده للتّضحية. لقد خجلتُ منه كثيرا، ولم يطلب مني قط أن أتوقّف عن العمل بدعوى عدم إثارة حنق جهاز الأمن الوطني الخليفي، ودفعهم للبحث عنّي. فله شكري الذي لا ينقطع.



كيف تمكنت من الخروج من البحرين رغم أنك مطلوب بالغ الخطورة بالنسبة للنظام؟

خنجر: أتحفّظ على الإجابة في هذه الفترة، وأكتفي بقول واحد: التّوكّل على الله ورعايته؛ كانت هي من أحاطتني بالعناية، فشكرا لله أولاً، وشكراً لكلّ منْ وقف معي، وساندني بكلّ السّبل.


الانتقال من الحقوقي إلى العمل السياسي
تاريخ عبد الغني خنجر قبل الاعتقال راسخٌ في المجال الحقوقي، فما هي أسباب انتقالك من المجال الحقوقي إلى العمل السياسي؟ ولماذا اخترت حركة "حق" بالذات؟

- نعم، أنا عملتُ في المجال الحقوقي، ولمدةٍ طويلة جدّاً، ولكن بعد الثورة، وفي أثناء الثورة أيضاً، تبيّن لي أن حقوق الإنسان لدى الدّول الكبرى التي تتحكّم في المنطقة، وفي القانون الدولي؛ ليست إلا شعارات فضفاضة، وتُستغَل من تلك الدّول بشكل انتقائي، وهذا الأمر حفّزني للانتقال إلى المواجة السّياسيّة الحقوقيّة مع العصابة الخليفيّة المجرمة. وهناك جانب أخر أيضاً، وهو ما اعتبره تهميشاً لرموز الثّورة، وإقصاءهم عن المشهد السياسي، بوعي أو بغير وعي، وخصوصاً الأستاذ المجاهد الكبير حسن مشيمع. فقلتُ، إمّا أن أحتفظ بكلّ ما تراكم من عمل حقوقي، وإمّا أن أتخلى عنه، وأشحذ إرادتي في التّصدّي القوي لنشر ظلامة "خط الممانعة"، وكسر حالة تهميش رموزها. فاخترتُ أن أدخل مضماراً آخر، وهو مضمار التّصدّي السّياسي. وتمّ هذا بعد التّشاور مع رموز حركة "حق" في السجون. انتمائي إلى حركة "حق" ليس سرّاً، فأنا أحد المؤسّسين للحركة، وهذا أمر يُشرّفني.


.


رغم القمع.. "حق" مع الحراك الشّعبي منذ تشكيلها؛ أسّست حركة "حق" الحراك الشعبي غير الرسمي، وتعرّضت لحملات شرسة لإعاقة تقدّمها، ولكن، وبعد أن تهيئت الظروف في ظل الثورة، نجد أن الدّور الميداني للحركة قد تراجع كثيرا، فما هو السبب؟

- خنجر: القمع، واستهداف كوادر الحركة بعنفٍ، ودون هوادة من النظام الخليفي وأجهزته الإرهابيّة؛ كان له دور كبير في تقليل تأثير حركة "حق" في المشهد العام، فقادة الحركة إما سجين أو مطارد أو في المنفى. حتى كوادرها وأنصارها من الصّف الثّالث طالتهم آلة القمع والإرهاب، ولم يستثن منهم أحد، وهو ما شكّل وضعاً أمنيّاً صعباّ للحركة. والسبب الآخر هو أن حراك الشعب اليوم هو حراك مختلف، لا تقوده نخبٌ سياسيّة، بقدر ما أنه حراك شعبي، ينطلق من تيار شباب 14 فبراير. هؤلاء الشّباب صنعوا حراكاً لا يمكن تجاوزه، وهذا الحراك تدعمه حركة "حق" منذ اليوم الأول لانطلاقه، كما كان لرموز الثورة المغيّبين في السجون دورٌ كبير في تغذيته ودعمه، وكانت "حق" تؤمن بالشباب، وتؤمن بالحراك الشعبي غير المقيّد بقوانين النظام الجائرة، أو الخاضع لوصاية غير المتصدّين، فكان شعارها "شرعيّة الحقّ لا شرعية القانون"، كما أنها أسّست للحراك الميداني بطرحها مصطلحات ومفاهيم المقاومة المدنيّة والميدانيّة.

يأخذ العديد على التحالف من أجل الجمهورية - ومن بينهم حق - عدم تسويقهم للتحالف بشكل واضح، فهل يوجد خطط مستقبلية لتطوير هذا الجانب؟

خنجر: نعم، بعون الله.

رأیکم