كيف خططت قطر للتفوق على السعودية عبر قناة الجزيرة؟

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۰۹۵
تأريخ النشر:  ۱۵:۵۶  - السَّبْت  ۰۵  ‫أکتوبر‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
من اليسير فهم العلاقات القطرية السعودية بمعزل عن قناة الجزيرة، ومن الأولى القول بان الجزيرة هي التعبير الحقيقي عن صناعة الأزمة القطرية السعودية، فقد سعت عبر برامجها ونشراتها الإخبارية لضرب وخلخلة موقع السعودية في المحيط العربي من جانب ، وإحداث أزمات سياسية للسعودية على المستوى الدولي من جانب أخر.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء قبل ظهور الجزيرة، مثلت الخلافات الحدودية القطرية السعودية مصدر التوتر بين البلدين، خاصة أنها منطقة غنية بالنفط والغاز ويصل طولها إلى 40 كم، وحصل الصدام الفعلي في 21 سبتمبر 1992، حينما تبادل الجانبان إطلاق النار عند نقطة خوفش على بعد 80 كم جنوب شرق الدوحة قتل فيه جنديان قطريان وأسر آخر، إلا أن الإستراتيجية القطرية اعتمدت على التخطيط والمراوغة لاستفزاز السعودية، من خلال تطوير العلاقات مع إيرانوالاتفاق على تزويد قطر بالمياه العذبة الإيرانية ضمن مشروع ضخم بتكلفة 13 مليار دولار (1).كما أن الموقف القطري من إيران والعراق يعتبر من مسببات الخلافات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقد انعكست الخلافات سلبا على المشروعات الاقتصادية المشتركة في المنطقة، خصوصا اتفاقية إنشاء السوق الخليجية، فقد أرادت قطر بأن تكون إيران عضوا في مجلس التعاون الخليجي، ومثلت حرب الخليج عام1991 محطة هامة دفعت دول الخليج لبلورة أمنها القومي الداخلي على حساب الأمن الإقليمي(2)، وهذا ما يفسر لجوء قطر للحصول على الحماية الأمريكية، بل وإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل، مما يعني أن الاعتناء بالشأن القومي الداخلي على حساب الأمن الإقليمي، أدى إلى تفاقم الأزمات الخليجية وتحديدا العلاقات السعودية القطرية، والقطرية البحرينية على سبيل المثال. وفي السياق ذاته، تشير الصحافة السعودية إلى أن سحب السفير السعودي في قطر عام 2002 لم يكن على أثر برنامج في قناة الجزيرة، وإنما عائد لطبيعة علاقة البلدين مع الولايات المتحدة وفتح قطر المكتب التجاري مع إسرائيل، إضافة إلى رفض السعودية الحرب على العراق فيما كانت قطر وقاعدة” العديد” منطلقا للهجوم الأمريكي على العراق (3).وتعبيرا عن التوتر القطري السعودي السياسي، هاجمت الجزيرة المملكة العربية السعودية والأسرة الحاكمة في أكثر من موضع أهمها الأزمة التي أحدثها برنامج الاتجاه المعاكس في 25 حزيران عام 2002 حول السعودية والعلاقة بالقضية الفلسطينية، ليتلوه بعد ثلاثة أسابيع برنامج” أكثر من رأي” والذي حمل عنوان: الموقف الشعبي من الحملات الأمريكية على السعودية”، حيث استضاف البرنامج المعارض السعودي” محسن ألعوجي” الذي وجه انتقادات للأمير” عبد الله "ولي العهد السعودي آنذاك(4)، ورغم خطورة الانتقادات الأمريكية للسعودية وتداول المحللين السياسيين الحديث عن مشروع أمريكي لتقسيم السعودية إلى ثلاثة مناطق، إلا أن الجزيرة ارتضت معالجة الموضوع من جانب مغاير تماما لطبيعة الأزمة، مما يعكس سعي الجزيرة لإشغال جمهورها العربي بالنظر إلى ما تصوره على أنه مهم ، رغم وجود ما هو أخطر وأهم، أي التغطية على العلاقات الأمريكية القطرية الصاعدة و التي تتوجت ببناء قاعدة” العديد” الأمريكية، التي كانت مركز غزو العراق(5).إن تغطيات الجزيرة لتسجيلات أسامة بن لادن وما رافق أحداث الحادي عشر من سبتمبر من ردود فعل وكشف لمعلومات جديدة، وتحديدا برنامج ” سري للغاية” الذي يقدمه يسري فوده، جعل من القناة ظاهرة إعلامية دولية تستوجب التوقف من قبل وسائل الإعلام الغربية، التي عرضت مقتطفات من تغطياتها الخاصة، إلا أن رد فعل الدبلوماسية الأمريكية على هذه التغطيات، كان باتجاه السعودية المصدّر الأول لغالبية المشاركين في تفجيرات 11 سبتمبر، وقد تحولت بسببها النظرة الأمريكية للمملكة العربية السعودية، من حليف وصديق إلى عدو استراتيجي، وتعالت في حينها أصوت اللوبي الصهيوني وأقلام صحفية تدعو” لاحتلال مناطق النفط وتجميد الأرصدة السعودية في الولايات المتحدة”، وقد اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز في 13 تشرين أول 2001، ” أن السعودية تتسامح مع الإرهاب، وأن القمع السياسي يشجع على العادات الهدامة”(6)، إلا أن المستفيد الرئيسي من توتر هذه العلاقات هي قطر على وجه التحديد، وبسببها استطاعت قطر أن تصبح الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة العربية.وقد لخص التقرير السنوي لمركز الخليج للأبحاث عام 2003، علاقة دول الخليج بالولايات المتحدة، من منطلق أن الرأي السائد يعتبر أن العلاقة مع أمريكيا في أحسن أحوالها ممكنة، ما دامت تضغط على إسرائيل للاستجابة لمتطلبات التسوية السلمية في المنطقة، أما بخصوص التطبيع مع إسرائيل، فلا يجب أن يتم إلا حينما تلتزم إسرائيل بالسلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية، إلا أن الموقف القطري يختلف عن ذلك(7)، ومن الممكن القول إن علاقات قطر مع إسرائيل هي من أهم أسباب التوتر مع السعودية. ومن عوامل التوتر الأخرى بين السعودية وقطر، رفض الأخيرة طلبا من الأولى لنشر قواتها على أراضيها، أثناء اجتياح العراق للكويت عام 1991، مما أدى إلى وضع السعودية قيودا على الطريق البحري” كار عبيد” الذي يوصل المركبات بين ابوظبي وقطر وإجبارها على المرور بالأراضي السعودية، وردا على ذلك سعت قطر لمغازلة إيران لإغضاب السعودية(8)، وتؤكد هذه الحادثة أن النزاع السعودي القطري لم يبدأ منذ نشأة الجزيرة، ولكن التفوق القطري على السعودية ابتدأ منذ إطلاق الدوحة قناة الجزيرة، وبفضلها نجحت قطر في معركتها الإعلامية، رغم أن النزاع الحدودي انتهى على الأرض قبل الجزيرة، عبر وساطة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في المدينة المنورة تنازلت فيها السعودية لقطر(9).وبناء على ما سبق أمكن القول، أن تغطية الجزيرة لأخبار السعودية مثلت عملية اصطناع إعلامي، اعتمدت على البحث في التاريخ ومحاولة إحداث ثغرات جديدة لمقاربة الأحداث التاريخية بما يتناسب وما استجد من وقائع، بهدف إيصال رسائل مفادها أن السعودية الدولة العربية الأكبر هي المسؤولة عن الأزمات في المنطقة العربية وتحديدا احتلال فلسطين عبر علاقاتها بالاميريكيين واستضافة قواعدهم العسكرية في مكان إسلامي مقدس، فاستغلال الرمز الديني إستراتيجية من استراتيجيات الجزيرة . وفي الوقت الذي انتقدت فيه الجزيرة العلاقات السعودية الأمريكية، كانت قطر تستقبل القواعد الأمريكية الوافدة من السعودية، فقد رفضت الأخيرة في أكثر من مرة طلبا أمريكيا لضرب العراق من أراضيها، الأمر الذي قاد إلى أزمة بين البلدين(10)، ورغم التحول السياسي والدبلوماسي الكبير في منطقة الشرق الأوسط بسبب توتر العلاقات الأمريكية السعودية، والسعودية القطرية بسبب قبول الأخيرة غزو العراق من قواعدها الجديدة، إلا أن الجزيرة لم تعط اهتماما لنقل القواعد العسكرية الأمريكية من السعودية إلى قطر، ولم تركز أيضا على دور قطر في الحرب على العراق، فيما انصرفت لاصطناع أحداث جديدة للتغطية على ما يجري في قطر، عبر تصدير الأزمة إلى الأردن من خلال حلقة من برنامج” الاتجاه المعاكس” في آب 2002، حملت عنوان” الدور المحتمل للأردن في الحرب على العراق”(11)، وواضح من المثال كيف تصرف الجزيرة انتباه المشاهدين إلى قضايا سطحية مقابل قضايا جوهرية، ولا يمكن من منطلق أي تفسير إعلامي أن لا يذكر الدور الفعلي لدولة قطر في الحرب على العراق، فيما يتم التركيز على دور هامشي لدولة مثل الأردن، ومن هذا المثال أيضا يمكن استحضار القاعدة النظرية وتطابقها مع إستراتيجية الجزيرة من حيث أن ما هو موجود، هو ما يتم الإخبار عنه، وما هو غير موجود في التغطية الإعلامية لا وجود له، والعكس صحيح.قبل الجزيرة كانت السعودية المسيطرة على الفضاء الإعلامي العربي من خلال شبكتي ART, MBC، إلا أن حضور الجزيرة وحجم الاحتدام والعرض العاطفي في خطابها، إضافة إلى تخصصها الإخباري قلل من تأثير القنوات الخاصة السعودية، وبدأ اسم قطر يطفو على السطح مكان السعودية. وبذلك تكون الجزيرة أتاحت المجال لظهور قطر، وفرض نفسها على المشهد الإقليمي، فقد ساعدت في خفض تأثير السعودية وحضورها في القضايا العربية، فيما جعلت من قطر الحليف وصاحب الامتيازات الأمريكية في الخليج(12). ويعتبر فريد هاليدي، أستاذ العلاقات الدولية في كليه لندن للاقتصاد، أن وظيفة الجزيرة الرئيسية إزعاج السعودية، فمثلا في شباط 2007 حصلت الجزيرة على فيديو يظهر شجارا بين طلاب سعوديين داخل جامعتهم، وتعمدت الجزيرة إذاعة الفيديو أكثر من مرة لاستفزاز السعودية(13).وقد منعت الجزيرة من تغطية موسم الحج على مدى ثلاثة أعوام من 2005 إلى2007 بعد احتجاج السعودية على تغطية الجزيرة لموسم الحج عام 2004، ففي تلك التغطية ضخمت الجزيرة من حادث وفاة عدد من الحجاج متهمة السعودية عبر استضافة بعض المتحدثين بعدم بذل ما يكفي لحماية الحجاج. وإضافة إلى ذلك فقد تأزمت العلاقة أكثر خلال بث الجزيرة لشريطين: الأول، تقرير يتناول توقيف أميرة سعودية في الولايات المتحدة بتهمة استعباد جارية إندونيسية(14)، والشريط الثاني تسجيل لمجهول عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، يتبنى فيه المتحدث ويبرر اغتيال الحريري انتقاما لعلاقاته مع السعودية(15)، ومثل هذا الشريط غير المحدد مصدره يبث أكثر من مرة، لكن شريط مسجل للظواهري بتاريخ 4 كانون الثاني 2008 ينتقد فيه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لا يذكر أبدا في قناة الجزيرة العربية، لكن الجزيرة الإنجليزية تورد مقتطفات من الشريط وتستضيف خبير الجماعات الإسلامية ضياء رشوان للتعليق على التسجيل(16)، مثل هذه المفارقات والانتقائية في العرض تؤكد مشروعية التساؤلات الرئيسية: لماذا تركز الجزيرة على حدث دون آخر؟ وما هو معيارها في بث المعلومات بحيث تذيع شريطا غير موثوق المصدر حول اغتيال الحريري، فيما لا تبث الجزيرة شريط الظواهري، حيث اعتادت على ذلك؟إن التقارب القطري السعودي خلال الشهور الأولى من عام 2008 أسكت قناة الجزيرة، وحسب تقرير مطول ورد في صحيفة” نيويورك تايمز”، فإن الصحفيين العاملين في قناة الجزيرة تلقوا أوامرهم بعدم التعرض للشأن السعودي إلا بعد مراجعة إدارة القناة، وحسب التقرير المنشور بتاريخ 6 شباط 2008، فقد رافق رئيس مجلس إدارة الجزيرة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني الوفد القطري في اجتماعه بالملك عبد الله بن عبد العزيز، وكبار المسؤولين من كلا الطرفين(17).ويعتبر التقرير أن موافقة قطر على الطلب السعودي لإسكات الجزيرة، هو لتحقيق مصلحة آنية تتمثل في تقديرات قطر من أن غياب السعودية عن قمة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في قطر في حينه سيؤدي إلى فشلها، إلا أن الجزيرة وبناء على تجارب سابقة لن تستمر طويلا في عدم التعرض للسعودية وقد ينكسر حاجز الصمت بعيد أشهر، والأمثلة كثيرة على ذلك، منها: إغلاق مكتب الجزيرة في عمان عام 98، ورغم التوافق الأردني القطري في حينه وإعادة فتح المكتب إلا أن الجزيرة تعرضت بالنقد للملك والعائلة مما دفع بالحكومة الأردنية لإعادة إغلاق المكتب عام 1999 وكذلك عام 2002 قبيل الحرب على العراق. وفعليا التزمت الجزيرة بعدم التعرض للسعودية ويقع في هذا السياق عدم تغطية الجزيرة لقضية” فتاة القطيف”(18)، رغم التغطية العالمية التي حظيت بها القضية. إن عدم التعرض بالنقد للسعودية بناء على التفاهمات السياسية السابقة الذكر لا يعني تغطية” موضوعية”، ويكفي ملاحظة زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش للسعودية بتاريخ 13 شباط 2008 ضمن جولته في المنطقة العربية، فقد كان واضحا فتور العلاقات السعودية الأمريكية مقارنة بباقي الدول العربية التي زارها، ورغم ذلك لم تخصص الجزيرة برنامجا يتناول التوتر في العلاقات السعودية الأمريكية، واكتفت الجزيرة بفتح نيرانها على أمير البحرين من خلال تكرار عرض صور رقص الأمير مع الرئيس الأمريكي جورج بوش بالسيف. وبناءا على ما سبق، لا بد من التساؤل عن سبب مرافقة رئيس مجلس إدارة الجزيرة للوفد القطري إذا كانت القناة تتمتع باستقلال عن السياسة القطرية؟ ثم لماذا التزمت الجزيرة الصمت منذ شهور ولم تحاول الإساءة للسعودية، رغم توفر ظروف مشابهة ومناسبات قابله للاستغلال إعلاميا، كالملف اللبناني مثلا؟1 – محمد نصر مهنا. قطر: التاريخ، السياسة، التحديث. ص 346.2 – المصدر السابق، ص 326-328.3- مفيد الزيدي.(2003). قناة الجزيرة: كسر المحرمات في الفضاء الإعلامي العربي. ص 65.4- المصدر السابق، ص 58+59.5- تعتبر قاعدة العديد، أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة، تتسع لـ 120 طائرة و 10 الآلاف عسكري، وقبل الحرب على العراق كانت قطر استضافت 35 مقاتلة أمريكية وناقله، في ظل سعي النظام الجديد للحماية بعد انقلاب الأمير الابن حمد على والده خليفة، ووصلت تكلفة بناء القاعدة بليون دولار، للمزيد حول قاعدة العديد ينظر:http://www.globalsecurity.org/military/facility/udeid.htm6- أنظر. ألعفيفي، فتحي.” الديمقراطية والليبرالية في الممارسة السياسية لدولة قطر”.مصدر سابق. ص 63+64.7 – أنظر تقرير مركز الخليج للأبحاث عام 2003، مصدر سابق، ص 226+ 227.8- Da Lage, Oliver.(2005) The politics of Aljazeera or the Diplomacy of Doha. From book: The Aljazeera Phenomenon. Ibid. p. 519- علي، عبد الرحيم ، الإعلام العربي وقضايا الإرهاب. ص 14.10- أنظر. صحيفة الجاردينز البريطانية 27 آذار 2002.11 – الزيدي، مفيد. قناة الجزيرة: كسر المحرمات في الفضاء الإعلامي العربي . ص 73.12 – Da Lage, Oliver. The politics of Aljazeera or the Diplomacy of Doha. Ibid. P 63.13-Electronic version.. halliday, Fred. Al-Jazeera: the matchbox that roaredhttp://www.opendemocracy.net/globalization-vision_reflections/aljazeera_qatar_4466.jsp 14-Gabriel, Judith. "Al Jazeera Remains in the Hot Seat”. Al Jadid, Vol. 7, no. 37 (Fall 2001)http://leb.net/~aljadid/features/AlJazeeraRemainsintheHotSeat.html15- القنيعير، حسناء. قناة الجزيرة والولوغ في الإناء الإعلامي. جريدة الرياض. 27 فبراير 2005 16- أنظر تغطية الجزيرة الانجليزية بتاريخ:4-1-2008 17 – أنظر. صحيفة النيويورك تايمز 6 شباط 2008. 18- تدور هذه القضية حول قرار محكمة سعودية بجلد فتاة تعرضت للاغتصاب 200 جلدة في شهر نوفمبر 2007 بعد أن أصرت على مقاضاة 7 أشخاص متهمين باغتصابها، ورغم الانتقادات الدولية الواسعة إعلاميا وسياسيا، لم تتعرض الجزيرة للموضوع. *استاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، فلسطين المحتلة.
رأیکم