نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتب بانكاج ميشرا، يقول فيه إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أمر في 26 شباط/ فبراير قبل الفجر بشن غارة جوية على جارة الهند النووية، باكستان.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء -ويشير ميشرا في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "كانت هناك سحب كثيفة في ذلك الصباح على الحدود، وادعى مودي في وقت سابق من هذا الشهر، خلال حملته الانتخابية الناجحة الشهر الماضي لإعادة انتخابه، أنه تجاوز المستشارين الذين كانوا قلقين بسبب تلك الغيوم، واعترف أنه جاهل بالعلوم، لكنه يثق بـ(الحكمة قليلة الخبرة)، التي قالت له إن الغيوم ستمنع الرادار الباكستاني من كشف الطائرات".
ويقول الكاتب إن "الهند عانت على مدى خمس سنوات من حكمته الفجة، وكان أكثرها غير مبرر في تشرين الثاني/ أكتوبر 2016، عندما قامت الحكومة بشكل مفاجئ بسحب 90% من العملة الورقية من التداول، فمن تدمير الاقتصاد الهندي إلى المغامرة بحرب ذرية في جنوب آسيا، أثبت زعيم أكبر ديمقراطية في العالم أنه فاقد للأهلية، وخلال حملة هذا الربيع، أبرز أنه يؤمن بالاستعلاء الإثني- الديني (للهندوس)، فكان الخوف والبغض وسيلتيه السياسيتين الرئيسيتين".
ويلفت ميشرا إلى أن "الهند تحت حكم مودي شهدت تفجرا مستمرا للعنف في العالمين الافتراضي والواقعي، فقام مقدمو البرامج المؤيدون لمودي بتصيد (أعداء الوطن)، وقامت مجموعات من الذباب الإلكتروني بإحداث دمار كبير من خلال الإعلام الاجتماعي، وأخذت تهدد النساء بالاغتصاب، وقامت العصابات بقتل المسلمين والهندوس المنبوذين، وقام العنصريون الهندوس بالاستيلاء على المؤسسات واختراقها، من الجيش والقضاء إلى الإعلام والجامعات، في الوقت الذي وجد فيه العلماء والصحفيون المعارضون أنفسهم عرضة للاغتيال والاعتقال التعسفي، ومن خلال دعوات زائفة، مثل القول بأن الهندوس القدماء اخترعوا هندسة الجينات والطائرات، فإن مودي وحزبه الهندوسي القومي يلقون بالبلد كلها في جحيم الغباء، ونشر الحساب الرسمي للجيش الهندي على (تويتر) الشهر الماضي أن الجيش اكتشف بصمات أقدام عملاق الجليد (ييتي)".
ويستدرك الكاتب بأنه "في الانتخابات التي بدأت الشهر الماضي، اختار الناخبون بغالبية ساحقة أن يمددوا للكابوس، ومصادر جاذبية مودي تبدو غامضة عندما تضع في عين الاعتبار أنه فشل تماما في تحقيق ما وعد به في انتخابات 2014: وظائف وأمن قومي، فقد وقف على قمة ارتفاع كبير في البطالة، وتصاعد التشدد في كشمير التي تحكمها الهند، أما هجمته الانتقامية على باكستان، فلم تحقق شيئا سوى تدمير بعض الأشجار في باكستان، ومقتل سبعة مدنيين هنود بنيران صديقة".
ويجد ميشرا أن "مودي استفاد انتخابيا من الدعايات المبهرجة حول توفير المراحيض والحسابات البنكية والقروض الرخيصة والإسكان والكهرباء وجرار الغاز لبعض أفقر الهنود، والتبرعات الكبيرة من أكبر الشركات الهندية سمحت لحزبه بأن ينفق أكثر من أي حزب آخر في حملته لإعادة انتخابه، وصور الإعلام الذي تملكه هذه الشركات مودي على أنه منقذ الهند، وأحزاب المعارضة محقة بأن تقول بأن لجنة الانتخابات، التي كانت في الماضي إحدى المؤسسات الهندية النزيهة القليلة، أصبحت اليوم منحازة حزبيا دون أي خجل".
ويقول الكاتب: "لا يوضح أي من هذه العوامل كيف تمكن مودي من سحر الشعب الهندي، الذي في غالبيته من الشباب، وكتب ليونيل تريلينغ ذات مرة: (من وقت لآخر من الممكن مشاهدة الحياة الأخلاقية في عملية مراجعة لنفسها)، وخلق مودي تلك العملية من خلال إعادة الطريقة التي يرى فيها الهنود أنفسهم وعالمهم، وبخلق جو من الكراهية الشعبية للنخبة التقليدية في المدن".
ويرى ميشرا أن "الهند التي يمزقها النظام الطبقي والطائفي، التي تسيطر فيها بوليوود وسياسة السلالات الحاكمة، يفتقر مجتمعها إلى المساواة بشكل غريب، ويحتوي دستورها، وكثير من الخطاب السياسي، على مفهوم أن الأشخاص متساوون، ويملكون الحق ذاته في فرص التعليم والتوظيف، لكن التجربة اليومية لمعظم الهنود تشهد على انتهاكات فظيعة لهذا المبدأ، وهناك غالبية كبيرة من الهنود مضطرون للعيش بين المثالية الديمقراطية اللامعة والواقع غير الديمقراطي البائس، ويختزنون لفترة طويلة مشاعر الظلم والضعف والدونية والإهانة والضعف والحسد، وهذه ناشئة من الهزائم والإهانات التي عانوا منها على أيدي من هم في مواقع أفضل منهم في نظام طبقي جامد".
ويقول الكاتب: "أنا شاهدت وجربت هذه التوترات القوية في أواخر الثمانينيات عندما كنت طالبا في جامعة محلية، وكنت واحدا من كثيرين هناك يواجهون مهمة شبه مستحيلة، ليس فقط للحفاظ على المستوى التعليمي، بل أيضا انتزاع التحول الثقافي والسيكولوجي إلى شخص واثق يتحدث اللغة الإنجليزية ويسكن في المدينة، وكان أحد أهداف حسدنا وكرهنا وقتها هو راجيف غاندي -والد زعيم المعارضة راهول غاندي- الذي اختاره مودي بخبث ليشن عليه هجوما يفتقد إلى اللباقة، عندما قال عن راجيف إنه كان طيارا ولم يصبح رئيس وزراء إلا لأن جده وأمه كانا في ذلك المنصب من قبله، وقال إنه كان يأخذ عمولات من شركات السلاح السويدية".
ويضيف ميشرا: "لا يبدو أن هناك إمكانية للحوار مع الطبقة الحاكمة في المدينة، الذين كان لديهم استعلاء ويعاملون كالآلهة، وهو ما جعلنا نبقى عالقين في التاريخ. هذا الشعور بالهجر أصبح أكثر إيلاما عندما بدأت الهند منذ بداية التسعينيات تتبنى النظام الرأسمالي، بالإضافة إلى شبه حرية شخصية من أمريكا، وسط انتقال كبير للشعب من القرى إلى المدن، ودخلت الفضائيات والإنترنت فنسجت أحلام الثراء الذي كان غير ممكن سابقا، في وقت يسود فيه عدم المساواة والفساد والمحسوبيات، وبقيت الطبقية الاجتماعية متجذرة كما كانت في أي وقت".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك، فإنه لم يسع أي سياسي لاستغلال هذا الغضب النائم ضد حكام ما بعد الاستعمار، أو توجيه الغضب العارم بسبب الطرق المغلقة أمام الانتقال الاجتماعي، حتى خرج مودي من العار السياسي في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة بخطاباته حول أهمية الجدارة ومهاجمة الامتيازات الوراثية".
ويقول ميشرا: "يشك بأن مودي أدى دورا في المذابح التي واجهها المسلمون في الكجرات عام 2002، من عدم اهتمامه بما حصل إلى المشاركة فيه والإشراف عليه، وبدعم من أكبر الأثرياء في الهند، عاد إلى التيار الرئيسي في السياسة، وخاض الانتخابات في عام 2014، وسحر الناخبين بحديثه عن ماضيه الفقير ومستقبلهم الزاهر، وكان من البداية حريصا على أن يصور نفسه للناخبين على أنه واحد منهم، وأنه عصامي قام بتجاوز العقبات كلها التي ألقاها في طريقه المسلمون المتآمرون، ووعد بأن يحول الهند إلى قوة عالمية".
ويشير الكاتب إلى أنه "منذ عام 2014 يبدو أن مودي أصبح يمتلك قدرات روائية تقريبا لخلق قصص خيالية يتم تحسينها من الذباب الإلكتروني على الإعلام الاجتماعي والصحف والقنوات التلفزيونية المتملقة، وقد تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت على مدى الخمسة أعوام الماضية، مع توفر الهواتف الذكية الرخيصة لأفقر الهنود، وتعرض قطاع عريض من سكان العالم لأخبار كاذبة على (تويتر) و(يوتيوب) و(واتساب)، وفي الواقع فإن من أهم الأخبار التي ساعدت مودي على الفوز في الانتخابات، كان من حسابات كاذبة ادعت أن غارته الجوية على باكستان قضت على مئات الباكستانيين، وأنه أخاف باكستان، وجعلها تسلم الطيار الهندي الذي أسرته".
ويبين ميشرا أنه "انطلاقا من إدراكه لأثر الهواتف الذكية في حياة مئات ملايين الهنود، الذين بالكاد خرجوا من الأمية، إلى عالم الخيال والأساطير، فإنه قام، مثل دونالد ترامب، بالاعتماد على (تويتر)، ويمثل بشكل جيد أمام الكاميرا، بالإضافة إلى أنه يرتدي أزياء غريبة، فبعد عقود من القادة المتعلمين في الغرب، الذين يضبطون مشاعرهم، أتى مودي ليشارك مشاعره على الإعلام الرقمي، سواء من خلال الحديث والدموع في عينيه عن ماضيه الذي تميز بالفقر، أو التفاخر بعلاقته الودية مع أوباما".
ويقول الكاتب إن "مودي قام مثلا الأسبوع الماضي بارتداء زي راهب هندوسي في كهف في موقع حج الهندوس، ما أثار سخرية النخبة المتحدثة باللغة الإنجليزية في الهند، لكن بالنسبة للكثير من الهنود الذين شعروا بأنهم موضع ازدراء وتهميش من المؤسسة المتغربة، ظهر سياسي هندوسي لا يخجل من لهجته الإنجليزية الثقيلة (بصفته حالة فريدة من الهند تثق بنفسها، بانتخاب واحد منها، شخص لم يحظ بمباركة الغرب أبدا)، كما كتب الروائي عاطش تاسير".
ويلفت ميشرا إلى أن "وجود راهول غاندي في المعارضة ساعده، حيث يستطيع الإشارة إليه ليرمز إلى سياسة السلالات الحاكمة التي انتهت، لكن على عكس ما توقع المعلقون الليراليون الجدد في الغرب والهند، فإن مودي أبعد ما يكون عن تحويل حماسة الهنود المهمشين إلى نمو اقتصادي مذهل، إلا أنه فتح باب ما يسميه فريدريك نيتزكي في بحثه (رجال الحقد): (عالم هائج من الانتقام الدفين، لا ينفد، ولا يشبع حين يتفجر)".
ويرى الكاتب أن "المهمة التي اضطلع بها مودي في الهند هي شبيهة بتلك التي اضطلع بها الكثير من الديماغوجيين اليمينيين المتطرفين، وهي تحريك مشاعر الشعب الغاضب بجعل الأقليات واللاجئين واليساريين والليبراليين كبش فداء، وفي الوقت ذاته يسرعون من أشكال الرأسمالية المستغلة، وقد يكون فشل في خلق فرص عمل، لكنه علمهم كراهيته للنخبة المتحدثة بالإنجليزية. وبدلا من تحريرهم من الظلم حرر فيهم أكثر المشاعر ظلامية، فأعطى مؤيديه ترخيصا لكراهية الباكستانيين والهنود المسلمين، بالإضافة إلى الهنود غير الوطنيين".
ويقول ميشرا: "لم يلخص أحد الهند التي صنعها مودي بدقة مثل ما أظهرتها المظاهرات التي قادتها النساء العام الماضي، والتبريرات التي قدمها السياسيون ومسؤولو الشرطة والمحامون في تأييد 8 رجال هندوس متهمين باغتصاب وقتل طفلة مسلمة عمرها 8 سنوات".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "من خلال شغله الناخبين برغبة الانتقام وأحلام السلطة والسيطرة، فإن مودي تهرب ببراعة من التدقيق في سجل حكمته الفجة، وهو سجل كان سيدمر أي سياسي آخر".
انتهی/