ما كان متوقعا، بدأت ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب مبكرا سياسة التحريض على ايران، فلم تمر سوى ايام على قرار منع المواطنين الايرانيين من السفر الى امريكا، حتى رفعت هذه الادارة من منسوب التحريض، بدعوتها مجلس الأمن الدولي الى عقد جلسة طارئة، بطلب من داني دانون مندوب “اسرائيل” في الامم المتحدة، بحجة “اختبار” ايران صاروخاً بالستياً متوسط المدى و”انتهاكها” بذلك القرار 2231.
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- من الواضح ان ادارة ترامب ليست بحاجة لمندوب "اسرائيل” في الامم المتحدة ليحرضها على ايران، فهناك من هم اكثر "اسرائيلية” من مندوب "اسرائيل” في ادارة ترامب، وهؤلاء لا يخفون ثلاثة اشياء، الاول تعصبهم لـ”اسرائيل" ، والثاني حقدهم على ايران، والثالث طمعهم بثروات العرب.
ذريعة "الصاروخ الباليستي الايراني” ، لم تكن مقنعة لتبرير شن حرب نفسية جديدة ضد ايران، فهذه الذريعة لا تقل تفاهة من الذريعة التي تمسكت بها ادارة ترمب لمنع سفر المواطنين الايرانيين الى امريكا، وهي ذريعة تهديد امن المجتمع الامريكي، فالذريعتان تتناقضان بالمرة مع الواقع الذي بات معروفا للجميع، فلا الصواريخ البالستية الايرانية قابلة لحمل رؤوس نووية حتى تكون سببا لانتهاك القرار 2231 ، كما لم يحدث ولا مرة واحدة في تاريخ امريكا ولا اوروبا، ان قام مواطن ايراني بتفجير نفسه او قتله مواطنين عزل، كما فعل مواطنو دول تدور حكوماتها في الفلك الامريكي.
المسؤولون الايرانيون حذروا ادارة ترامب من استخدام البرنامج الصاروخي الايراني، الذي يعتبر حقا ذاتيا لايران للدفاع عن امنها ومصالحها الوطنية، ولا يتعارض مع القوانين الدولية، كذريعة لممارسة الضغوط على ايران، وتأزيم الاوضاع في المنطقة، واشعال المزيد من الفتن فيها، بهدف بيع الاسلحة ونهب ثروات شعوب المنطقة.
يبدو ان صفة "اثارة الازمات” بهدف الاصطياد في الماء العكر، اصبحت صفة ملازمة لادارة ترامب رغم حداثتها، فقد اعتبرت روسيا وعلى لسان نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف، دعوة امريكا لاجتماع استثنائي لمجلس الأمن الدولي، "محاولة لإثارة الموقف حول البرنامج النووي الإيراني، واستخدام ذلك لأهداف سياسية” ، مُذكّرا الجميع "ان القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي لا يتضمن أي بند يمنع إيران من القيام بمثل هذه الأنشطة”.
ليست روسيا فقط، بل جميع دول العالم باستثناء امريكا و الكيان "الاسرائيلي” ، لا ترى في تجارب ايران الصاروخية انتهاكا لقرار الأمم المتحدة المتعلق بالبرنامج النووي الايراني، ما دامت لا تُستخدم فيها تقنية حمل رؤوس نووية، وهذه الحقيقة تعرفها ادارة ترامب و”اسرائيل” جيدا.
من سوء حظ ترامب ان جميع تقارير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية يوكيا امانو، الصادرة بعد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، في 15 تموز / يوليو 2015 ، اكدت على التزام ايران الدقيق ببنود الاتفاق النووي، الامر الذي سد جميع المنافذ امام ادارة ترامب لممارسة الضغوط على ايران، لذا لم تجد هذه الادارة سوى البرنامج الصاروخي الايراني، ذريعة من اجل بدء جولة جديدة من الحرب النفسية ضد ايران.
امريكا التي تنفق مئات المليارات من الدولارات على الترسانتين النووية والصاروخية لـ”اسرائيل” ، وتزودها باحدث ما انتجته مصانعها العسكرية من الاسلحة كطائرات اف 35 ، و تعقد الصفقات بمئات المليارات من الدولارات، مع دول المنطقة، تحت ذريعة مواجهة ايران، في المقابل تستخدم كل نفوذها في الامم المتحدة والمحافل الدولية ضد ايران لمجرد انها قامت بتعزيز قدراتها الردعية.
الملفت ان ايران التي تتهمها امريكا بتهديد امن المنطقة، لم يسجل لها التاريخ على مدى القرون الثلاثة الماضية، انها اعتدت على جار من جيرانها، بينما تعرضت هي لعدوان ظالم شنه النظام الصدامي البائد بتحريض ودعم من امريكا و”اسرائيل” والدول العربية الرجعية، استمر ثماني سنوات، انتهت بفشل المؤمرة التي كانت تستهدف اعادة ايران الى النفوذ الامريكي.
الجميع كان يتوقع ان تنتقم ايران من الدول التي مولت الحرب الصدامية ضدها على مدى ثماني سنوات، الا ان ايران عضت على جراحها، وعفت عما سلف من تواطؤ جيرانها مع النظام الصدامي ضدها، وفتحت صفحة جديدة معهم، لتسد بذلك المنافذ التي تتسلل منها امريكا الى المنطقة لتعكير صفو امنها واستقرارها لمصلحة "اسرائيل” .
في المقابل نرى بعض الانظمة التي تزعم انها مهددة من قبل ايران وتطالب دوما بالحماية الامريكية وبالسلاح الامريكي، لم تترك بلدا من بلدان المنطقة الا واثارت فيه الفتن، وازهقت فيه الارواح، واراقت فيه الدماء، فهذه غزة ولبنان واليمن والعراق وسوريا وليبيا و.. ، تحولت الى ساحات تصول وتجول فيها تلك الانظمة، وتثير فيها الفوضى والدمار، بدعم امريكي واضح.
الحرب النفسية التي بدات بوادرها تلوح في الافق مع دخول ترامب الى البيت الابيض، وان كانت تستهدف ايران لثنيها عن مواقفها المبدئية من القضية الفلسطينية، ومن الهيمنة الامريكية، والغطرسة "الاسرائيلية” ، وهمجية الجماعات التكفيرية، الا انها تستهدف ايضا خزائن الدول الغنية في المنطقة، وثرواتها النفطية، وهو ما كشف عنه ترامب علنا، عندما تحدث عن حق امريكا بنفط المنطقة، وضرورة ان تدفع الدول الغنية "اتعاب الحماية” التي توفرها امريكا لها، امام "خطر” لا وجود له في الواقع، انها عملية نصب واحتيال يقوم بها "سمسار العقارات” ترامب، فهو يبيع "الخوف الوهمي” من ايران على بعض الدول المنطقة لافراغ خزائنها.
ماجد حاتمي / شفقنا