مظلومة وحائرة شعوبنا العربية! كانت شعبا واحدا بآمالها وآلامها قبل أن حوّلها حكّامها إلى شعوب تعيش في دويلات ضعيفة عاجزة عن حماية نفسها، وفاشلة في إدارة شؤونها، وظالمة ومضطهدة لشعوبها، وطاردة للعقل وجاذبة للجهل، ومجدّدة في قوانينها واجراءاتها.. العنصريّة.. المفرّقة بين أبناء الشعب الواحد، والمثيرة للبغضاء والأحقاد بين أهل نفس البيت والدين والوطن!
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- لقد أحاط حكّامنا شعوبهم بأسوار من الجهل والفقر والعنصريّة، وحرموهم من أبسط حقوقهم، وبدّدوا ثرواتهم، ومزّقوا نسيجهم الأجتماعي المتشابه، وحاولوا قتل إحساسهم الجمعي الوحدوي بسنّ قوانين تفريقيّة هدفها حماية الحاكم وخداع المحكوم وتضليله. المواطن العربي أصيل في وفائه لوطنه وأهله، ويعرف جيّدا أن بثّ العنصريّة والكراهية بين مكوّناته مقصود ودخيل عليه وعلى ثقافته وأخلاقه، لكنه الآن مغلول اليدين، ومسلوب الحرية، ومصادر الإرادة، وعاجز عن مقاومة هذا العبث المفروض عليه .
قبل ستّين سنة، كنا نحلم ونأمل أن نكون أمّة عربيّة واحدة. كان جمال عبد الناصر رحمه الله يمثّل أملنا في وحدة كنّا نؤمن بحتميّة تحقيقها، وكانت إذاعة صوت العرب تثيرعواطفنا العروبيّة القوميّة الوحدويّة، وقضيّة فلسطين قضيّة الأمّة، وحدودنا مفتوحة لكل عربي، ونحلم ونفرح ونحزن معا. كل هذا أضاعه حكّامنا من أجل كرسي الحكم… ومشيخة القبيلة…، وأوصلونا إلى هذا الوضع المأساوي .
دولنا العربية… جميعها وخاصة النفطية منها… عنصريّة بامتياز. كل دولة تشجّع التفرقة بين مواطنيها، ومنقسمة جهويّا وقبليّا، وكل قبيلة تدّعي بأنها أفضل وأعلى منزلة من القبائل الأخرى، والمواطن الذي لا ينتمي إلى قبيلة لا قيمة له، وحتى لا يحق له أن يتزوج من فتاة قبلية في دول معيّنة لأنه يعتبر دونيّ المستوى، والعربي ممنوع من دخول أي دولة خليجيّة للعمل، أو حتي للزيارة إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول ومعاناة قد تستمر أسابيعا أو شهورا للحصول عليها.
في دول الخليج (الفارسي) لا يسمح للعربي بالعمل إلا بكفيل يتحكّم به ويستعبده، ورواتب المواطنين فيها على الأقل ضعف رواتب المتعاقدين. أنا أعرف أنه حتى رواتب أساتذة الجامعات والمدارس والأطباء والمهندسين الشهرية لا تساوي نصف مرتبات زملائهم من المواطنين العاملين معهم في نفس المهنة. في معظم الجامعات الخليجيّة، لا يحق لأستاذ الجامعة المتعاقد شغل مراكز إدارية كرئاسة القسم الذي يعمل فيه أو عمادة الكليّة، ولا يحق له المشاركة في المؤتمرات العلميّة التي تعقد في الخارج، وفوق هذا كله فإن جواز سفره يبقى محجوزا في قسم الجوازات في الجامعة للتحكم به وبحركته، ولا يسمح لأولاده وبناته مواصلة تعليمهم في جامعات البلد التي يعمل فيها .
الموظّفون العرب مهما كانت مراكزهم ومستويات تعليمهم، ومهما طالت خدمتهم للقطاع الخاص أو العام لا تقاعد لهم، ولا ضمان إجتماعي، ولا يسمح لأولادهم بالدخول في المدارس والجامعات الحكومية المجانية، ويحرمون من العلاج المجاني ويدفعون ثمن علاجهم هم وأسرهم. في دولة خليجية المواطنون يعالجون في المستشفيات في الصباح والمتعاقدون في المساء، وهناك طريقتين لصرف الأدوية: مجانية للمواطنين، ومدفوعة الثمن للعرب أو.. الأجانب.. كما يسموّنهم .
هذه الدول تزيد رسوم الدخول، والخروج، والإقامة، والزيارة، والعمرة، والحج على العرب والمسلمين الفقراء وتعفي مواطنيها منها. المتعاقد العربي لا يصبح مواطنا فيها أبدا، ولا يسمح له بالإقامة الدائمة مهما طالت المدة التي يقضيها في خدمة الدولة. أولاده الذين يولدون فيها لا يمنحون الجنسيّة، وليست لهم أي حقوق، ولا يحصلون على أي إمتيازات بعكس ما تفعله دول العالم. حتى في حوادث السيارات والمحاكم الحق غالبا ما يكون على المتعاقد، وفي بعض الدول لا يحق للمتعاقد الحصول على إجازة قيادة سيارة إلا بشروط تختلف تماما عن الشروط التي يخضع لها المواطن.
في دول خليجيّة معيّنة تمارس بعض وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة الإنتقادات الغير منصفة، وأحيانا الشتائم والإتّهامات الكاذبة بأسلوب بذيء ضدّ عرب بنوا تلك البلدان التي تشتمهم، وعلّموا أبناءها، وعالجوا شعوبها، وخطّطوا شوارعها، وأداروا شركاتها، ودرّبوا جيوشها، وحتى كانوا سفراءها ودبلوماسييها في دول العالم لفترة طويلة بعد استقلالها.
إنّنا نملأ الدنيا صراخا عن الأخوّة العربيّة ونحن أول من يكفر بها، وندعوا إلى التعاون ونضع العقبات التي تبقيه شعارات كاذبة، ونتكلم عن مصير مشترك لا نؤمن به، ونكذب عن وطن واحد أقمنا فيه لكل قبيلة دولة نقول عنها مستقلّة.
أما دينيا فإن مشايخنا فصّلوا منه أثوابا برّاقة لتجميل صور حكّامنا الطغاة، والدفاع عنهم في كل مناسبة، والدعاء لهم بطول العمر والتوفيق في… قهرنا… من أقدس أماكننا ومنابر مساجدنا. إنهم جاهزون دوما لإصدار أي فتوى مخالفة لشرع الله يريدها سلطانهم لدعم حكمه والبطش بنا وخداعنا. انهم يهاجمون ويقصون ويكفّرون من لا يتّفق معهم في تزويرهم للحقائق ويعارض إستبداد "ولي أمرهم"، ويسخّرون ديننا في إثارة النعرات الدينية والطائفية، وتبرير.. وأسلمة.. الحروب الظالمة الدائرة في أوطاننا.
حكّامنا مجرمون بحق شعوبهم، ورجال ديننا، ومفكّرونا من كتبة السلطان يفلسفون الظلم والتفرقة والعنصريّة، ويدعمون القبليّة والاقليميّة والطائفيّة، وشعوبنا ضائعة. التفرقة العنصرية سيدة الموقف في أوطاننا ونمارسها على نطاق واسع، ونتّهم دول العالم بأنها عنصريّة ضدّنا ظلما وبهتانا… نحن عنصريون ضد بعضنا بعضا، وضد العالم، ولا يحق لنا أن ننتقد غيرنا… ونتهمه بعنصريّة نحن أساتذة في فلسفتها وتطبيقها!
* د. كاظم ناصر – بانوراما الشرق الاوسط