هل يدرك النظام البحريني دقة المرحلة ؟ - محمد البحراني

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۲۵۲
تأريخ النشر:  ۰۸:۲۲  - الجُمُعَة  ۲۲  ‫مارس‬  ۲۰۱۳ 
أحداث جسام تتحدث عن نفسها، على مستوى الديكتاتورية وخنق الحريات، تبدأ من أول مسافة لصيقة بجسد إنسان او فيزياء صوت يترجم شيئا من الرأي.
يجهر به الجهاز الصوتي الممنوح للانسان من قبل الباري عزّ وجلّ، فهاتيك منائر الاسلام قد حُطّمت، وتلك حُرم المسلمين قد انتهكت، وأولئك شباب مؤمنون قد وُسّدوا الثرى، وآخرون منهم قد هُجّروا قسرا عن الأوطان، ناهيك عن محاولة الاستهانة اليومية بكرامات الناس ومقدراتهم.

انه تاريخ حافل منذ وَطِئَتْ أرجل آل خليفة البحرين، وهم يعيثون فساداً في الارض، يتسلطون على أملاك الناس ويسخّرون أهل هذه الأرض للعمل بين أيديهم، ويستحوذون على أرزاقهم، ويغيّبون رجالاتهم بين القتل الواضح ومن أُخذ غيلة في ليلة ظلماء، مثل الشيخ حسين آل عصفور مرجع البحرين الذي يعد علامة فارقة من علامات التجديد على مستوى الفقه الاسلامي، والشيخ عبد الله العرب، ومجاهدين غيرهم يملأون الصفحات بالفخر والاعتزاز على المستوى العلمي والجهادي.

فكأن ديدنهم لم يتغير، فكان من أمر أحد هؤلاء الحكام، أن يتفوه ذات مرة بعبارة مقيتة، تحط من كرامات الناس فيقول أريد أن أضعهم في (أخياش) وأرمي بهم خارج البحرين! هذه الرؤية نابعة من الاحساس بأن الآخر ليس أهلا للعيش فضلا عن المشاركة بالحكم، وأن عليه ان يسمع ويطيع ويعمل كما يؤمر، وإلا مسته نار الديكتاتور، غير أن هذا الشعب الذي أفرز شخصيات عديدة كان لها دور بارز، في الوقوف في وجه هذا الصلف لن يستطيع آل خليفة ولا مَن وراءهم أن ينالوا من عزته.

لقد طرد الشيخ خلف آل عصفور، المستشار البريطاني (بلكريف) وقال له لا تطأ برجلك بساط جعفر بن محمد الصادق(ع) ونهاه أن يدخل مجلسه، ولقد وقف عبد الرحمن النعيمي في مجلس الملك الحالي، في وجه رمزي الشاعر مهندس الميثاق المنحة وقال له "احترم نفسك، الشعب البحريني لا يسأل عن لقمة العيش او اللبس او المسكن فقط، وإنما يسأل عن كرامته، يسأل عن حريته". وكانت كلمة حرة سجلها التاريخ لهذا المناضل الشريف، أمام ذاك المتملق الذي أسهم في التنظير على ظلم الشعب البحريني.

وقبل أيام حاول وزير العدل الحالي خالد بن علي آل خليفة، ان ينال من كرامة رمز من رموز الشعب، وهو النائب السابق عبدالنبي سلمان, قائلا له "استح على وجهك". فقال له النائب الاستاذ عبد النبي سلمان "انت استح على وجهك". حقا انها كانت عزة وكرامة من الاستاذ سلمان أمام هذا الصلف الخليفي، وهي ملأت وجدان الشعب البحريني عزة وكرامة من جديد.

لكن الواقع المرير يعكس مفهوما واضحا، هو أن آل خليفة ما زالوا ينظرون إلى الشعب البحريني على أنهم شيء من القطيع في حظيرتهم! وأن عليهم ان يسمعوا ويطيعوا ويقرر لهم آل خليفة ما يريدون. والحق ان هذه ما زالت محركهم الاساس في التعاطي مع الشعب البحريني، وعلى مقتضى هذا التصور ينتجون مواقفهم وقراراتهم، المعروفة كذبا بالاصلاحية.

والحال ان الشعب البحريني اليوم لا يستطيع في الحقيقة، مع حاكم ينظر اليه بدونية وينتقص من انسانيته، ولا يعترف بوجوده انسانا فضلا عن كونه مواطنا، وأعتقد انه كلما أمعن النظام في هذا التصور، وأنتج سيناريوهاته في هذا الاتجاه، تلاشت فكرة التعايش بينه وبين هذا الشعب الأبي، وزاد عند الشعب من التصور الاخر الذي يتنامى ويكبر من اجل اسقاط النظام برمته لأن الشعب وقياداته يظهر لهم يوماً بعد يوم أن النظام ليس جادا في ما يطلق من وعود، وبحكم الخبرة المعهودة لدى الشعب البحريني في التعاطي مع النظام وتاريخ هذا النظام، يصبح الشعب البحريني ـ اليوم ـ اكثر تأكداً من أن النظام يحاول ان يخفف من وهج الثورة، ولا يهمه ايجاد حل وهو يعوّل على اطالة أمد الازمة لإرهاق الشعب وبعد ذلك يقدم له اشياء جوفاء لا طائل من ورائها.


في ظل هذا الوضع المحموم في المنطقة، لن تكون البحرين بعيدة عن مناخ التجاذب الاقليمي والدولي، والارهاصات التي هزت الشرق الاوسط لن يكون نظام آل خليفة بعيدا عنها، بل ان النظام الخليجي لن يكون بعيداً عنها. ان السيطرة على الشارع من خلال المظاهر التي تحدثنا عنها لن تكون ممكنة في ظل انفلات الوضع الاقليمي والدولي، وسيكون هامش المعارضة البحرينية اكثر اتساعا وأكثر قدرة على المناورة.

وحين يصل الشعب البحريني الى تلك المرحلة، لن يعود لا الى الملكية الدستورية ولا حتى الديموقراطية التوافقية، انما سيكون اكثر الحاحا على اسقاط هذا النظام. صحيح ان الأمر مكلف ومجهد ولكن آخر الدواء الكي، من هنا يجب أن يكون النظام واعيا للمرحلة اليوم أكثر من أي يوم مضى، وبإمكان النظام أن يتحرك سريعاً ليس بالضرب بيد من حديد كما تعوّد أن يقول، ولكن بأن يفهم بأنه ليس اللاعب الوحيد في الساحة، وأن امريكا اليوم ليست اللاعبة الوحيدة على الساحة. لقد انتهى زمن القطب الواحد الذي امتد لنحو عقدين، كما ان الزمن الذي كانت فيه توزيعات النفوذ معزولة قد ولى، فأمريكا تلعب في مناطق نفوذ الروس، والروس كذلك، وغيرهما كذلك... وهكذا.

على النظام اليوم أن يقدم شيئا ملموسا يفضي الى تفاهم معين تحرز فيه المعارضة البحرينية بعض النفوذ في الحكم كي تحمي الشعب البحريني من لعنة التجنيس وانتهاكات حقوق الانسان. لن يكون في مقدور المعارضة البحرينية بعد اليوم أن تقبل بدور أقل من الحد من عبث أجهزة الأمن البحريني العابث بكرامات الناس والمتسلط عليهم، ولن يكون بمقدور المعارضة بعد اليوم أن ترضى بأقل من صيانة الأمن القومي للشعب البحريني، من خلال مراقبة التجنيس والحد من خطره.
رأیکم