آل سعود و "الربيع": صراع نفوذ؟-سمية علي

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۰۱۹
تأريخ النشر:  ۱۶:۳۱  - الجُمُعَة  ۱۰  ‫مایو‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
منذ البداية لم ترقَ تسمية "الربيع العربي" للمملكة العربية السعودية. لم ترَ المملكة في الحراك الحاصل في المنطقة أمراً ايجابياً، خصوصاً أنها تتقاطع مع أنظمة سقطت لجهة آلية الحكم، وبالتالي فإن القيمين عليها أدركوا جيداً أنهم ليسوا بمنأى عن رياح التغيير. مما لا شك فيه أن ذلك دفع السلطات السعودية إلى المسارعة لاتخاذ رزمة من الإجراءات الوقائية "كصرف حوالي 90 مليون دولار على شكل تقديمات للمواطنين، والعمل على توثيق العلاقة أكثر مع الولايات المتحدة, وتقديم المزيد من التنازلات على صعيد النفط، إضافة الى زيادة تمويل الوجود العسكري الأميركي في الخليج، وممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية للقيام بردود فعل محدودة لجهة التوسع الإستيطاني"، حسبما يقول الكاتب والسياسي اللبناني سعدالله مزرعاني لموقع المنار، لكن تلك الإجراءات بدت هزيلة خصوصاً في ظل تصاعد نفوذ الإخوان المسلمين عقب استلامهم السلطة في أكثر من بلد عربي وظهورهم كتنظيم إسلامي مؤثر، مما دفع الرياض إلى تصنيفهم كخطر داهم يهدد عرش آل سعود ونفوذهم في المنطقة.

لكن صراع المملكة مع تنظيم الإخوان أوقع الأخير "في شباك الصراع العلني والخفي بين الدوحة والرياض، في ظل الدعم الكبير الذي تقدمه الدوحة للإخوان على الصعيدين المالي والإعلامي"، كما يؤكد المحلل السياسي ناهض حتر لموقعنا، مما أعطى الصراع بعداً أكبر و"أضفى نوعاً من الإرباك على السياسة السعودية في المنطقة"، بحسب حتر.

المملكة تخشى "ديمقراطية الإخوان"؟

يرى الإخوان المسلمون أن الأنظمة العربية التي لم يطرق بابها الحراك الشعبي حتى الآن، كالسعودية وبقية دول الخليج، "تشكل امتداداً للفترة الإستعمارية، وشرعيتها مستمدة من علاقتها مع الخارج , وليست مستمدة من شعوبها. لأجل ذلك هي تخشى الحركة الشعبية والحراك الشعبي, وتخشى أن يتجسد هذا الحراك بأي مجموعة يمكن أن تجسد الإرادة الشعبية"، كما يصرّح عضو شورى جبهة العمل الإسلامي (تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن) علي أبو السكر في حديث لموقع المنار. ويوضح أبو السكر أنه "لأجل هذا فإن الحرب موجهة بصورة شرسة تجاه الإسلاميين وبأساليب غير أخلاقية لضرب هذه الحركة"، في إشارة إلى اعتقال مجموعة من الأشخاص في الإمارات بتهمة الإنتماء للإخوان ومحاكمتهم.

لا يفصح أبو السكر بوضوح عن وجود تنظيم للإخوان داخل المملكة يعمل على إحداث حراك ما ضد النظام ، لكنه يقرّ أنه "لا شك أن في السعودية تجمعات إسلامية من أجل إحداث حراك، بمسميات مختلفة لأن الشعوب في هذه المنطقة تشعر بنوع من القهر وانتقاص من كرامتها، وشراء سكوتها من خلال المال، أما الفئة الواعية منها فتتحرك بأشكال مختلفة". انطلاقاً من ذلك ، يعلن أبو السكر أنهم كإخوان يقدمون نموذجاً نقيضاً للنموذج السعودي لجهة "انحيازهم الكامل للشعوب".

كما يرفض أبو السكر تأكيد ما يُحكى عن تخطيط الإخوان لقلب النظام في السعودية، مستنداً إلى ذلك بقوله إنه "لا يعتقد أن السعودية تقبل بوجود هذا التنظيم داخل المملكة"، لكن في مقابل ذلك يؤكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية بجدة أنور عشقي أن "أول من رحب بتنظيم الإخوان المسلمين هو الملك عبدالله بن عبد العزيز، فعندما طلب منه الإمام حسن البنا أن يفتح مراكز للإخوان في المملكة، استجاب الملك لطلب الإخوان". لكن من جهة أخرى يلفت عشقي، في اتصال مع الموقع، إلى أن ولاء أي تنظيم "يجب أن يكون للدولة وليس أن يكون الولاء لغير هذه الدولة، أي أن السعوديين الذين يعيشون في الإمارات على سبيل المثال يجب أن يكون ولاءهم للإمارات"، وذلك في إطار الدفاع عن الإجراءات التي اتخذتها الإمارات ضد الإخوان وعن أي اجراءات مماثلة قد تتخذها المملكة. ويرى عشقي أن خلاف المملكة مع الإخوان يقتصر على "الإستئثار بالسلطة وعدم إجراء حوار مع الأطراف الأخرى".

  واشنطن و"الربيع" يعيدان خلط التحالفات.. من يأخذ زمام المبادرة في المنطقة؟

بعيداً عن هذه المقاربة التي تلخص حذر المملكة من تصاعد النفوذ الإخواني بتقديم الأخير نموذجا إسلاميا "ديمقراطيا" قد ينافس النموذج الملكي الذي يمثله آل سعود، يتحدث مراقبون عن أسباب أخرى أكثر عمقاً وحساسية. يذكر هؤلاء أن في كواليس الصراع السعودي-الإخواني حليف مشترك لكلا الطرفين يتمثل بالولايات المتحدة الأميركية ، وبيت القصيد يكمن في أن المملكة قد لمست أن صعود الإخوان قد تمّ بتشجيع أميركي عبر صفقات سياسية، وهذا من شأنه النيل من دور المملكة التقليدي لجهة احتكار الصداقة مع واشنطن، واحتلال الصدارة في مخططاتها.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن تقارير أميركية سرية أعقبت أحداث 11 أيلول/سبتمبر، تحدثت عن البيئة الرسمية السعودية كمصدر منتج وحاضن للتطرف، ما يفسر قيام واشنطن بدفع قطر إلى دعم التيارات الإسلامية "المعتدلة" في الحكم ، وفي ذلك مكسب قطري في إطار صراع النفوذ بينها وبين الرياض.

في سياق متصل، فإن ما يُسمى الربيع العربي "قد شكل ضربة قوية لتحالف كانت المملكة رأس حربة فيه إلى جانب مصر ومجمل البلدان العربية باستثناء سورية والجزائر وليبيا، لينشأ حلف جديد بمشاركة تركيا ومصر الإخوانية وقطر، ويأخذ زمام المبادرة في العديد من ملفات المنطقة كالملف السوري والملف النووي الإيراني والملف الفلسطيني"، بحسب الكاتب والسياسي اللبناني سعدالله مزرعاني، وهذا ما يُفسر الوساطة التي لعبتها مصر مؤخراً بين الحكومة الفلسطينية في غزة والحكومة الإسرائيلية.

الورقة السلفية.. وأوراق أخرى

في ظل التمدد الإخواني، وجدت السعودية في زيادة الدعم الموجه للجماعات السلفية الموجودة في مصر أو غيرها وسيلةً لمواجهة التيار الإخواني المدعوم من الدوحة، كما يؤكد مزرعاني. ويدعم قول الأخير ما يتمّ تداوله عن قيام الأجهزة السعودية المتنوعة بعملية فرز بين المجموعات السلفية والإسلاميين، خصوصاً في مصرعلى سبيل المثال، حيث يحاول حزب "النور" السلفي تمييز نفسه عن الإخوان والإنتقال للعب دور الوساطة بين السلطة والمعارضة، متبنياً بعض مطالب جبهة الإنقاذ كوسيلة للضغط على الإخوان.

وفي موازاة ذلك، يوضح رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية والإستراتيجية في مركز الأهرام محمد سعيد ادريس لموقع المنار، أن المملكة "تحارب الإخوان في مصر من خلال عدم تقديم مبادرة باتجاه تقديم معونات اقتصادية لمصر، خصوصاً أن العامل الإقتصادي في مصر هو سبب عدم الإستقرار في هذا البلد"، مضيفاً أن المملكة تستخدم الإعلام ايضاً "لإبراز فشل تجربة حكم الإخوان المسلمين"، من خلال قيام الوسائل الإعلامية المدعومة من المملكة على اختلافها "بدعم المعارضة المصرية بكل أطيافها".

ويضيف المحلل السياسي ناهض حتر على ذلك قيام المملكة باستغلال العداء بين النظام في الأردن والإخوان المسلمين "والدخول على خط الأزمة المالية التي تعاني منها عمان، بتوجيه الدعم المالي للمملكة الهاشمية وبالتالي تمكين ركائز النظام". أما على صعيد الأزمة السورية، فيشير حتر إلى أن المملكة تعاني نوعاً من الإرباك على صعيد هذا الملف "فهي تتقاطع مع الإخوان وقطر لجهة إسقاط النظام هناك، لكنها في الوقت عينه تستخدم الحدود الأردنية لدعم وتدريب جماعات سلفية ودفعها للقتال في سورية، مفضلة بذلك عدم دعم مسلحين تابعين للإخوان".

 والجدير ذكره أن مقابل هذا كله فإن المملكة تعاني عدداً من المشاكل الداخلية على  صعيد الحراك الدائر في المنطقة الشرقية، حيث يطالب المواطنون هناك بعدد من الإصلاحات، الأمر الذي نفاه رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات بجدة أنور عشقي، إضافة إلى ترهّل الحكام بسبب التقدم في السن، وبسبب احتكار السلطة والثروة ومعهما النفوذ والإمتيازات.

أفق الصراع

بالرغم من الخطر الداهم الذي يشكله النفوذ الإخواني في المنطقة بالنسبة للرياض، فإن الأخيرة لا تنظر للإخوان على أنهم الخطر الوحيد، بحسب حتر. وهذا برأي المحلل السياسي يجعل السعودية مربكة على أكثر من صعيد خصوصاً أنها "تعطي الأولوية لضرب المحور الإيراني، ومن الصعب الوقوف في وجه هذا المحور ومحاربة الإخوان في الوقت عينه، لأن الإخوان ومن خلفهم قطر هم في قلب المشروع المذهبي في المنطقة".

ومن شأن ذلك، بحسب حتر إبقاء الصراع السعودي-الإخواني ضمن إطار معين وترويضه بطريقة ما. يتقاطع ذلك مع ما ذكره السياسي اللبناني سعدالله مزرعاني، قائلاً إن "هناك إمكانية لإيجاد نوع من التفاهمات، من خلال حصر مناطق النفوذ الإخواني كما شهدنا في الإمارات، والإمارات شديدة التنسيق مع السعودية"، لافتاً إلى أن الإخوان "يواجهون أزمة حكم بارزة في البلاد التي وصولوا إلى الحكم فيها, وهم سيحتاجون بالضرورة للدعم السعودي، فالمستقبل ليس للإخوان طالما أنهم عاجزون عن تقديم تجربة ناجحة ومستقلة بالكامل".

وما يدعم ما تمّ ذكره، ما يُقال عن أن السعودية والإمارات هما جزء ايضاً من السياسة الأميركية في المنطقة، وأن هذه السياسة تعمل في اتجاهين: تشجيع الإسلام السياسي "المعتدل"، وفي الوقت عينه دعم القوى المناوئة له, لخلق نوع من الضغط عليه, وتحقيق توازن تسعى إليه واشنطن.
 
رأیکم