“الحلاق الأنيق”، عضو جهاز الحماية الأمنية للأمين العام لحزب الله لبنان

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۱۳۲
تأريخ النشر:  ۰۸:۴۵  - الجُمُعَة  ۲۴  ‫مایو‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
كان “خضر” مزيناً للشعر، كثير الاهتمام بمظهره، وزبائنه، وجيرانه، لطيف المعشر، خفيف الظل، وكانت ابتسامته على طول ارتسامها أنيقة كطلة “عريس”، كنت اراه كل صباح وظهر ومساء .. وما بينهما عندما يحين موعد “حلاقتي”، كما كان يحلو له أن يقول مُرحباً صار "وقت حلاقتك”.. لم يكن أقرب المقربين إلى خضر يعرف أين يقضي أوقات فراغه وعطله، ولعلهم ظنوا كما كنت أظن أنا أيضاً، أنه من رواد “الترفيه” و“الرحلات".
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء ولد خضر يتيم الأب، في أسرة مؤلفة من ٤ شقيقات، وشقيق أكبر، تكفل اعالة العائلة، وتكفلت زوجته رعاية اخوته ومساعدة الوالدة على تخطي مرحلة وفاة الوالد في حادث سير.
تحمل خضر عبء المسؤولية باكراً، الصبي الهاوي واللاعب المميز في صفوف فريق الحي لكرة القدم، آثر ترك المدرسة باكراً، لا ليحترف لعب الكرة ويعتاش منها، بل ليتعلم مهنة يستطيع من خلالها إعالة عائلته التي لم توفر جهداً لتربيته، لكن ضيق الحال، في زمن الحرب اشتد على الجميع، وبات لزاماً على الشباب العمل في سن مبكرة، لمساعدة "معيلهم" على الإيفاء بالالتزامات الحياتية، وتغطية نفقات المعيشة التي كانت ترتفع مع ارتفاع ألسنة الحروب، الصغيرة والكبيرة، من أهلية وخارجية.

كبر خضر، وتمرس في مهنته، وفي أشياء أخرى كثيرة، لم يعرف أحد عنه يوماً، نشاطه السياسي، أو الديني، مع أنه كان ظاهر الخجل والحياء، يمكن ملاحظة احمرار وجهه الشديد عند أي موقف محرج.
بدأ خضر المشاركة في عمل التعبئة ونشاطاتها بعمر الـ ١٤، وتدرب وشارك في عروض يوم القدس، والاجتماعات التنظيمية تحت حجة "كرة القدم"، وبلغ العشرين من عمره وقد بات كل من في منطقة "الشياح" يعرفه، طيبة وبراءة وأناقة تلفت أنظار كل من تعرف عليه، وأصبح "خضر الحلاق" صديق الجميع، أجاد حبك علاقاته الإجتماعية على مغزل الحب والاحترام، حتى صار كوشاح النور يتطاير على وجوه الجميع كلما أطل صوبهم، هكذا وصفه كل من عرفه.

كان "خضر الحلاق" يغوص في العمل المقاوم في صفوف حزب الله، يوماً بعد يوم، ومنذ العام ١٩٨٥ وظل محافظاً على سرية عمله الأمني طوال عمله، وأصبح جنديًا فاعلاً في صفوف المقاومة الإسلامية، فالتحق بالدورات العسكرية العادية والتخصصية، إلى جانب متابعته للدورات الثقافية حتى العام ١٩٩٣، حيث افتتح محلاً للحلاقة خاصاً به في منطقة بئر العبد، وحول عمله في الحزب من التفرغ الى التطوع، دون أن يتغير التزامه بالعمل المقاوم، أو يتأخر عن تلبية نداء الواجب، فتم تعيينه في وحدة الحماية الأمنية للأمين العام لحزب الله، لما عرف عنه من التزام وحرص وخصال حميدة، وعزز تكليفه بهذه المهمة ما اشتهر به في اوساط مرؤوسيه من سرية وصمت في العمل.

تحول محل الحلاقة مع الأيام، إلى ملتقى الأصحاب والمعارف، وصار "خضر الحلاق" صديق الجميع، يستمع لشكاواهم، يناقش همومهم، ويساعدهم على التفكير بالحلول، ولم يُعرف عنه يوماً احجامه عن المساعدة فيما يستطيع حله أو يعرف سبيل حله.

واظب خضر على المشاركة في العمليات النوعية للمقاومة الإسلامية، وفي إحدى العمليات يقول رفاق دربه، أنه طلب إلى مجموعتين التسلل إلى محور متقدم، وكان لا بدّ لكشاف أن يتطوع ليستكشف المنطقة، وكان استكشاف هذه المهمة ذا طبيعة استشهادية، واحتمالات العودة سالماً أقل بكثير من احتمالات الشهادة، فبادر ملبيًا فورًا قبل أن يسبقه أحد وتولى تنفيذ المهمة وعاد سالماً، وشاء الله أن لا يُكشف سر عمله ولو من اصابة طفيفة.

تزوج خضر في العام ١٩٩١ من "ريما" الإنسانة التي أحب منذ بداية شبابه، بعد قصة حب وانتظار، وانجب منها زينب ومحمد، وكانت زوجته مثال الصديقة المخلصة التي حملت معه هموم حياته وجهاده وتحملت غيابه لتهتم بطفليه بانتظار عودته عند كل نداء واجب أو "عمل طارئ".

وجاء أيار من العام ٢٠٠٠، يروي صديقه ورفيق دربه، جاء أيارُ الذي تغنى وانتفضت أحلامه من تحت رماد القهر؛ وفرد أجنحة الحرية أعلامًا صفراء تتدفق على الطرقات غير آبهة بردود فعل اليهود؛ مقاومون، مدنيون، رجالاً ونساءً وأطفالاً يتوجهون صوب الجنوب ليعبروا دون تصاريح إلى المناطق التي بقيت محتلة سنوات طوال..

‎أتذكر ذاك النهار، كان نهار الأحد.. جلسنا أمام شاشة التلفازِ نشاهد مراحل التحرير المفاجئ كأننا نشاهد حلمًا في اليقظة؛ هو اجمل حلمٍ تحقق أمام ناظرينا، سألته "ريما" متى سنذهب إلى القنطرة ‫(‬بلدته‫)‬، فأجابها " ليس الآن".
‎وجاء الاثنين نهارًا ما حسبته أخيرًا له بيننا؛ أخبرته أني سأتوجه إلى الجنوب، فسألني إن كان اسمه قد ورد ضمن المجموعة المنتقاة.. أجبته بالنفي الذي أشعل جنونه، وطلب إلي أن أسعى بكل جهدي ليرافقني : "إنها فرصتي الأخيرة، إذا لم استشهد (راحت عليّ) " .. ففعلت تحت وطأة إصراره الذي أثار استغرابي ..
‎ وكان الردّ إيجابياً: " خضر شغيل بيستاهل هيك طلعة " ..
‎عاد خضر مسرعًا إلى البيتْ أخذ "ريما" والأولاد إلى منـزل أهلها، وأخبرها أنه سيصعد إلى الجنوب لإنجاز عمل؛ كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرًا، وعلى شاشة تلفزيون المنار تُبث مشاهد التحرير، جلس في الصالة، وسألها أن تأتي بورقة وقلم، وراحت يملي عليها وصيته.. لكن القلم الذي بين أناملها لم يكتب أي حرف.. فقط اكتفت بالنظر إليه مستغربة، فأكد عليها ضرورة كتابة ما يريد توصيتها به، لكنها لم تفعل.. فأوصاها شفهيًا، وسألها أن تنتبه على نفسها وعلى الأولاد، ولأول مرة سألته "ريما " أن لا يذهب.. نظر إليها، فانفجرت من عينيها الدموع، اقترب منها وحاول أن يهدئ من روعها، لكنها لم تستطع أن تضبط نفسها، كأنها أحست أنه انسلخ عنها وهو لم يزل أمامها..يكمل ‫"‬الصديق والأخ‫"‬ المفتقد ‫"‬ ودعته؛ ورأته يغادر بصمتٍ وهدوء كعادته، قائلاً لها أنه ستعاود الاتصال بها..
‎توجهنا إلى الجنوب وكانت رايات النصر مزروعة على حفافي الطرقات، وبين لحظة وأخرى نسمع أخبار جديدة عبر أثير إذاعة النـور، وطوال الطريق يرتفع دعاء الأخوة وتهليلهم وتكبيرهم‫.‬
" ..
‎تناولنا طعام العشاء في مطعمٍ شعبيٍ، وكان "عهد" يقوم بخدمة الأخوة، وعند وصولنا إلى مركز عملنا بقينا نسهر من الساعة الثانية عشر منتصف الليل حتى الثالثة صباحًا نتحدث‫.‬
‎كلما خبأتُ وجهي بين كفيَّ، ازداد المشهد وضوحًا كأني أراه ولا استذكره؛ ذاك النهار.. الثلاثاء.. وخلال متابعة تحرير القرى المحتلة، وصلت إخبارية للمقاومة أن مدنييَن اتجها نحو موقع بلاط ظنًا منهما أنه خالٍ، فحاصرهما الجنود الصهاينة، فاتجهت مجموعتنا إلى هناك لتقوم بواجبها بحماية المدنيين، واتصل "خضر" بريما وطمأنها عنه، واعدًا إياها انه سيعاود الاتصال بها.

‎وبثبات ووعي كامل وشجاعة، اقتحمت المجموعة موقع بلاط، واشتبكت مع حاميته عن قرب، كان الجميع يتعاطى مع الموقف بمنتهى المسؤولية حفاظًا على أرواح المدنيين من أهلنا المتوجهين جنوبًا، وقد أثبتت المقاومة الإسلامية حكمتها خلال هذه العملية التي تدخل فيها طيران مروحي، ولم تكن المواجهات لتسفر عن أي شهيد لولا تدخل الطيران، ثم وعند الساعة الثانية عشر وخمس وعشرين دقيقة، رأيت خضر يسقط شهيدًا بعد أن أصيب برأسه.. وقعَ سلاحه..ثم سقط الى الأرض التي أحب لتضمه إليها، وينال ‫"‬الشهادة‫"‬ التي لطالما انتظر‫.‬

وصدر البيان الذي لولاه لما عرف الكثير من الناس، هوية "النورس المهاجر"، الشهيد خضر علي ابراهيم (عباس):
بكل فخر واعتزاز تزف المقاومة الإسلامية إلى إمامها صاحب العصر والزمان(عج) و إلى أمتها وشعبها الأبي أربعة من مجاهديها الأبرار.
فبعد عودة الأهالي إلى قراهم المحتلة، وتدفق الناس بكل اتجاه، توجه اثنين من المدنيين يوم أمس الثلاثاء الموافق لـ23/05/2000 نحو موقع بلاط المحاذي لبلدة رامية ظنًا منهما أنه خالٍ من الأعداء، فحاصرهما العدو الذي بقي يحتفظ بالمواقع بنيرانه لما يقارب الساعة، مما استدعى تدخل قوة من المقاومة الإسلامية لانقاذهما، ودارت اشتباكات عنيفة مع حامية الموقع بالاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، تدخل على أثرها الطيران المروحي مما أدى إلى استشهاد أربعة من مجاهدي المقاومة الإسلامية، منهم :
• الشهيد الحاج خضر علي إبراهيم (عباس) :
- مواليد الباشورة عام 1968.
- متأهل وله ولدان
- التحق بصفوف المقاومة الإسلامية عام 1989.
- خضع لعدة دورات عسكرية وشارك في العديد من المهام الجهادية.
- استشهد بتاريخ 23/05/2000.
رأیکم