الحوار مع النظام الخليفي لعبة مملة وإعلام السلطة يؤجج الطائفية في البحرين

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۱۸۶
تأريخ النشر:  ۰۸:۱۵  - الجُمُعَة  ۳۱  ‫مایو‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
وصفت الباحثة والصحفية البحرينية باسمة القصاب إعلام السلطة الخليفية بأنه أحد الأدوات لتأجيج الفتنة الطائفية، مؤكدة أن الإعلام في البحرين نجح خلال العامين الماضيين في الهبوط بذائقة الشارع وخطابه إلى مستوى مبتذل جداً.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء قالت القصاب في حوار أن "ما عدا صحيفة الوسط البحرينية، فإن باقي أشكال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء هو صوت السلطة فقط، وأداتها في قصف المختلف والمعارض”، مضيفة أن "أداتها في تأجيج الفتنة الطائفية لجر الخلاف السياسي، نحو خلاف مذهبي، ولصرف فئات المجتمع عن المطالبة بحقوقها الطبيعية، إلى الصراع مع شركائها في الوطن”.
وبشأن عمليات الفصل التي تعرض لها الآلاف من الشعب البحريني بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات، قالت الإعلامية باسمة القصاب "عمليات الفصل لعبة قذرة، وهذه اللعبة حركتها جهات القرار نفسها”، مشيرة إلى أن "الحوار الذي يدور الآن بين الحكومة والمعارضة لا يعدو كونه لعبة مملة وباهتة”.
وفيما يلي نص المقابلة:
بداية من هي "باسمة القصاب”؟
كاتبة حلمها الحرية. هكذا أحب أن أعرف نفسي فقط.
كنت تعملين في وزارة التربية والتعليم كاختصاصية اشراف تربوي، لماذا تم فصلك من العمل؟
تم فصلي على خلفية مشاركتي الإعلامية خلال أحداث فبراير 2011، تصريحاتي لقناة BBC العربية، وما نشرته حينها من مقالات في مدونتي وبعض المواقع، ومشاركتي في مسيرة الأدباء والمثقفين المطالبين بالحرية.
في التحقيق الذي أُجري معي في وزارة التربية كان هناك ملفاً كاملاً خاصاً بي، قيل لي أنه أُحضر من قبل وزارة الداخلية، ولا أعرف ما علاقة وزارة الداخلية بوزارة التربية، وكيف لوزارة التربية أن تحقق معي فيما هو خارج صلاحيتها الإدارية.
في هذا التحقيق تم (مواجهتي) باسماعي تسجيلاً كاملاً لتصريحاتي للقناة، و(مواجهتي) بعرض فيديو لمشاركتي في إحدى المسيرات بالقرب من دوار اللؤلؤة، و(مواجهتي) بقراءة مقالاتي والتحقيق معي في كل كلمة كتبتها، كررت كلمة (مواجهتي) لأنهم كانوا يستخدمونها في كتابة محضر التحقيق: تم مواجهتها بـ(….)، ويتعاملون معي مثل مجرمة تواجه بأدلة إجرامها!
وكنت عندما أخبرهم أن هذا رأيي الخاص ومتعلق بحرية التعبير ولا علاقة له بعملي في الوزارة، كانوا يجيبونني بأنك موظفة في وزارة التربية ولا يحق لك أن يكون لك رأي يختلف عن رأي الوزارة التي تعملين فيها. وعندما أقول لهم بأنني أمارس حريتي الشخصية خارج وقت العمل، كانو يجيبونني بأنك قد خُنت الوطن وأسأت له بما قلت وبما كتبت. لم يكن في التحقيق أي شيء متعلق بالعمل إلا تغطية وتمويهاً. تم توقيفي بعدها عن العمل لمدة شهرين، حُوّلت خلالها إلى مجلس تأديبي، قرر فصلي نهائياً. ثم تم استدعائي للتحقيق في مركز الشرطة، وكان الملف ذاته حاضراً بكل محاضر التحقيق التي وقعت عليها في وزارة التربية. لقد صارت وزارة التربية ووزارة الداخلية شيئاً واحداً.

في (13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) قررت المحكمة الصغرى في البحرين سحب قضية المرفوعة ضدكم، ما هي القضية، ولماذا تم سحبها؟
لا أعرف تحديداً ما هي القضية، في الاحضارية التي سُلّمت لي كان مكتوب التالي: التهمة سلامة وطنية. وهي كما ترى عبارة مبهمة وغير مفهومة، وهي ذات التهمة التي تضمنتها احضاريات وصلت لآخرين. ولم تقرر المحكمة سحب القضية، بل تم تجميدها من قبل النيابة العامة، أي الجهة التي رفعت القضية ضدي. التجميد أيضاً إجراء غامض وغير محسوم. وكما لم نعرف سبب رفع القضية لم نعرف سبب التجميد المفاجئ، ولا نعرف ماذا يمكن أن يحدث مستقبلاً.

ما الذي يجري لنساء البحرين من قبل النظام؟
لدينا على الأقل شهيدة واحدة (وثقها تقرير بسيوني) قضت بطلق ناري، وأخريات قضين اختناقاً بسبب الغازات الخانقة. لدينا عشرات الناشطات قضين في المعتقل عدة أشهر ولا تزال أخريات يقضين عقوبات في السجن بسبب آرائهن السياسية بينهن الناشطة الحقوقية (زينب الخواجة) والمعالجتان (نفيسة) و(ريحانة) اللتان تم اعتقالهما من ساحة سباق الفورمولا عندما كانتا ذاهبتان للتعبير عن احتجاجهما. لدينا أيضاً نساء تعرضن للتعذيب وتقديم الاعترافات تحت التعذيب والمحاكمات والمفصولات والموقوفات من العمل، لدينا زوجات شهداء وأمهات وأخوات، لدينا زوجات معتقلين وأمهات وأخوات.

ماذا تريد المرأة البحرينية؟
إذا كان سؤالك يتعلق بالحراك السياسي الحالي، فليست هناك مطالب خاصة بالمرأة تحديداً، القضية أكبر من المرأة والرجل الآن، القضية بحجم الوطن وإنسان هذا الوطن. المرأة كما الرجل تريد الحرية والعدالة والديمقراطية ومحاربة الفساد والتمييز، تريد الكرامة لوطنها ولأبناء بلدها، تريد أن ترى أبناءها يعيشون حياة أفضل، حياة لا يبحثون فيها عن كرامتهم المهدّدّة، بل يجدونها تكبر معهم وتنمو.

تتحدث تقارير أممية عن قيام وزارة التربية أوقفت العديد من المعلمين والاختصاصيين بتهم ملفقة ووشايات مغرضة؟ كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة؟
اسمح لي أن أبتسم عند هذا السؤال، فمعالجة ظاهرة ما تستلزم أن يكون صاحب القرار خارجها لكي يتصدى لها ويعمل على معالجتها، لكنه حين يكون جزءاً منها، بل هو المحرك لها والمحفز، فالمشكلة تصير أكثر تعقيداً، في هذه الحالة لا نحتاج إلى الكلام عن علاج، بل عن إصلاح، والإصلاح لا يكون إلا باستئصال الأصل الفاسد.
نحن هنا لسنا أمام ظاهرة بالمعنى العام، نحن أمام لعبة قذرة، هذه اللعبة حركتها جهات القرار نفسها، واستدعت من خلالها كل النفوس الوضيعة والمريضة والحاقدة، وجدوها فرصتهم الذهبية ليشوا على زملائهم في العمل ويلفقوا حولهم التهم والأكاذيب، مقابل فتات مكافئات مادية ووظيفية، وصلت إلى حد إحلال بعض الوشاة مناصب من وشوا بهم، بعد فصلهم من العمل.
هذه اللعبة القذرة، تحولت إلى ثقافة دخيلة وغير مسبوقة في المجتمع البحريني، تم تعزيزها من أعلى المستويات، خلال فترة قانون الطوارئ والأشهر التالية، ولاقت استنكاراً مخجلاً من الداخل والخارج، ولا تزال تُمارَس تحت من أغطية.

ذكرت في مقال لك بصحيفة الأخبار اللبنانية "في مدينتي التي كنت أحلم أن أحتفي معها كعاصمة الثقافة العربية لعام 2012، صُدمت بالزلزال المكارثي الذي ارتجّ بنا منذ إعلان حالة السلامة الوطنية حتى اليوم. لا أحد يمكن أن يصدق، ما لم يكن قد عاش فعلاً ما حدث في البحرين خلال الأشهر القليلة الماضية”، ما الذي حدث خلال هذه الأشهر؟
نعم عبّرت عنه بالزلزال المكارثي، فالزلزال ليس فقط يهز الأرض ويشقها ويسقط أعداداً كبيرة من الضحايا من القتلى والجرحى (وهو ما عايشناه بكل أشكاله في تلك الفترة)، لكنه أيضاً يكشف عن التصدعات الخطيرة والقبيحة التي لم نكن نعرفها ولم نكن نرها من قبل، يكشف عن البناءات الرخيصة والمغشوشة التي كنا نظنها من الخارج مبان راقية ومثالية.
الزلزال المكارثي الذي عايشناه في البحرين احتوشنا من كل جهة، ليس فقط من السلطة التي قمعت بوحشية وانتقمت بهستيريا، بل من شركاء الوطن الذين كنا نعتقد أنهم يبحثون مثل أي شعب آخر عن حياة عزٍّ واستحقاق لا حياة ذل وعبودية، من المثقفين الذين كنا نعتقد أنهم سينتصرون للإنسان والحرية ومطالب الديمقراطية كما أوهمونا في كتاباتهم، من زملاء العمل والأصدقاء الذين طالما تقاسمنا معهم الخبز والحب، من العالم في ازدواجيته الفاقعة في التعامل مع مطالب الإنسان بالحرية والعدالة، وبطبيعة الحال من السلطة التي أشعلت النار في السديم الطائفي، فلم يكن يحميها مثل حرق شعبها ببعضه البعض، شارك في الرقص على الجثث المحترقة عبدة الشيطان، ومع الأسف، رقص معهم كثيرون، كثيرون جداً.
باختصار، لقد كشف الزلزال المكارثي هشاشة هذا المجتمع المنقسم، وهشاشة أن يقع كل مرة فيما يخطط له من تعميق الانقسام، وهشاشة استخدام انقسامه في كل مرة لقتل أي مطالبة بالديمقراطية، وصار لزاماً علينا كمثقفين أن نعيد قراءتنا لمأزق المطالبة بالديمقراطية في مجتمع منقسم.

كيف ترين الإعلام في البحرين اليوم؟
فيما عدا صحيفة الوسط البحرينية، فإن باقي أشكال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء هو صوت السلطة فقط، وأداتها في قصف المختلف والمعارض: تخوينه واتهامه وقذفه والنيل منه والتشهير به والتقوّل عليه. وهي أيضاً أداتها في تأجيج الفتنة الطائفية لجر الخلاف السياسي، نحو خلاف مذهبي، ولصرف فئات المجتمع عن المطالبة بحقوقها الطبيعية، إلى الصراع مع شركائها في الوطن.
الأكثر إيلاما بالنسبة لي، أن الإعلام نجح خلال هذين العامين أكثر من أي وقت مضى، في الهبوط بذائقة الشارع وخطابه إلى مستوى مبتذل جداً. الإعلام انحدر بخطابه إلى القاع، وصار سوقياً. نعم، لقد صار هكذا منذ سُمح لمجموعة من (السوقيين) أن يصيروا كتاب مقالات، فضلاً عن أن يتصدروا الصحف بسففهم الرخيص والمدفوع الثمن. لقد أُريد للصحافة والإعلام أن يتحولا إلى شيء (سوقي) وكلام (حواري)، وقد وصلا إلى هذا المستوى بجدارة.
الأنكى أن (هذا الشيء السوقي) نجح فعلاً في الانحدار بذائقة الشارع. انظر فقط إلى المحادثات بين المختلفين في تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي، انظر إلى اللغة التي يتخاطب بها الناس، إنها لغة هابطة تماماً، مخجل أن نصل إلى هذا المستوى في الكلام والتخاطب، لم نكن هكذا قبل سنوات، أو على الأقل لم يكن حضور السفف بهذه الكثافة. الآن هناك منافسة فيمن يكون سوقياً أكثر بين كتاب الصحف الرسمية، ومع الأسف، نجح هؤلاء في تعميم سوقيتهم على قطاع كبير من الشارع، وانجرف لها غير قليل من الشارعين المعارض والموالي.

الحوار في البحرين لا زال يراوح مكانه، هل من أفق لحل الأزمة، وأين تتجه البلاد في حال فشل الحوار؟
الحوار الذي يدور الآن لا يعدو كونه لعبة مملة وباهتة. الطرفان (السلطة والمعارضة) يعلمان أنهما يمارسان دوراً تمثيلياً من أجل إسكات ضغوط الخارج فقط، وأن لا شيء حقيقي سيتمخض عن الحوار. السلطة تريد أن تقول للعالم: أنظروا، أنا دعوت المعارضة لطاولة الحوار، لكنها لا تريد الحوار، تريد الخراب فقط، لهذا اعذروني عندما اقمعها. والمعارضة تريد أن تقول للعالم: انظروا، لقد استجبنا لدعوة الحوار، لكن السلطة لا تريد حلحلة الوضع وغير جادة في الإصلاح. لهذا تحاول السلطة بكل الطرق استفزاز المعارضة لجرها نحو الانسحاب من الحوار، والمعارضة مصرّة على البقاء في حوار تعلم أنه شكلي ولا تفتأ تردد أنه شكلي. والأدهى من ذلك أن العالم الذي يراقب يعلم أنه حوار شكلي، لكن لا أحد يعلّق الجرس لفعل شيء حقيقي للخروج من الأزمة التي تكبر كل يوم بل كل ساعة.
لا أعرف إلى أين يتجه البلد، ولا أظن أحداً يمتلك جواباً، لكن ما أعرفه أن مطالب هذا الشعب لن تسكت حتى تتحقق، طال بها الزمن أو قصر، وأن عظم هذا الشعب لا يُدق، وهو واقف في بلعوم السلطة الرعناء أبداً، النظام يعلم هذا جيداً لكنه يكابر، القمع والسجون المليئة بالمعتقلين ليست فكاكاً بل ورطة أكبر، ستظل البلد تعيش احتقانها وانفجاراتها المتتالية إلى أن يأتي إصلاح حقيقي بطريقة ما.

كيف تفسرين وضع ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء؟
لا تفسير لدي، خصوصاً أننا لم نر على أرض الواقع أي انعكاس لهذا المنصب حتى الآن.
رأیکم