تقرير خاص: ثورة البحرين ومشروع آل سعود

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۴۵۱۲
تأريخ النشر:  ۱۹:۲۲  - السَّبْت  ۱۷  ‫مایو‬  ۲۰۱۴ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
ما يُحاولُ هذا التّقريرُ الإضاءة عليه، هو إيضاحُ الطّريقة التي تمكّنت بها الثّورةُ من شكِّ البالونِ السّعوديّ المُنتفخ، وكيف استطاع الثّوّارُ – الذي خرجوا من تحت الانقاض – إشعارَ الاحتلال السّعوديّ بالمأزقِ غير المتوقّع الذي كان ينتظرهم في السّاحاتِ والميادين.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء دخلَ آلُ سعود البحرينَ وهم يأملونَ إنجازَ "فتْح” جديدٍ، أو تحقيقَ "انتصارٍ كامل”. المكسبُ الحقيقيّ لثورةِ البحرين هو أنّها أحبطت هذا الطّموحَ السّعودي، والذي خُيِّل للسّعوديين بأنهم سيقطفونه بأسهلِ ما يكون.

نزْعُ المعنى الوظيفي للقتل

ينجحُ القتلُ في بلوغِ أهدافه السّياسيّة والمعنويّة حين يتمكّن من الحفاظ على وظيفةِ القتل. القتل المنزوعُ من الوظيفة – أيّا كانت هذه الوظيفة – يُصبحُ جريمةً واضحةً، ويصْعبُ تبريره أو تبنّيه بشكلٍ كامل ومباشر.
ويذهب مفكِّرون إلى أنَّ مقياس نجاحات الثّورات يكمنُ في قدرتها على إظهار آلة القتْل التي تواجهها وهي منزوعةً من الوظيفةِ التّقليديّة، أي وظيفة الرّدْع وإنهاء "الشّغب” أو وظيفة صدّ العدوان وحماية النّفس.
حين يُتاحُ لأيّة ثورةٍ أنْ تنزعَ هذا الغلافَ الوظيفي للقتل؛ فإنّ القاتِلَ يتحوّلُ تلقائيّاً إلى مجرمٍ متعطّشٍ للدّماء، ولا هدف له غير ذلك.
ثورة البحرين كانت معنيّة في أوّلِ الأمر أن تسحب هذا الغلافَ. الصّدر العاري للثّوار كان الدّرس الذي فعلَ ذلك٫ وكان ذلك بمثابة الأيقونةُ التي جسّدها الشّهيد عبدالرّضا بوحميّد ورفاقه في مواجهتهم للجيش الخليفي. نجح هذا المشهد بسرعةٍ في تعريةِ الدّباباتِ التي تمّ إنزالها قبل يومٍ واحدٍ، وأصبحت أمام العالم مُطابقةً لأيّة قوّة احتلالٍ تنزعُ للقتْلِ من أجلِ القتل.

من هنا سيكون مفهوماً الدّفع السّريع بورقة سلمان حمد الخليفة في ١٦ فبراير ٢٠١١م، وكيف اضطرّ الخليفيّون عاجلاً إلى سحْبِ الجيش وإعلان مبادرة الحوار.
سيتكرّر الحالُ نفسه مع الجيش السّعودي، والذي ظنّ أنّ إضافة المعنى المذهبي المكشوف للقتل سيمنحه الطّاقة الكفيلة بإسكاتِ الثّورة نهائيّاً. إلاّ أن ثورة البحرين جدّدت من خبرتها، وكانت على وعيّ بأنّ درس الصدر العاري بحاجةٍ إلى درسٍ آخر يُعبّر عن قدْرٍ من "القبضةِ الحامية”.
مع الوقت، وبعد شهري مارس وأبريل من العام ٢٠١١م، بلغت الثّورةُ فهمها المكتمل للخلطة الجامعة بين الدّرسين، وذلك لأنّها (أي الثّورة) أدركت أنّ إستراتيجيّة القتل السّعودي يتطلّبُ إهدارها الانتقالَ إلى مستوى متصاعِد من الفعْل الثّوري، وبما يصعقُ العقل السّعودي ويخلط أوراقه.
على هذا النّحو، تبلورت مع الوقت مفاهيم الثّورة: الدّفاع المقدّس، المقاومة المشروعة، والسّلميّة القرآنيّة، وانسلّت منها الشّعاراتُ المعبّرة عن القوّةِ والصّمودِ الثّوري وعدم الرّضوخِ للجيوش.

الضّوء الأخضر الأمريكي

ما كان للسّعوديين إدخال قوّاتهم وغزو البحرين من غير ضمانِ غطاء خارجيّ كامل، يمدّهم بالتأييد من جهة، وتسديد الوجهة من جهةٍ أخرى. كان الأمريكيّون معنيين بتقديم هذا الغطاء، وذلك لأنّهم أولاً أرادوا إخضاع الثّورة وترويضها لتكون وفقَ المقاس الذي يُلائم سياستها المزدوجة، وثانياً لأنّ الولايات المتّحدة بحاجةٍ لأنْ تُقدِّم للسّعوديّة خدمةً "مسمومةً”، وذلك بزجّ السّعوديّة في وحل الثّورة، وتوريطها فيها. وهي إستراتيجيّة لجأت إليها الولايات المتّحدة في مسعاها الجديد لشلِّ الاندفاعة السّعوديّة وتحجيم جشعها الإقليمي، وبما يضمنُ للأمريكان الإبقاء على العجز السّعودي وديمومته، ليتسنّى تجميدها تحت الإرادة الأمريكيّة. وهي الإستراتيجيّة ذاتها التي تُطبّق مع السّعوديّة في الملفّ السّوري، والذي انتهى بالإطاحة ببندر بن سلطان.

النتيجة التي انتهى إليها الاتّفاق السّعودي الأمريكي في البحرين، كانت نتيجة غير متوقّعة، وخاصةً لجهةِ إخضاع الثّورة وتسويرها بالسّياج الذي يُفرِغ الثورة من محتواها الجذري، ويُحيلها إلى وضعيّة الانتفاض الموضعي، وبالتّالي تُصبح مخنوقةً بالخلافاتِ وبانسداد الأفق، لتكون مجبورةً في النهاية على القبول بالإملاءات الفوقيّة، وهو ما يعني الدّخول في النّفق ذاته الذي سُيّرت إليه أغلبُ ثورات ما يُسمّى بالرّبيع العربي.

الانتصار على الثورة المضادة

تكاد تكون البحرين هي الاستثناء الذي خرقَ الثّورة المضادة التي قادها السّعوديوّن، وبإيعاز – يكاد يكون مكشوفاً – من الأمريكيين.
فعلت ثورة البحرين ذلك بفضل مجموعة من العوامل، ومنها:
- الصمود النّوعي في وجه القتل المنهجي المتعدّد الجبهات.
- وضوح الرّوية والمسار الذي يتوجّب أن تسلكه الثّورة حتّى النّهاية.
- التّسديد القيادي الذي التحمَ بالجماهير، وتشاركَ معها صناعة الإستراتيجيّات والوسائل التكتيكيّة في التخطيط الميداني.
- الخبرة المتراكمة التي امتازت بها الثّورة، واتّصالها المفاهيمي والتّربوي بأهم سياقات الثّورة التّاريخيّة، ولا سيما محطّتا انتفاضة التسعينات وتيار الممانعة.

ارتبك المشروع السّعودي في البحرين، ولا زال هذا المشروعُ يتجرّع السّمّ محاولاً البحث عن مخارج تُسعفه على إخفاء الألم من جهة، وإسقاط الثّورة من جهة أخرى. ومن الملاحظ أن السّعودي، حتّى اللّحظة، هو في وضْع ردّ الفعل إزاء الفعل الثّوري المتنامي، وهي مسألة لا تنطوي على أيّة مبالغة، مع ملاحظة أنّ السّعوديّ ينزعُ إلى البحث عن الانتصارات الوهميّة والاستعراضات (المناورات وجنون التّسلّح مثلا) بغية إخفاء الجرح والتّورّمات.

اتحاد الحلف السّعودي

ما يجب الانتباه له جيّداً في هذا الإطار، هو أن المشروعَ الأكبر الذي يشغلُ السّعوديّة اليوم هو إعادة صياغة مجلس التّعاون وتأسيس حلف جديدٍ تكون لها فيه الهيمنة الأساسيّة من الناحية السياسيّة والعسكريّة. وتشير تقارير غربيّة إلى أنّ السّعودية تجهدُ من أجل بناء "حلف ناتو” سعودي، يضمنُ لها استعادة النّفوذ المتهالك، وترميم تحالفاتها المتصدّعة، وهو ما يُفسّر اقتتالها من أجل الاستحواذ على أحدث الأسلحة وإبرام صفقات السلاح مع الشرق والغرب، إضافة إلى مسعاها المتنامي – وكذلك الإمارات – من أجل تطوير صناعاتها العسكريّة الذّاتيّة وامتلاك التّكنولوجيا الدّفاعيّة.
بداية هذا المشروع تولّد مع دروس السّعوديّة "المستفادة” من المواجهة مع ثورة البحرين، حيث انكسار إستراتيّجيّة القوّة المنفلتة، والمغموسة بالشدّ المذهبي، واستطاعة الثّورة أن تُفتّت هذه الإستراتيجيّة بالتّعويل على مفهوم "المقاومة الوسطى” التي تستهدفُ نقاط الضّعف في عدوّها، وتُبرز في المقابل قوّتها المعنويّة أمامه.

بالنسبة للنّظام الخليفي، فإن منقذه الوحيد هو الاتّحاد مع السّعودية، وتعميق التّبعيّة لها. لم يتوقّف الخليفيّون عن المناداة بذلك، والدّعوة إليه في كلّ مراحل الثّورة، وعمدوا إلى غرْس هذا الحلم في كلّ مكان، ونشْر صور آل سعود وأعلامهم في مختلف مرافق الدّولة، وإقامة المؤتمرات والمهرجانات من أجل تعميمه بين النّاس، وكأنه أمر واقع. كلّ ذلك يتمّ بناءاً على تأكيدٍ سعوديّ للخليفيين بأنّ الاتحاد قادمٌ لا محالة، وأنّ عليكم الاستعداد له والتّجهّز للحظة الإعلان عنه.

من الواضح أنّ هناك استعداداتٍ جدّية لإعلان الاتحاد، والذي قد يكون عابراً لمنطقةِ الخليج، ولكن المؤكّد أيضاً أنّ الاتحاد لن يُسعِف السّعوديين والخليفيين على إيقاع الهزيمة بالثّورة، بل من الواضح أنّ النّتائج ستكون عكسيّة، وعلى أكثر من صعيد.
فكلّ الصّيغ المحتملة لاتحادات الحلف السّعودي لن يُقدَّر لها النّجاح في خلق اصطفافٍ متآلفٍ ويقبلُ الذّهابَ إلى النّهاية خلف السّعودية، والتي لا تزال تُعاني من هزيمة مشروعها في سوريا ولبنان والخليج، وهي في الوقت نفسه تعوم في فوضى الخيار والهدف في مواجهتها لثورة البحرين.

رأیکم