دونكيشوتية رجب طيب أردوغان

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۰۳۶۲
تأريخ النشر:  ۱۱:۱۲  - الجُمُعَة  ۱۷  ‫مارس‬  ۲۰۱۷ 
لم يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قتال طواحين الهواء منذ أكثر من عقد من الزمن من دون أن يصل إلى أي نتيجة سوى المزيد من تدهور سمعة تركيا، وتحولها إلى دولة لا أحد يثق بها إلا لأسباب جيوسياسية، وتحت الرصد المستمر، فالرجل يدخل تركيا، وشعبها من أزمة إلى أخرى إذ لا تكاد تنتهي من توتر حتى تدخل في توتر آخر من دون أن يجد أحد تفسيراً سياسياً مقنعاً يمكن البناء عليه لتحليل سلوك هذا الرجل الذي أتعب بلده، وشعبه بطموحاته السلطانية، وأوهامه العثمانية التي تفوق قدرة تركيا، وإمكاناتها، حتى وصلت الأمور إلى تهديد الأمن القومي لبلاده.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء-  آخر أزمات أردوغان كانت مع هولندا، وألمانيا، والنمسا، إثر إرساله لوزراء في الحكومة التركية من أجل دعوة المغتربين الأتراك بالتصويت بـ«نعم» خلال الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي سيجري في 16 نيسان 2017، لنقل تركيا من نظام برلماني تعددي إلى نظام رئاسي مطلق الصلاحية!.

التوتر بدا مع (هولندا) في أوسع أشكاله عندما قامت السلطات الهولندية بمنع وزيرة الشؤون الاجتماعية، والأسرة (فاطمة صايينكايا) من دخول القنصلية التركية في روتردام، واعتبرتها (شخصاً غير مرغوب به) وطردتها خارج هولندا، كما اعتقلت حراسها، وأجبرت الجميع على المغادرة إلى ألمانيا صباح 12/3/2017.

وكان قد سبق ذلك إلغاء الموافقة على سفر وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) إلى هولندا للغاية نفسها، الأمر الذي أدى لاشتعال نار أزمة دبلوماسية لم يسبق لها مثيل بين تركيا، ودول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن رئيس وزراء هولندا أعلن أنه طلب من رئيس الوزراء التركي تأجيل زيارة وزير خارجيته لحين انتهاء الانتخابات الهولندية العامة في 15/3/2017، ولكنه رفض ذلك!.

قبل هولندا كانت النمسا قد سارعت لمنع الوزراء الأتراك من القيام بأي نشاط سياسي على أراضيها من أجل الاستفتاء التركي، لا بل عملت على إصدار قانون لمنع أي نشاط سياسي يتعلق بشؤون محلية بالنسبة لكل دول العالم، ولم تتوانَ ألمانيا أيضاً عن منع النشاطات التركية حتى اضطر الأمر وزير الخارجية التركي للقاء مجموعة من المواطنين الأتراك داخل القنصلية التركية في مدينة كولون من دون التمكن من إلقاء خطاب عام، وأمّا أردوغان فقد منع من الحديث عبر الشاشة، أو بشكل مباشر.

يقول «مراد تيكين» في حرييت ديلي نيوز إن سلوك مسؤولي الحكومة التركية، ووزرائها يخالف أولاً «القانون التركي الذي أصدره حزب العدالة والتنمية نفسه عام 2008، ويُحظر فيه استخدام البعثات الدبلوماسية التركية، أو أراضي دول أخرى من أجل الدعاية الانتخابية المحلية»، وبالتالي فإن من الواضح حسب ما يرى مراقبون كُثُرْ أن استثمار هذه الأزمة هدفه شد العصب القومي التركي من أردوغان، وحزبه من أجل إنجاح الاستفتاء على التعديل الدستوري، وخاصة أن أردوغان على جرى عادته كان يستهدف المعارضة سابقاً لاستثارة التعاطف مع مشاريعه، لكن المعارضة التركية عملت على سحب هذه الورقة من يديه، فوجد في الأزمة مع هولندا فرصة للاستثمار الانتخابي، واستخدام أبشع الأوصاف مثل «فاشية» و«نازية»، وجمهورية موز «أي هولندا»، إضافة للتهديد بأنهم سيدفعون «الثمن غالياً» من دون أن يعرف أحد كيف ستعاقب تركيا، بلداً مثل هولندا حسب ما يقول «سميح إيديز» الذي يضيف: «يجب أن ننتظر ونرى كيف تأمل أنقرة أن تربح هذه المرة بعد أن رفعت السقف إلى مستوى عالٍ جداً؟؟».

ويبدو سؤال «سميح إيديز» مستنداً إلى معرفة الأرقام الاقتصادية بين البلدين إذ يبلغ حجم التبادل التجاري السنوي «6 مليارات دولار»، كما أن هولندا ترسل «مليون» سائح سنوياً إلى تركيا، وهي من البلدان المفضلة للمستثمرين الأتراك في الخارج، ومؤخراً اشترت شركة «فيتول» الهولندية أكبر شبكة لمحطات الوقود في تركيا «بترول أوفيسي» بقيمة 1.4 مليار يورو، إضافة إلى انتشار شبكة «شل» الهولندية- وبالتالي من سيعاقب من!.

الأدهى من ذلك كما تقول الصحفية التركية «جيلا بن مايور» إن معرض السياحة العالمي عقد في برلين مؤخراً خلال زيارة وزيري الخارجية والسياحة، وبدلاً من أن تكون الزيارة داعمة لقطاع السياحة تسببت بخيبة أمل كبيرة لدى شركات السياحة التركية، إذ إن اتهام أردوغان للألمان (بالنازية- والفاشية) طغى على ما عداه من اهتمامات، وأدى إلى حملة ألمانية واسعة عنوانها «لا للسياحة في تركيا» لعام 2017، وتضيف: إن المانيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السياح إذ أرسلت ما بين (كانون الثاني- آب 2016) 2.71 مليون سائح، إضافة إلى أن أكثر من نصف السياح الذين زاروا تركيا عام 2016 أتوا من دول أوروبية.

وتتابع «بن مايور» انتقادها بالقول: «إذا قلنا إننا لسنا بحاجة للسياح الأوروبيين، ماذا سنفعل مع حقيقة أن نصف صادراتنا تذهب لدول الاتحاد الأوروبي؟! وماذا سنفعل بالبنوك الأوروبية التي تقدم القروض لبناء البنى التحتية في تركيا مثل: «الجسور، الأنفاق، المطارات… وغيرها»!.

كما يبدو فإن مرارة الواقع الذي وصلت إليه تركيا جعلت بعض الصحفيين يصفونه بأنه الأسوأ في تاريخ تركيا إذ حسب هؤلاء لم يسبق أن طُلبَ من وزير خارجية تركيا ألا يأتي لدولة حليفة تربطها بتركيا علاقات صداقة!! ولم يسبق أن تم حظر دخول وزراء أتراك لمبنى قنصلية تركية من الشرطة، كما أنه لم يسبق أن تم طرد وزير تركي واعتبر (شخصاً غير مرغوب فيه) واقتيد من الشرطة.

إن المثير حسب هؤلاء أن تركيا التي كانت تطالب قبل أيام بتحرير تأشيرات الدخول لمواطنيها لدول الاتحاد الأوروبي بموجب الاتفاق الخاص باللاجئين، وجدت وزراءها يطردون، وينتظرون بالدور للحصول على الموافقة لدخول هذا البلد الأوروبي أو ذاك على الرغم من حملهم جوازات دبلوماسية!! وهو ما يدعو للحزن على مستوى التعاطي الذي وصلت إليه العلاقة بين تركيا، والاتحاد الأوروبي- حسب هؤلاء.

لايبدو أن الصحفيين الأتراك يمتلكون الجرأة على الإشارة إلى مكمن المشكلة، والمتمثلة بـ«دونكيشوت» الذي يحكم تركيا، ويقاتل طواحين الهواء، إذ إن القضية مع أوروبا ليست فقط مسألة وزراء مُنعوا، بل إن أردوغان يدرك أن أوروبا ما بعد الانقلاب في 15/7/2016 هي غيرها ما قبله، وهو يعرف أن أغلب الضباط الفارين هم في أوروبا، وأن أغلب أنصار غولين هم في ألمانيا، وأن أوروبا تعمل على إطاحة أردوغان بكل الوسائل، ولهذا وجدنا الحدة في التصريحات!! لكن السؤال الآخر الذي يُطرح: هل بإمكان أردوغان معاقبة أوروبا؟ بالتأكيد: لا لكن بإمكانه إغاظتهم عبر تعزيز العلاقة مع روسيا، وهو سبب آخر للتوتر بين الطرفين!. 

إن أردوغان الذي يعتقد أنه يتقن فن اللعب على الحبال، وجد نفسه هذه المرة وحيداً، إذ إن موسكو التي توقع أن يكون موقفها أكثر قوة معه وجدها تدعو للتهدئة أسوة بالناتو، ولم يجد تضامناً معه سوى ما نشرته وكالة أنباء الأناضول الرسمية في 13/3/2017 تحت عنوان «العالم يدين هولندا بسبب الأزمة مع تركيا» لنكتشف- أن هذا العالم حسب الوكالة هو: «حزب حركة تونس الإرادة، وأيمن نور من مصر، وطارق الهاشمي الفار من العراق، وممثل لحزب موريتاني» وطبعاً أبطال المعارضة السورية المعتاشين في تركيا!!! هذا هو ما تبقى لأردوغان ما دفع «مراد تيكين» للقول: على تركيا أن تبحث عن استراتيجية لمخرج مشرف، وطريقة مستدامة لإخراج البلد من هذا الموقف الأخير!. 

يبدو واضحاً أن هذه الاستراتيجية ستكون بالاعتذار كما اعتدنا على أردوغان مع روسيا، و" اسرائيل "، وإيران، والعراق، وغيرها والتوقف عن عنتريات، وبهلوانيات دونكيشوت التي بدأت مع سورية، وسوف تنتهي مع انتصار سورية، وسقوط طواحين الهواء الأردوغانية.

المصدر/ بسام أبو عبد الله - الوطن السورية



الكلمات الرئيسة
رأیکم