مخاطر التَّحْرِيض.. والشحن الإعلامى... الدکتور عبد الله هلال

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۱۳
تأريخ النشر:  ۰۰:۰۵  - الاثنين  ۱۱  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۳ 
عاش المجتمع المصرى قروناً يحترم القضاء وينفر من القتلة ولا يتعاطف معهم.. وهى صفات أصيلة وراسخة لدى الشعب، وسبب تميز مصر بين الأمم واستقرارها وأمانها
فما الذى حدث فجأة لكى تنقلب الأوضاع، وينقسم الشعب لأول مرة لأسباب كان يمكن علاجها بسهولة بالحكمة المصرية المعهودة. هناك بالطبع تآمر وتحريض وزرع للفتن وتعمُّد الإيقاع بين مكونات الشعب الذى ظل موحدًا ومتجانسًا طوال تاريخه.. ولكن ما الجديد؟ أليست هى مصر المستهدفة دومًا؟ إنها هى هي، ولكن الشعب بوعيه ونضجه كان دائمًا ما يفوت الفرصة على المتآمرين وصناع الفتن. الجديد فى الأمر هو الفهم الخاطئ للحرية واستخدامها لتضليل المواطن العادى وجرِّه جرًَّا إلى بؤرة الفتنة التى كان يتجنبها بذكاء وحكمة. فالمتآمرون والمحَرِّضون قِلة منبوذة ما كان لها أن تنجح فى أعمال القتل والتخريب لولا الاستعانة ببعض الشباب من البسطاء الذين مسخهم النظام المخلوع وجعل منهم طاقات معطلة وقنابل موقوتة جاهزة للانفجار إن لم تجد ميادين صِحٍّية لتنفيس طاقاتها. ولكن كيف وصل المجرمون إلى هذا الشباب النقي، واستطاعوا توجيه طاقاته إلى الاتجاه الخاطئ؟.. إنهم كما أسلفنا قِلة منبوذة تعيش فى أبراج عاجية بعيدًا عن الشعب، ولكنهم يسيطرون على وسائل الإعلام التى تمكنت بالمكر والخداع والكذب أن تصنع من حبَّة الفلول والتافهين قُبّة، واستطاعت بالشحن الإعلامى أن تُحدث الفتنة.
   وإذا بدأنا من مذبحة بورسعيد، نجد أن الشحن الإعلامى هو المجرم الأول.. إذ كيف يقوم جمهور فريق فائز وعلى أرضه بالهجوم على جمهور الفريق المهزوم؟! هذا أمر فى غاية الغرابة! ومفهوم بالطبع أن هناك مجرمين خططوا لاستغلال أى تجمع شعبى لإحداث كارثة مروعة تجعل المصريين يكفرون بالثورة.. ولكنهم ليسوا من الغباء ليديروا المذبحة بأيديهم، فاختاروا بورسعيد لسهولة إجراء الشحن الإعلامى والإيقاع بين مشجعى فريقين بينهما مشكلات تاريخية، وحدث ما حدث من وسائل الإعلام دون وجود طرف عاقل ينبه لردود الأفعال، ولم يحتج المجرمون الحقيقيون سوى شرارة البدء ليكمل الغاضبون المخدوعون المشحونون المهمة الإجرامية دون وعي. ومما يؤكد أن المذبحة كانت مقصودة وتهدف إلى إحداث الفتنة وجر الوطن إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، أن جريمة الإيقاع بين المصريين بالشحن الإعلامى تكررت بالطريقة نفسها مع اقتراب موعد النطق بالحكم فى قضية المذبحة الأصلية.. لتشتعل الأجواء بين المصريين البسطاء الطيبين، وتفقد بورسعيد من أبنائها عددًا يقارب عدد من قضوا فى المذبحة! كيف ابتلع أهالى بور سعيد هذا الطُّعم؟.. إنها المدينة الصامدة التى سبق أن برهنت على أن مصر هى كنانة الله وأن أهلها هم خير أجناد الأرض، ولا يمكن أن ينسى أعداؤنا - خصوصا الصهاينة - الثأر من أهالى بورسعيد؛ هل نسينا نحن أننا مستهدفون؟! أما السويس - رائدة المقاومة الشعبية ومهد الثورة - فقد اختارها المجرمون لقتل عدد من أبنائها فى ذكرى الثورة أملا فى تكرار المشهد الأول، عندما ساهمت دماء الشهداء فى إشعال ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى محاولة الانتقام من أهالى السويس. من الواضح أن هناك خلايا نائمة تُستخدم فى الوقت المناسب لإحداث الفتنة، بدليل أن المجرمين اختاروا مدن القناة الثلاثة، مقر المشروع القومى لتنمية إقليم قناة السويس، الذى يوفر ملايين فرص العمل ويهدف إلى مضاعفة الناتج القومى بـ 100 مليار دولار.. اختاروها (وهى المستفيد الأول من المشروع!) لإحداث الفتنة والتمرد على الدولة! هل استطاع إعلام الفلول أن (يلحس) عقول المصريين إلى هذه الدرجة؟! لو فكرنا قليلاً لعرفنا بسهولة من الذى يريد إفشال هذا المشروع القومي: الفلول وبقايا النظام المخلوع والكارهون للمشروع الإسلامى الذين لا يريدون أى نجاح يمكن أن ينسب للرئيس مرسى أو للإسلاميين - العدو الصهيونى الذى يدرك أن مشروعنا يهدد أمنه القومي - ومدينة دبى التى تعيش على مشروع شبيه وتخشى المنافسة؛ متناسين أن الرزق بيد الله. وغنى عن البيان أن هذه المخططات الإجرامية ما كان لها أن تنجح لولا التحريض والشحن الإعلامى الذى يصوّب إلى البسطاء من الناس، والذى بلغ حدًا من الفجور والانتشار والإمكانات الكبيرة التى اخترقت عقول غير البسطاء؛ من مستوى أساتذة الجامعات!
   والخلاصة؛ أن أكبر تحدٍ يواجه مصر وثورتها المفترَى عليها هو هذا الإعلام الكذوب.. الذى تم تجنيده لتدمير مصر. ومن الواضح أن الرئيس محمد مرسى لا يرغب فى اتخاذ إجراءات رادعة ضد هؤلاء المجرمين من الإعلاميين حتى لا تكون سابقة يمكن استخدامها مستقبلاً للقضاء على حرية الإعلام، التى لم نحصل عليها إلا بالثورة. ونحن نقدر للرئيس هذا الحرص على دعم الحرية، وإن كان البعض لا يحترمها ولا يستحقها.. وهذا يضع الكرة فى ملعب الشعب والقوى الثورية الشبابية؛ لأن السكوت على هذا السلوك الإعلامى الإجرامى خطر يهدد مصر. والحل الوحيد إذاً هو عودة الثوار والشعب كله إلى امتلاك زمام المبادرة - استكمالاً للثورة؛ بوضع خطة منظمة لمقاطعة الإعلام الكذوب والمحَرِّض وغير الوطني. والمقاطعة الناجحة لا تكون عشوائية.. ولكن ينبغى تصنيف كل وسائل الإعلام، وتمييز من يستحقون المقاطعة بناء على ما يقترفون من جرائم ضد الوطن؛ ويتم اختيار قناة فضائية واحدة وصحيفة واحدة.. ودعوة الشعب لمقاطعتهما لمدة أسبوع، ثم ننتقل إلى أخرى وهكذا. ولنتذكر أن هؤلاء المجرمين كانوا إما خاضعين للمخلوع ولا يجرأون على انتقاده، وإما منافقين يلعقون حذاءه.. وعندما وجدوا مناخ الحرية تمردوا على الوطن، وظهروا على حقيقتهم.
• ما زالت بعض الصحف القومية خاضعة لتأثير فلول المخلوع، فأثناء كتابة هذا المقال قرأت تحريضًا صريحًا بأهرام الجمعة؛ رغم أجواء التفاؤل بعد مبادرة الأزهر: (مسيرات غضب فى القاهرة والمحافظات فى جمعة الخلاص: تنظم القوى الثورية اليوم الجمعة فى القاهرة والمحافظات‏,‏ مظاهرات ومسيرات غاضبة‏,‏ فيما سمته جمعة الخلاص‏,‏ تأكيدًا لاستمرار موجة الغضب الثورى). والخبر لا يحتاج إلى تعليق.
رأیکم