احتفال 14 آذار.. ’زهايمر’ سياسي - عدنان الساحلي

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۲۵۳
تأريخ النشر:  ۰۸:۲۶  - الجُمُعَة  ۲۲  ‫مارس‬  ۲۰۱۳ 
لو قُدّر لأخصام قوى الرابع عشر من آذار أن ينظّموا احتفالاً يحطّون فيه من قدر هذه القوى، لأبدعوا لهم احتفالاً أقل ضرراً من الذي أقاموه في قاعة "البيال" منذ أيام.

كان أمراً مضحكاً أن يبدأ الاحتفال بمقطع من كلمة قديمة جداً لوليد جنبلاط يهاجم فيها النظام السوري، ترى كيف سيكون المشهد لو حدث خطأ وأذيع مقطع آخر من الخطاب ذاته، طالته تقلبات زعيم المختارة؟

 حتى خطابات سعد الحريري السائح بين باريس والرياض، وسمير جعجع المشدود إلى مشروع "اللقاء الأرثوذكسي"، الذي أبعده عن حليفه "تيار المستقبل"، وأمين الجميل الباحث عن بصّارة تشير عليه مع من يتحالف، كانت تلك الخطب بدورها قديمة ومسجَّلة، وألقيت لوقت مختلف.

غابت "زعامات" 14 آذار كلها عن الاحتفال، ليس فقط لأن الأوضاع الأمنية هي التي تمنع لقاء هذه الرموز، بل لأن لكل طرف سببه الشخصي المانع للقاء، والقاطع لحبل الود الذي يبدو، كما بيّنت الأيام، أنه لم يكن إلا ظرفياً ومصلحياً، بعيداً عن الشعارات الرنانة التي استهلكتها الأيام، حتى أن بعض المراقبين لم يجد غضاضة من القول إنه مجرد احتفال "فوتو كوبي" في كل ما شهده من حضور وكلمات.

بحث منظمو الاحتفال عن "قضية" وعن خطباء، فلم يجدوهم إلا في خطب قديمة مستهلَكة لم تعد تعبر عن حقائق المرحلة وتحدياتها والمواقف منها، وفي ذلك اعتراف بصعوبة لقاء القيادات واجتماعها على برنامج جديد.

كان احتفالاً باهتاً غابت عنه رموزه، فاستعيض عنهم بعيّنة عشوائية من شباب وصبايا جمهورهم، وغاب الجمهور، فاستعيض عنه بلوحة تصور الجمهور "السابق"، وبوجوه سياسية وفاعليات كلها من الصفوف الخلفية، باستثناء الرئيس فؤاد السنيورة، الذي حاول تقمّص دور الزعامة الشعبية التي تلوّح بيديها للجماهير، متجاهلاً أنه لم يكن شخصية شعبية ذات يوم، وفي ذلك اعتراف بعدم القدرة على "استحضار" الجمهور والقيادة المتفاعلة معه.

أما الخطب، فكلام مغترب عن الواقع الذي آلت إليه أمور قوى الرابع عشر من آذار، التي جعلها الاستحقاق الانتخابي تتخبط ما بين قانون الستين، والخمسين دائرة ومشروع "اللقاء الأرثوذكسي"، وتبحث عن شعارات جرفتها الرياح العابثة في المنطقة، فبات كل طرف فيها يخوّن الطرف الآخر على قاعدة "يا روح ما بعدك روح".
غابت رموز 14 آذار فحضر مكانهم 14 خطيباً من جمهورهم يتحدثون خبط عشواء؛ كل يغوص في هواجسه الشخصية، بل تتناقض بعض شعاراتهم ومطالبهم مع السياسات التي تؤمن بها قياداتهم، إذ كيف تطالب دعاة الخصخصة مثلاً بتأمين المدرسة الرسمية ومجانية التعليم والطبابة وحق العمل؟

 كان من حظ المحتفلين والحضور أن هذه القوى لم تكن تسمى قوى 30 آذار، وإلا لكان الخطباء ثلاثين!
لم يتنبه بعض المتكلمين في دعوتهم إلى "رفض الطائفية والمذهبية" أن مرجعياتهم هي التي شجعت ومولت ورعت المتطرفين والمذهبيين، الذين حوّلوا البلد إلى متاريس جاهزة لإشعال الحرب الأهلية.. هل يصدق عاقل أن تحالفاً بعينه يجمع بين من يدعو إلى "مدنية الدولة" وبين من يدعو إلى "إحياء دولة الخلافة" في وقت واحد؟ ألم يقل سمير جعجع "ليحكم الإخوان"؟ وهل يعقل أن تكون "مواجهة إسرائيل بالكلمة" برنامجاً سياسياً؟ لعله هذيان سياسي يعبّر عن وصول هذه القوى إلى أرذل العمر، مما جعل خطابها مجرد "زهايمر سياسي".

كان احتفال "البيال" مشهداً فولكلورياً، بل حفل هروب نحو المجهول، تجنباً للاعتراف بأن ما زرعته قوى 14 آذار في ما سمي "ثورة الأرز" من تحريض طائفي ومذهبي، ومن شعارات لم يصدقوا في تبنيها، ومن تبعية لصديقهم "جيفري فيلتمان" وأمثاله، أنتج واقعاً لم يتوقعوه، وإن حاولوا استغلاله والاستفادة منه، لكنه في المحصلة انتزع منهم الشارع والساحة والمنابر، التي باتت معقودة لمتطرفين أمثال أحمد الأسير وداعي الإسلام الشهال وخالد ضاهر ومعين المرعبي، على الرغم من محاولات أحمد الحريري الفاشلة لتقليدهم.

هو مشهد ينطلق من قول مأثور: "الزمان كأهله، وأهله كما ترى"، لعل "حركة اليسار الديموقراطي" إحدى القوى المؤسسة لهذا التجمع، فسرته في بيان انسحابها من الاحتفال، عندما اتهمت بعض منظميه بأنه "لا يحتمل الرأي المختلف"... مسكين لبنان!
رأیکم