أماني تل أبيب وخيارات طهران.. هل يرتكب ترامب حماقة استراتيجية ضد إيران؟

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۵۷۸۴
تأريخ النشر:  ۱۱:۲۷  - الأربعاء  ۱۸  ‫أکتوبر‬  ۲۰۱۷ 
رغم أن تصريحات دونالد ترامب كانت محل جدل كبير أثناء حملته الانتخابية، وكانت تثير الكثير من السخرية لدى المتابعين، إلا أنها تعود إلى الواجهة اليوم من أجل فهم الخطوات التي يمكن أن يُقدم عليها الرئيس الأميركي. لا شك أن إطلاق العنان للوعود أثناء الحملات الانتخابية لا يعني أكثر من محاولة جذْب أكثر ما يمكن من الناخبين. غير أنها بعد الوصول إلى البيت الأبيض تصبح مقياساً لمعرفة مدى وفاء الرئيس بها، ويصبح التعامل معها أكثر جديّة.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء-سيكون حدثاً مفصلياً تترتّب عليه تداعيات كثيرة، إذا قرّر الأميركيون إلغاء الاتفاق النووي مع إيران خلال شهرين من الآن. ستخسر أميركا ما تبقّى لها من مصداقية حتى لدى أصدقائها الأوروبيين الذين عارضوا خطوة ترامب. فأميركا التي ترى نفسها قوة عظمى، ستؤكد مرة أخرى أنها دولة لا تحترم عهودها. وستطرح، من جديد، أسئلة حول ادّعاءات هذه الدولة في حفظ السلام الدولي، وأخرى عن دور المؤسسات في أميركا وحقيقة القرارات الجاهزة التي لا تحترم عهود المسؤولين السابقين.

وعندما يبدي الأوروبيون امتعاضاً كبيراً من موقف ترامب، فإن ذلك يعني أنهم يخشون التداعيات الخطيرة التي سيفرزها إلغاء الاتفاق والتي ستزيد من احتمالات الحرب كما قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل.

يعارض الأوروبيون إلغاء الاتفاق ليس لأنهم كانوا طرفاً فيه فحسب، وإنما أيضاً لأن الإلغاء يعني خسارة اقتصادية كبيرة. فإيران سوق ضخم، والأوروبيون يستفيدون كثيراً من علاقاتهم الاقتصادية معها. كما أنهم يعرفون قدرات إيران العسكرية الكبيرة والتي يمكن أن تهدّدهم لو اندلعت الحرب.

لا شك أن إيران سيلحقها الأذى الاقتصادي إذا أُلغي الاتفاق، غير أن ما سيلحق بالولايات المتحدة أشد بكثير. فهي ستدفع تكاليف التوتّر ملياراتٍ من الدولارات من أموال دافع الضرائب. وسيضطر البيت الأبيض إلى اتخاذ احتياطات أمنية إذا تم تمزيق الاتفاق لمواجهة أية مخاطر أمنيّة محتملة في الداخل وعلى أرض الواقع أو في مواقع الأنترنت والتواصل الاجتماعي. وهذه الاحتياطات لا شك أنها مُكلفة. بل إن تلك الإجراءات ستكون تعدياً على الحريات العامة للناس وستُخَفّض نسبة الانسياب في الحركة الاقتصادية.

وبسبب ذلك، أيضاً، ستضاعف الولايات المتحدة عملياتها التجسسيّة على الأراضي الإيرانية لتحرّك المزيد من الجواسيس والعملاء من أجل رصْد مختلف النشاطات النووية والعسكرية الإيرانية. كما ستضطر لتكثيف دورياتها البحرية في الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي..

خيارات طهران

ليس أمام طهران سوى خيارين لا ثالث لهما؛ إما مواصلة الالتزام بالاتفاق النووي أو السير على خطى كوريا الشمالية والمضي في تطوير برنامجها النووي. تبدو حكومة الرئيس روحاني أقرب إلى الموقف الأول من أجل سحب أيّة مبرّرات أمام واشنطن يمكن أن تستخدمها لارتكاب عدوان ضد طهران. غير أن هناك تياراً قوياً في إيران يمكنه الدفع نحو الاتجاه الثاني والسير في طريق التخصيب وتطوير القدرات النووية. ومبرّر هذا الاتجاه هو أن واشنطن لا تفهم إلا لغة القوة ولا يمكن ردعها إلا من خلالها.

لم يكن الاتفاق مرضياً ولا مريحاً للتيار المحافظ في إيران الذي كان يرى في أميركا دولة لا تلتزم بتعهّداتها. وهو يراهن على أن التهديدات الأميركية فارغة ولا يمكن تنفيذها بسبب تعقيدات الظرف الدولي والمشاكل الاقتصادية، والأهم من ذلك يؤمن هذا التيار أن أميركا لا تهاجم عادة، بشكل مباشر، إلا الدولة التي تراها ضعيفة. وهي لا تجرأ على مهاجمة الأقوياء إلا من خلال وكلائها.

ولو تجرّأ ترامب على الدخول في حرب ضد إيران فإن أميركا تعلم جيداً حجم الوجود الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، وهو ما يعطيها القدرة على إشعال المنطقة تحت أقدام الأميركيين بصواريخها وبمساعدة حلفائها. وفي هذه الحال فإن إسرائيل نفسها وكل حلفاء واشنطن في المنطقة مثل السعودية، تصبح جميعاً في مرمى الصواريخ الإيرانية. ولن يقتصر الأمر على الصواريخ البالستية الإيرانية بل إنه سيشمل عشرات الآلاف من الصواريخ القصيرة والمتوسّطة التي تمتلكها المقاومة في لبنان وفلسطين والتي لن تقف متفرّجة.

تتحجّج واشنطن بتجارب إيران الباليستية التي تعتبرها انتهاكاً لروح الاتفاق النووي وتعتبر مضايقة حركة القِطَع البحرية الأميركية في الخليج نوعاً من التحدّي الذي يمكن أن يوقف الوعود الأميركية ، بوقف تنفيذ جميع العقوبات الاقتصادية على إيران والعمل على إلغاء عقوبات الكونغرس ، ووقف الضغوط على المؤسسات المالية المتعاونة مع إيران.

غير أن الإيرانيين يردّون بأنه لم يتم إدراج بند بعنوان "روح الاتفاق النووي" في نص الاتفاق. والسبب هو ادّعاء المفاوض الأميركي أن حكومته لا يمكنها رفع عقوبات فرضها الكونغرس، بل يمكنها فقط تعليق تنفيذ هذه العقوبات. وهذا ما جعل الوفد الإيراني يعطي وعوداً شفهية فقط، فالمفاوضات بالنسبة له جرت لحل الخلاف النووي فحسب، وأيّ بحث في أمور أخرى لا يُنتج سوى عرقلة الوصول إلى اتفاق.

أماني تل أبيب

أكثر ما يُفزِع الإسرائيليين هو عودة إيران إلى نشاطها النووي رغم تأييدهم قرار ترامب. فطهران لا تبدي أيّ استعداد لإعادة التفاوض أو إضافة أي شيء للاتفاق. وهي بذلك لن تتأخّر في استئناف تخصيب اليورانيوم وتكثيف نشاطها النووي. وإذا كان الغرب قد استفاد من الاتفاق في تأجيل النشاطات النووية الإيرانية لسنوات، فإن الإلغاء سيقضي على أهم إنجاز غربي.

تريد إسرائيل دفع الأميركيين إلى تمزيق الاتفاق ومهاجمة إيران حيث كانت منذ البداية ضد الاتفاق. فهي تتمنّى تدمير المنشآت النووية الإيرانية والقضاء على برنامجها النووي بالكامل. لكن تلك الأماني أصبحت الآن من الماضي. وعودة إيران هذه المرة إلى نشاطها النووي ستكون مقبولة لدى جهات كثيرة. ستجد دول عديدة المبرّر لإيران في استعادة حيويتها النووية، وسيكون موقفها أكثر قوة وعمقاً وإقناعاً في المنابر الدولية.

تمزيق الاتفاق يعطي أيضاً لإيران الحجج الكافية لإقناع العالم أنها لم تستهدف أحداً ببرنامجها النووي السلمي. ولن يكون الغرب بالحماس نفسه الذي أبداه تجاه البرنامج النووي الإيراني. وحتى في الداخل لن تواجه الحكومة ضغطاً شعبيا ًللاستجابة للمطالب الغربية بعد أن أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة لا تحترم عهودها.

بل إن الولايات المتحدة لن تنجح في حشد دول أخرى في مواجهة إيران إذا ألغت الاتفاق. وسيفتح ذلك الباب أمام طهران لتلقّي المزيد من الدعم الروسي والصيني سياسياً ودبلوماسياً حيث سينتهي مجلس الأمن أن يكون مكاناً لاستصدار قرارات ضد إيران. وهذا يعني في النهاية ترسيخ واقع التحالف الروسي الصيني الإيراني في مواجهة الحلف الأميركي الإسرائيلي.

ما يفعله ترامب بخصوص الاتفاق النووي الإيراني ليس إلا جزءاً من الصورة الجديدة التي تحاول الولايات المتحدة أن ترسمها للمنطقة. ولن يكون إلغاء الاتفاق النووي إذا حدث سوى ورقة إضافية ترمي بها واشنطن ليس لمحاصرة طهران فحسب، وإنما لإحداث ما يشبه تداعي قطع الدومينو. فبعد إعلان الرئيس ترامب استراتيجية شاملة ضد إيران ترك لنفسه مهلة ستين يوماً سيستهدف خلالها أصدقاء طهران، وسيدعم بقوة تحت الطاولة الانفصاليين الأكراد لمحاولة إحداث تغيير سياسي شامل في العراق.

 

 

المقال بقلم: قاسم شعيب،كاتب وباحث تونسي

انتهی/

رأیکم