الشيعةُ والسنةُ ... تواصلٌ أم قطيعةٌ-بقلم السيد حسن النمر الموسوي

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۷۲۳
تأريخ النشر:  ۱۳:۴۶  - الثلاثاء  ۰۹  ‫أبریل‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
فلماذا يغلب التوترُ والتشنجُ على العلاقة المذهبية بين المسلمين (الشيعة والسلفيين تحديداً)، وتبعاً لها العلاقة السياسية وأختها الاجتماعية ...؟! وهل ثمة إمكانيةٌ لتحسين هذه العلاقة أو على الأقل التخفيفُ من توترها وتشنجها ؟! وإن أمكن ذلك فما هي الآلياتُ المطلوبةُ ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم       الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد خاتم النبيين والمبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:   هذه أسئلة ثلاثة أعتقد أن أياًّ منا، أعني نحن الشيعة وإخواننا السنة عموماً والسلفيين خصوصاً، لمْ نواجهها بما تستحق من اهتمامٍ؛ إذا استثنينا بعض الجهود التقريبية التي قوبلت برفضٍ معلَن تارةً وصامتٍ تارةً أخرى.   وأعتقد أنها أسئلة جوهرية ومحورية، ولا يصح التنكرُ لها أو التهوينُ من شأنها ما دامت كذلك.أقول ذلك لأسباب كثيرة، منها:   1- أن توترَ العلاقة المذهبية لا يقف عند حدود الأفكار وتباينها، حول هذا الموضوع أو ذاك، بل تتعداها لتلامس الواقع اليومي للناس وتفسد عليهم تواصلهم الذي كان يجب أن يسوده الوئام والسلام، ليقع في براثن البغضاء والخصام، الأمر الذي يتيح لسفهاء الداخل وأعداء الخارج أن يستغلوه للإضرار بالطرفين معاً. 2- أن عجزنا عن التكيف مع الاختلافات بين الفريقين يكشف عن خللٍ كامنٍ في منظومة التفكير السليم؛ التي يفترض بها ضمانُ حقِّ الفرد في اختيار قناعاته وفي الوقت نفسه ضمانُ حقِّ الآخر أن يختار قناعاتِهِ، لأننا نختلف حول أشياء لكننا بالتأكيد نلتقي على أشياء أيضاً   3- إن المفروض بهذا الجامع، أو الجوامع والمشتركات، أنه كفيلٌ بتأمين أسباب التعايش بين المختلِفِين بالقدر الذي يزعم فيه الطرفان قدرتَهما على التعايش مع مَن لا يتدين بدين الإسلام، فكيف يعجز المسلِمانِ المختلِفان عن التعايش في ما بينهما مع أن الفوارق بين هذين المختلِفين؛ الشيعة والسنة، هي فوارق بين أهل مذهب ومذهب آخر ضمن دين واحد ؟!   4- أن الضرر جراء توتر العلاقة بين المختلفِين يرجع بالسوء على مسيرة الإسلام داخلياًّ وخارجياً.   أ– أما داخليا، فلأن غير المتخصصين في الشؤون الشرعية ليسوا سواء، بل هم أصناف:   فمنهم القادر على التأمل والتفكير، تبعاً لمستواه الفكري والثقافي العام في حقول معرفية أخرى، لم يعد يتقبل هذه الخصومات المذهبية بين منسوبي الشؤون الشرعية؛ من علماء وطلبة علم، الأمر الذي يدفع بهذا المتأملِ إلى الحكمِ عليهم - جميعاً - بالتخلف، أو الحكمِ على المعارف الإسلامية بأنها السبب في ذلك، ونحوِ ذلك من أحكام سلبية ليست صحيحة في تقديرنا.   ومنهم العاجز عن التأمل والتفكير المستقل، وهم الغالبية العظمى من أبناء الأمة، وهؤلاء - عادةً - يحسنون الظن في علمائهم، في البلد أو المنطقة ...، لينتهي بهم الحالُ إلى الانخراط في معارك مَن اتبعوهم دون أن يكون لهم فيها أمرٌ ولا نهيٌ ولا ناقة لهم فيها ولا جمل.   ***   ولنرجع إلى أسئلتنا التي صدَّرنا بها المقالة:   وأولها:لماذا يغلب على العلاقة المذهبية بين المسلمين(الشيعة والسلفيين تحديداً)التوترُ ؟!   وللإجابة عن هذا السؤال أقول:   إن هنا مستويين يجب ملاحظتهما:   المستوى الأول:البعد النظري للاختلاف   إن من الواجب التأكيد على أن الحكمة تفرض -أولاً-التسليمَ بوجود فوارق في تفسير الإسلام، عقيدةً وفقهاً، كان السبب فيها، أمور تدور حول تعدد المصادر المعرفية ، نذكر منها:   أولاً:الاختلاف في تفسير القرآن الكريم والقرآن الكريم، هو المصدر الذي لا يختلف المسلمون على أنه لم يُزد فيه آيةٌ ولم يُنقَص منه آيةٌ(1)، لكنهم اختلفوا في مناهج تفسيره، بين من اقتصر على ما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله)وعن آله (عليهم السلام)، كما نجده عند الأخباريين والمحدثين من الشيعة، ويقابله عند السنة السلفيون الذين آثر كثيرٌ منهم الاقتصار على ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)وأُثر عن الصحابة والتابعين في تفسيره، وبين من لم يقتصر على ذلك من الشيعة ومن السنة، وإن اختلفوا في أدوات التفسير ونصيب العقل في ذلك( 2).   ثانياً:الاختلاف حول مفردات السنة النبوية والسنة النبوية في ما يعرفه المسلمون جميعاً حجة على المسلم، وقد ثبت ذلك بالكتاب الكريم أولاً، وبالسنة المتواترة ثانياً، وبعمل المسلمين ثالثاً(3).غير أن هذه السنة التي اتفقوا عليها كأصل، لم يتفقوا عليها كتفاصيل، فقد نجد خبراً مروياًّ عن النبي (صلى الله عليه وآله)صحت نسبته عند فريق ولم تصح نسبته عند آخر، وبطبيعة الحال سيكون لهذا الثبوتِ وعدمِهِ انعكاسٌ على مضمونه المستنبَط منه( 4). وفي هذا الصدد نجد جمهور السنة، والسلفية خصوصاً، يرون في كتابي البخاري ومسلم أنهما صحيحان(5)؛ ومن ثَمَّ فلا مجال للمناقشة في ثبوت ما جاء فيهما من أحاديث(6)، وهذا الجمهور -مضافاً إلى ذلك -لا يعتد؛ لدواعٍ كثيرةٍ، بما رواه الشيعةُ من أحاديث، بينما جمهورُ الشيعة لا يرى في أي من جوامع الحديث عنده، بما في ذلك أهمها وهو أصول الكافي وفروعه للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، صحيحاً(7)، بل إنهم، ما عدا جماعة من الأخباريين(8)نُسب إليهم ذلك وصرح به بعضُهم( 9)، يناقشون – أعني جمهور علماء الشيعة الإمامية -ما في كتاب الكافي وغيره خبراً خبراً، والشيعة-مضافاً إلى ذلك -لا يعتدون بما رواه السنة في جوامعهم الحديثية ما لم يتوافق مع المعايير المنهجية والضوابط العلمية التي توافقوا عليها وذكروها في مصنفاتهم.   مع أن فريقي السنة والشيعة يتفقان على مضامين بل نصوص كثير من الأحاديث وقد سعى بعض الفضلاء في جمع بعضها في أبواب محددة؛ كالجهود التي بذلها العلامة الشيخ محمد علي التسخيري والعلامة الشيخ محمود قانصوه في بعض ما قاما به بالاشتراك في سياق الجهود التقريبية بين أتباع المذاهب، وطبع تحت عنوان (سلسلة الأحاديث المشتركة)، كما أنهم يشتركون في كثير من رواة الحديث تجد أسمائهم في كتاب (الرواة المشتركون بين السنة والشيعة)لمؤلفه الأستاذ حسين عزيزي وآخرين. علماً أن هذا الاختلاف في ثبوت هذا الحديث أو ذاك وعدمه، يمكن أن يحصل، بل إنه حصل بالفعل، داخل المذهب الواحد.فقد تجد خبراً محكوماً عليه بالثبوت والاعتبار عند عالم وهو غير ثابت أو محكوم عليه –تارةً – بالوضع عند عالم آخر من أتباع المذهب نفسه.والشواهد على ذلك كثيرة(10). وكنموذج على ذلك اختلافهم حول ما يرتبط بموضوع المقالة وهو حديث (اختلاف أمتي رحمة(11))    ثالثاً:الإجماع وقد اشتهر بين علماء المسلمين، بالخصوص علماء أصول الفقه(12)، أن الإجماع مصدر معرفي لاستنباط الأحكام الشرعية، وقبل ذلك في الإيمانيات /العقائد، وهذا الإجماع هو الآخر قد يكون سبباً من أسباب الاختلاف، وذلك إذا تحقق حصوله عند أتباع مذهب ولم يتحقق عند أتباع مذهب آخر. فإذا صرنا بصدد تفسير الإجماع وشروطه فسيضاف إلى موجبات الاختلاف سببٌ أو أسبابٌ، لمكان اختلافهم في تفسيره وفي شروطه، ولا ينبغي الاغترار بكل ما يسمى إجماعاً وإن حكاه عالم جليل؛ ما لم يتبين لنا طبيعة مدعاه ومناشئه(13).   د-أما العقل، الذي يمكن تصنيفه – على تفصيل -كمصدر من مصادر المعارف الدينية، فقد تباينت الرؤى فيه، بين من يقبل العقل كمصدر بدون تحفظ بل يقدمه على النص بتوسع كبير، وبين من يرده بدون تحفظ حتى رفض تأويل النصوص وإن ظهر بينها وبين العقل تعارضٌ واضحٌ، وبين التيارين جماعات وفئات.   والاختلاف في استقلال العقل بإدراك الحسن والقبح بين المعتزلة والشيعة المثبتين له من جهة والأشاعرة وأهل الحديث النافين له من جهة أخرى معروف ومشهور.   وقد ترتب على التباين في الرأي حول العقل وقدراته وتفعيله بعضُ الاختلاف والتباين في العقائد والفقه والفكر عموماً.   هذا على مستوى النظرية، وذلك عند اتفاقهم على مصادر المعرفة الدينية من كتاب وسنة وإجماع وعقل.   المستوى الثاني:الاختلاف التطبيقي   أما على مستوى التطبيق والاستنباط فستتدخل القدرات الذاتية للفقيه وشارح النص القرآني أو الروائي (السنة)، إذ إنهم ليسوا سواء، فكرياًّ ونفسياًّ واطلاعاً، ففيهم المتقدم في قدراته وفيهم المتواضع وبينهما مراتب.ولعل هذا هو السبب الجوهري والرئيس للاختلافات بين علماء المذهب الواحد.   فإذا سلَّمنا بوجود هذه الفوارق وموضوعيتها، فإن القفز عليها والتنكر لها والتهوين منها لفرض رأي واحد وقراءة واحدة للإسلام، دون التسليم بلزومية هذا الرأي وهذه القراءة، سيكون أمراً غير واقعي، وسيجد من يتبنى الإلزام بها نفسه واقعاً في أتون استبداد يسعى إلى فرضه، بطريقة أو بأخرى، وسيكون سعيه هذا سبباً من أسباب التوتر.   لذلك نرى أن من الضرورة الإقرارَ بواقع التعددية ومشروعيتها، وبضرورة التعايش وسننيته، ومن يصر على أن تفسيره -وحده– هو الذي يصح نسبته للإسلام وما عداه لا يعدو كونه ابتداعاً وانحرافاً بل وقد يرقى إلى كونه مروقاً، وهذا ما لا يعلنه أحد من العلماء الأكفاء.   كما نرى أن بين التشيع والتسنن، بما في ذلك التفسير السلفي، مجموعة من الضرورات والثوابت، تكفي للحكم على جميع هذه القراءات المذهبية بأنها (إسلامية)ما دامت تعتمد الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وإن اختلفوا في مناهج التفسير والشرح لهما، أو مناهج الإثبات لمفردات السنة النبوية.   ونرى– بكل اطمئنانٍ -أن مَن يصر على إخراج هذ القراءات من(إسلاميتها)بالمطلق، وبداعي اطمئنانه ببطلانها وانحرافها، لا يملك دليلاً علمياًّ يمكنه الصمود أمام المناقشة الموضوعية، وإن كان له الحق في الحكم عليها بالخطأ ومجانبة الحقيقة.   وللأسف فإننا نجد أن أصحاب هذا المنهج، المحتكِر للإسلام والممارِس للوصاية على الآخرين، يعمدون – تارةً – إلى المراوغة إذا ما ووجهوا بهذه الحقيقة (إسلامية الرؤى الأخرى)، ويعمدون -تارةً أخرى – إلى أساليب تتركز على التأليب والتحريض والتشتيت ...يُخاطَب بها جماهير العوام وغير المطلعين كل ذلك لخدمة أغراض لا تمت إلى العلم والحقيقة والحق بصلة.   وأما ثاني التساؤلات الذي صيغ هكذا:هل ثمة إمكانيةٌ لتحسين هذه العلاقة أو على الأقل التخفيفُ من توترها ؟!   فإني أحسب المسؤولية الفكرية والأخلاقية تُلزم حاملَها أن يكون وسطاً بين التفاؤل والتشاؤم، حتى لا يقع فريسة لوهم الوردية بعيداً عن واقع التعقيدات والحُفَر التي فرضت نفسها، أو فُرِضت، على الأمة أفراداً وجماعات، وحتى لا يقع أيضاً فريسة لأحبولة السوداوية التي تتلازم والقراءة المتشائمة للواقع بعيداً عن فرص عديدة، وإن قلَّت، تمثل بوارق أمل للخروج من شرنقة القطيعة بين أبناء الأمة.   وهذا التوسط يُلزم مَن يتبناه ويتمناه أن يسعى للنأي بنفسه على مستوى ثلاثة هي (التفكير والشعور والتعبير)عن كل ما من شأنه تأكيد القطيعة بين المختلِفين، عبر السعي الجاد والتصرف الحكيم؛ من خلال مسارات ثلاثة:   المسار الأول، ذي الطبيعة الفكرية، وهو :جعل كل مسألة في إطارها وسياقها ومستواها دون تضخيم ولا تقزيم.ومعالجتها بعلمية تامة وموضوعية متناهية.   ولو أن منهج الموضوعية والعلمية هو السائد لشاع بين الناس روح التسامح، الذي يكفل لكل طرف أن يتمذهب بهذا المذهب أو ذاك ويتبنى هذا الرأي أو ذاك دون حالة التشنيع والتخاصم ثم التنازع انتهاء بالفجور في الخصومة وما لا يحمد عقباه بين من يعبدون ربا واحداً ويعتقدون بنبي واحد ويصلون إلى قبلة واحدة.   المسار الثاني، ذي الطبيعة النفسية، وهو :استشعار الانتماء إلى الأمة في عين الانتماء المذهبي، للتسنن بأطيافه وتياراته أو للتشيع بأطيافه وتياراته.   المسار الثالث، ذي الطبيعة الفنية، وهو :انتقاء التعبيرات المناسبة لحفظ الأخوة بين المسلمين وتأكيد انتمائهم جميعاً للإسلام، وتجنب التنابز تماماً، وكمثال على ذلك ما نسمعه ونقرأه من تنابز مذموم يتمثل في وسم بعض الشيعة للسنة بأنهم (نواصب)، ووسم بعض السنة للشيعة بأنهم (روافض).   ولو احتيج إلى وصف المخالف، وهو ما لابد منه في مجال التمييز بين أًصحاب رأي ورأي آخر، فليكن بنحو الوصف والتعريف دون النبز والاحتقار، مع حفظ حق الطرف الآخر بفعل ما هو مشابه له باحترام ونبل.   والذي نراه، حسب متابعتنا القاصرة، لشرائح كثيرة ممن تصدرت مشهد العلاقة المتوترة بين الشيعة والسنة، هو أنهم – إلا من عصم الله تعالى -لا يحسنون تنظيم سلوكهم، على تفاوت بينهم، في ما يتعلق بالمسارات الثلاثة.   وإن أمكن ذلك فما هي الآلياتُ المطلوبةُ ؟!   بملاحظة ما تقدم، أزعم أنها كثيرة جداًّ، وهي لا تختلف عن آليات المعالجة لأي خلاف واختلاف بين فردين أو مجموعتين في أي مسألة تتباين فيها الروايات والرؤى، وقد دوِّن في ذلك الكثير من الكتب والدراسات والبحوث والمقالات، كما أن المجامع والمؤسسات التقريبية الوحدوية كفيلة بالعمل في هذا الاتجاه ...   غير أنني وبكل ألم أقول:لن يجدي شيء من ذلك ما دام بين هذا الفريق أو ذاك الفريق، أو في كليهما، مَن له مصلحة في صَبغ العلاقة بين الشيعة والسنة بالتوتر والتشنج، وله غاية استبدالِ (القطيعة(بـ)التواصل(، كما فعل بنو إسرائيل -من قبلُ -باستبدال المن والسلوى بالبصل والقثاء والفوم}أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر{البقرة/61، لأنه يرى ويعتقد أن التواصل يشكل القاعدة التي لا دور له فيها ولا تتحقق مصالحه على أساسها.   فإذا أضفنا إلى ذلك أن هؤلاء الرافضين، بطريقة أو بأخرى، لفعل التواصل بين الشيعة والسنة، يملكون قدرات كبيرة تتوزع بين المال والمنبر الديني والإعلام ...وقد سخروا شطراً كبيراً منه للتلاعب بالواقع والوقائع لتصوير أن لا حل للخلاف بين الشيعة والسنة إلا الصهر فإن لم يجدِ ذلك فليس سوى القهر وما يستتبع هذا وذاك من مآسٍ ونكبات. وأنا على ثقة واطمئنان بأن دعاة )القطيعة(هؤلاء سينقرضون، اليوم أو غداً، وفكرهم معهم، لأن البشرية تتجه نحو الوئام وليس الخصام، فالدعوة إلى )القطيعة(منافية للفطرة خلاف )التواصل).وبلغة القرآن الكريم فإن العاقبة }لِلتَّقْوَى{طه/132، وهي أيضاً }لِلْمُتَّقِينَ{هود/49، وقاعدة التقوى والمتقين تتمثل في }وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا{البقرة/83.وهي تقوم على أساس }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين{النحل/125.والقطيعة بين المسلمين ليست صيغة من صيغ الحسن وليست مصداقاً من مصاديق التقوى.ومن لم يكتشف ذلك اليوم فسيكتشفه غداً ومن لم يتعظ قبل البلاء فسيتعظ بعده، و }لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{الروم/4-5.   وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.   السيد حسن النمر الموسوي   المملكة العربية السعودية /الدمام   www.Al-nemer.net (1)وأما القول بتحريفه لفظاً فقد اتفقت الأمة أخيراً على استبشاعه ونفيه، وإن أصر بعض الأطراف على رمي خصومه بها. والذي أعتقده أن حرمة القرآن الكريم كفيلة بإسدال الستار على هذه السقطة وكف الألسن عنها ما دام الجميع يراها تهمة ينفيها عن نفسه. ولتعالَج النصوص التي تفيد ذلك، عند السنة والشيعة، بالنفي أو التأويل المناسب لحفظ قداسة القرآن. وجزى الله خيراً من ألف في نفي ذلك من الشيعة والسنة، وأصلح من لا يزالون يشنعون بها ظناًّ منهم أن ذلك يصب في مصلحتهم على حساب خصومهم المذهبيين، في حين أن من يصر على إثارتها كذلك يقدِّم من حيث يشعر أو لا يشعر مادةً لأعداء الإسلام والمسلمين للطعن في القرآن والتشويش على أذهان أبناء الأمة، وهذا ما نجده عند بعض الكتاب من مستشرقين وغيرهم، وبعض وسائل الإعلام التنصيرية خصوصاً، والمشتكى إلى الله.  (2)للتوسع في هذه النقطة يراجَع كتاب (مناهج التفسير)للشيخ جعفر السبحاني، وكتاب (مناهج التفسير واتجاهاته) للدكتور محمد علي الرضائي، وكتاب )التفسير والمفسرون)للشيخ محمد حسين الذهبي، وكتاب (من الطبري إلى سيد قطب/ دراسات في مناهج التفسير ومذاهبه( للدكتور إبراهيم عوض.  (3)انظر كتاب) الأصول العامة للفقه المقارن)للسيد محمد تقي الحكيم، وكتاب)حجية السنة) للدكتور عبدالغني عبدالخالق. (4)ولذلك أسباب كثيرة عولجت في عدة علوم ومن زوايا مختلفة، فالمتكلمون – مثلاً - قاربوا السنة النبوية من زاوية تلتقي مع ما قاربها الفقهاء والمحدثون وغيرهم، لكنها تختلف عنها من زويا أخرى ... وتشعب الحديث في ذلك واتسع بما لا تتسع المقالة لاستيفائها، وننصح بقراءة المطولات والمختصرات في مادة تاريخ السنة والفكر الإسلامي، وكنموذج على ذلك كتاب (بحوث في تاريخ السنة المشرفة)، للدكتور أكرم ضياء العمري، وكتاب(دراسات في الحديث والمحدثين) للسيد هاشم معروف الحسني، وكتاب) تاريخ الإسلام الثقافي) للباحث صائب عبدالحميد و بحثه المختصر)تاريخ السنة النبوية)، وكذلك(تدوين السنة النبوية)لمحمد مطر الزهراني وكتاب (تدوين السنة الشريفة)للسيد محمد رضا الجلالي. (5)قال ابن حجر :   وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس، قال: سمعت البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه. فسألت بعض المعبِّرين، فقال لي: أنت تذب عنه الكذب. فهو الذي حملني على إخراج (الجامع الصحيح فتح الباري ج 1 ص 7.   وقال النووي :   وأصح مصنف في الحديث، بل في العلم مطلقاً، الصحيحان للإمامين القدوتين ابى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى رضى الله عنهما) شرح النووي على مسلم ج 1 ص 4.   وقال ملا خاطر:   فالذي يرويه البخاري ومسلم – رحمهما الله تعالى – مقطوعٌ بصحته. وعلى ذلك جرى كلام أهل العلم والمحدثين والفقهاء وغيرهم) مكانة الصحيحين ص 114.) 6)انظر كتاب (مكانة الصحيحين( للأستاذ خليل إبراهيم ملا خاطر. (7)قال السيد هاشم معروف الحسني:   لقد وقف علماء الشيعة من الكافي موقفا يمكن أن يكون بالقياس إلى موقف السنة من صحيح البخاري سليماً وبعيداً عن المغالاة والإسراف؛ فلم يتنكروا لحسناته، ولم يتجاهلوا ما فيه من السيئات والنقص الذي لا يخلو منه كتاب مهما اتخذ المؤلف الحيطة لإخراجه كما يريد ويحب) دراسات في الحديث والمحدثين ص 130 ط دار التعارف.  (8)مصطلح يطلق على جماعة من علماء الشيعة الإمامية اختاروا منهجاً استنباطيا يرتكز في أساسه على الحديث، على غرار ما هو معروف عند السنة بأهل الحديث، ويقابلهم الأصوليون، وثمة فوارق منهجية بينهما ضُخمت وتسببت في حوادث مؤسفة غير أن الله تعالى وفق الطرفين لطي الملف. وممن كتب في تبيان الفروق بإيجاز وإنصاف سماحة السيد محمد سعيد الحكيم(معاصر)في رسالة له بعنوان (الأصولية والأخبارية بين الأسماء والواقع) موجود بهذا العنوان على الشبكة العنكبوتية. (9)وقد عقد الملا محمد أمين الإسترآبادي فصلا خاصا بتصحيح الكتب الأربعة (الكافي للشيخ الكليني، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، والتهذيب، والاستبصار وكلاهما للشيخ الطوسي (في كتابه (الفوائد المدنية) وتابعه في هذا القول عموم الأخباريين، وقد رد عليهم جمهور الأصوليين ذلك، قال الإمام الخوئي : ذهب جماعة من المحدثين إلى أن روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور. وهذا القول باطل من أصله) ثم أخذ في سوق الأدلة على البطلان. معجم رجال الحديث ج 1 ص 22 الطبعة الخامسة.  (10)وهذه الشواهد تجدها بوفرة في مصنفات الفقهاء التي عُنيت بالاختلافات الفقهية وعلماء العقائد الذين تتبعوا مقالات الإسلاميين ممن استندوا في معتقداتهم على الآيات والروايات. (11)وعلَّق عليه ملا علي القاري بقوله:   حديث : اختلاف أمتي رحمة (زعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له لكن ذكره الخطابي في غريب الحديث مستطردا وأشعر بأن له أصلا عنده، وقال السيوطي أخرجه نصر المقدسي في الحجة والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم. ولعله خرِّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا والله أعلم)انتهى.   وقال الزركشي أخرجه نصر المقدسي في كتاب الحجة مرفوعاً، والبيهقي في المدخل عن القاسم بن محمد قوله وعن عمر بن عبد العزيز، قال: ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة.) قال السيوطي: وهذا يدل على أن المراد اختلافهم في الأحكام. وقيل: المراد اختلافهم في الحِرَف والصنائع؛ ذكره جماعة، فسبحان من أقام العباد فيما أراد.   وفي مسند الفردوس من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس - مرفوعاً - اختلاف أصحابي لكم رحمة.   وذكر ابن سعد في طبقاته عن القاسم بن محمد، قال: كان اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للناس. قلت: ومفهومه أن اختلاف غير هذه الأمة رحمة ونقمة.   ومما يؤيده معنى؛ وإن اختلف مبنى، حديث: لا تجتمع أمتي على ضلالة) رواه ابن أبي عاصم في السنة من حديث أنس، ورواه الترمذي من حديث ابن عمر؛ بلفظ: لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبداً. وفي مستدرك الحاكم عن ابن عباس رفعه: لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة. ورواه أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير، عن أبي بصرة الغفاري مرفوعاً في حديث فيه: سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها) انتهى ما ذكره القاري في كتابه الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، ص 109 الطبعة الثانية، الناشر المكتب الإسلامي.) 12)) انظر مبحث الإجماع في كتاب (الأصول العامة للفقه المقارن) للسيد محمد تقي الحكيم، وغيره من كتب أصول الفقه. قال القرطبي في كتابه (مراتب الإجماع) ص 7 : الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية يُرجع إليه ويُفزع نحوه ويكفر من خالفه) ثم استدرك بقوله (إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع)، وبيَّن بعد ذلك أنه بصدد جمع (المسائل التي صح فيها الإجماع) وهذا ما يفيد أن الإجماع منه ما هو صحيح ومنه متا هو صحيح، وأن الذي يعتد به إنما هو الصحيح فحسب. وبطبيعة الحال فإن التثبت من صحته وعدمه هو بحد ذاته مسألة اجتهادية، كما لا يخفى على طالب علم فضلاً عن عالم.  (13)وما أظرف ما قاله ابن حزم الظاهري في كتابه مراتب الإجماع عن بعض دعاوى الإجماع، ما هذا نصه:   وقد أدخل قوم في الإجماع ما ليس فيه:   ·         فقوم عدُّوا قول الأكثر إجماعاً.   ·         وقوم عدُّوا ما لا يعرفون فيه خلافاً إجماعاً وإن لم يقطعوا على أنه لا خلاف فيه.   ·         وقوم عدُّوا قول الصاحب المشهور المنتشر إذا لم يعلموا له من الصحابة مخالفاً. وإن وجد الخلاف من التابعين فمن بعدهم فعدوه إجماعاً.   ·         وقوم عدُّوا قول الصاحب الذي لا يعرفون له مخالفاً من الصحابة رضي الله عنهم وإن لم يشتهر ولا انتشر إجماعاً.   ·         وقوم عدُّوا قول أهل المدينة إجماعاً.   ·         وقوم عدُّوا قول أهل الكوفة إجماعاً.   ·         وقوم عدُّوا اتفاق العصر الثاني على أحد قولين أو أكثر كانت للعصر الذي قبله إجماعاً).   ثم عقَّ على كل ذلك بقوله:   وكل هذه آراء فاسدة، ولنقضها مكان. آخر ويكفي من فسادها أنهم نجدهم يتركون في كثير من مسائلهم ما ذكروا أنه إجماع وإنما نحوا إلى تسمية ما ذكرنا إجماعاً عناداً منهم وشغباً عند اضطرار الحجة والبراهين لهم إلى ترك اختياراتهم الفاسدة) وهو كلامٌ واضحٌ لا يحتاج إلى تعليق. وبالطبع فإن هذا الكلام لن يقبله الجميع لذلك نقده بعض العلماء  
رأیکم