ساركوزي واسوار اريحا... بقلم نواف الزرو

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۹۴
تأريخ النشر:  ۰۶:۲۳  - الثلاثاء  ۱۲  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۳ 
على نحو غير منتظر من جانبه بالذات، نظرا لعلاقته المتينة وتحالفه الاستراتيجي والايديولوجي مع”اسرائيل” والصهيونية .
فجر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي قنبلة من الوزن الثقيل في وجه”اسرائيل” ولوبياتها واصدقائها واثريائها، حينما فاجأ اجتماع الاثرياء والمتبرعين لاسرائيل في جنيف بدعوة المجتمع الدولي إلى "ممارسة الضغط على حكومة نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية”، وقالت صحيفة معاريف–: 27/01/2013-التي نقلت النبأ ان ذلك حدث عندما دعي ساركوزي لحضور اجتماع جمع الأثرياء وأصحاب الملايين المؤيدين لإسرائيل، حيث القى كلمة هاجم من خلالها، سياسة حكومة نتنياهو بشأن عملية السلام والاستيطان، وقال: "إسرائيل احاطت نفسها بأسوار أريحا ويجب أن نلغي هذه الجدران لانقاذها، ويجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لتجنب الكوارث، وإنشاء دولة فلسطينية فورا”، ووصف الحضور خطاب ساركوزي بالرهيب.
ويبدو ان ساركوزي اراد باستعارته مصطلح”اسوار اريحا” المقتبس من الكتاب المقدس، الاشارة الى اقدام”نتنياهو” على تطويق”اسرائيل”وعزلها عن المجتمع الدولي في ضوء اصراره على مواصلة الاستيطان والتهويد والاجرام ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، وهذا في الحقيقة امر مفاجىء، اذ لم يكن ليخطر بالبال ان يطلق ساركوزي انتقادا شديدا مثله لنتنياهو، ويشار هنا الى ان مدينة اريحا كانت-وفق الروايات- مغلقة مقفلة بأسوارها الشامخة بسبب بني إسرائيل، ولا أحد يخرج ولا أحد يدخل، وهي تمثل الإنسان المنغلق على ذاته، لا ينفتح قلبه بالأخذ والعطاء، إنما يكون كمدينة مغلقة ليس هناك من يخرج منها ولا من يدخل اليها، إنها منعدمة الحب”.
تنطوي شهادة ساركوزي الانتقادية على اهمية كبيرة امام الرأي العام العالمي، اذ تحمل نتنياهو مسؤولية الاخفاقات وعزلة”اسرائيل”، وهو انما يقترب كثيرا من واقع الكيان الذي يحاصر نفسه عمليا بالجدران الغيتوية، التي اقامتها”اسرائيل” ويقيمها نتنياهو منذ بداية ولايته الثانية قبل نحو اربع سنوات، فنتنياهو يعود بنا في تصريحاته المتتابعة حول احاطة الدولة-اي اسرائيل- بالجدران، الى تلك الفلسفة الحقيقية التي تقف وراء المشروع الصهيوني برمته منذ ان بدأ فكرة في عقول اقطاب الصهيونية، فالمسألة لم تبق جابوتنسكية فقط، بل ان المؤسسة الامنية الاسرائيلية بكامل هيئاتها وقادتها تتبنى فلسفة الجدران حول تلك الدولة الصهيونية، او حول المعازل الفلسطينية المختلقة على حد سواء، وحسب المعطيات فان "اسرائيل” تعود في السنوات الاخيرة الى استراتيجية "السور واالبرج” التي تبنتها التنظيمات الارهابية الصهيونية في فلسطين منذ ما قبل النكبة الفلسطينية، ولم تتوقف  تلك الدولة عن هذه الاستراتيجية الا بعد عدوان حزيران 1967، حيث انتصرت على الدول العربية المتاخمة في تلك الحرب، وتمكنت من اجتياح واحتلال المزيد من الاراضي العربية في الجنوب-سيناء- والشرق -الضفة الغربية-والشمال-الجولان-،  واعتقدت القيادات الاسرائيلية التاريخية آنذاك ان "اسرائيل” سترتاح اربعين عاما واكثر”، غير ان حسابات الحقل لم تأت على قدر حسابات البيدر الصهيوني، فانطلقت المقاومة الفلسطينية وانتشرت في الداخل الفلسطيني، وعلى امتداد الحدود العربية، كما ان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الاولى-1987، ثم اندلاع الانتفاضة الكبرى الثانية-2000، والانتفاضات العربية خلال العامين الماضيين، قلب الحسابات الاسرائيلية مرة ثانية، ما اجبر القيادات الاسرائيلية على استحضار ايديولوجيا واستراتيجية "السور والبرج” المرتبطة ارتباطا جدليا وثيقا بعقلية "الغيتو اليهودي” الانعزالية، والمخاوف الأمنية والنزعات العنصرية الانعزالية التي ميزت تاريخ يهود "الغيتو”.
لم يتوقف الاحتلال عمليا عن اقامة ومواصلة بناء الجدران على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية، الى ان اندلت الانتفاضات والحراكات الشعبية العربية منذ مطلع العام-2011، والتي حملت معها بالنسبة لهم  تنبؤات سوداوية اثارت لديهم هواجس الوجود والبقاء والمصير، في ضوء سقوط الانظمة التي شكلت كنزا استراتيجيا لهم وجدرانا حامية لحدودوهم، فعاد قادة”اسرائيل” مرة ثالثة للاعلان عن   بناء المزيد من الجدران والاسراع في انجاز الجدران تحت البناء،  لنجد انفسنا في نهاية المطاف اننا أمام جدران جابوتنسكية ونتنياهوية تستند إلى فلسفة وأدبيات أيديولوجية وعقلية صهيونية أطلق عليها على مدار العقود وربما القرون الماضية:”أيديولوجيا وعقلية "الغيتو” ، ثم اطلق عليها عشية وخلال وبعد اقامة الدولة العبرية ” السور والبرج ” ثم يطلق عليها حديثاً سياسة البلدوزر، وكلها تسميات ومفاهيم تعكس القناعة الحقيقية لديهم التي تعتبر”اسرائيل” كالقلب المزروع في جسم غريب، عليها كي تضمن بقاءها واستمرارها اعتماد استراتيجية الحراب والحروب والجدران دائما.
وطالما تواصل”اسرائيل” استراتيجية”السور والبرج” والجدران الجابوتنسكية، فانه ليس من المنتظر على الاطلاق التوصل الى أي تسوية سياسية تفك الجدران من حول”اسرائيل” كما يرغب ساركوزي، فالعقلية غيتوية عنصرية عصية على الانعتاق والتحرر…؟!
 

رأیکم