كيف اخترقت "أفواج المقاومة اللبنانية -أمل" مخابرات العدو الإسرائيلي

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۲۱۳۶
تأريخ النشر:  ۰۹:۰۲  - الجُمُعَة  ۲۴  ‫مایو‬  ۲۰۱۳ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
 لا زال التحرير يفتح أبواب الأسرار التي سُطرت في سجلات النصر وحفظت في أرشيف غرف عمليات المقاومة، بنك أهدافه كان متعدداً، رأسماله "عقل أمني" و براعة "عسكرية تكتيكية" تضرب الموساد في عقر داره، أكثر من ستة عشر عاماً مضت على عملية "الشهيد الصامت"، ستة عشر عاماً واللغز يدور في فلك تلك العملية النوعية التي نفذها مجاهدو أفواج المقاومة اللبنانية –امل في الرابع عشر من كانون الثاني من العام 1998، ضابط الموساد "ياريف" ينتظر قدوم شريط فيديو سيكشف له هوية أحد إستشهاديي حركة أمل، في مقره في كفركلا، ومعه العميد في مخابرات الشاباك "غيل" وإذ بالإستشهادي بنفسه يحضر "الفيديو المفخخ"، الإستشهادي غير المتوقع يزعزع كيان الموساد، ويؤرق راحته ويفضح إنكشاف العدو أمام مجاهدي المقاومة، عملية لم يكشف الكثير عن تفاصلها ولم تكن وحيدة أيضاً، بل كان لها شقيقة توأم تخطط لخطف ضابط مخابرات الـ504 "عامي" في الخيام، لم يكتب لتلك العملية أن تبصر النور ولكنها كانت البوصلة الحية التي بثت النبض في عملية "الجدار الطيب"، فأدخلت العدو في "كوما نفسية"، كان لها الكثير من التداعيات الأمنيةة، ماهي تفاصيل هاتين العمليتين، ولما لم يكتب لعملية الخطف النجاح، وكيف توغلت "أمل" في عمق الموساد؟، أسرار وخبايا تكشف للمرة الاولى على لسان أحد كوادر غرفة عمليات المقاومة اللبنانية-امل.

طبول الإختراقات النوعية قرعت، القرار بصعق العدو بجرعة كهربائية عسكرية أخذ، بدأت مرحلة تكثيف العمل المقاوم على مختلف القطاعات من القطاع الغربي، الأوسط الى الشرقي، عمليات نوعية على كافة المحاور بدأت: في وادي السلوقي، وادي الحجير، مثلث دير سريان ومثلث بني حيان-طلوسة، وشكلت العملية النوعية الإستشهادية الكبري لأمير البحر الإستشهادي هشام فحص، نقطة التحول الكبرى في عمليات مجاهدي أفواج المقاومة اللبنانية-أمل، "توجيه ضربة موجعة للموساد الإسرائيلي، هو الهدف" يقول مصدر أمني في غرفة عمليات أفواج المقاومة اللبنانية-أمل"، لذا بدأ التخطيط والتفكير الجدي بتنفيذ عمل امني يضرب قلب الموساد مباشرة".

كان لدى حركة أمل مخطط لـ "عملية خطف ضابط إسرائيلي" من داخل الشريط المحتل ومبادلته بالأسرى المعتقلين داخل معتقل الخيام والسجون الإسرائيلية"، والثانية "عملية أمنية معقدة تتضمن تفخيخ شريط فيديو وتفجيره في الموساد"، وضع المخططان على الطاولة وبدأ العمل التنفيذي.

الخيام عام 1997 الإسرائيلي وعملائه يسرحون على هواهم، ينكلون بالأهالي، منزل المسؤول اللبناني عن جهاز الـ504 عماد مخول يشهد لقاءات دورية لضابط الـ504 "عامي" الذي يخرج بين الناس بلباس مدني، يتحدث بلغة عربية متقنة جداً، يتنقل بسيارته المرسيدس 500 الرمادية اللون، ويتابع عمله التجسسي من خلال مصادره مباشرة خلافاً للعادة ( جرت العادة أن يزود العميل الضابط بالأخبار في مكتبه) إذ كان يقابل مخول بشكل دوري في الخيام وبالتالي الهدف أصبح جاهزا، "خطف عامي".
كانت المقاومة قد جهزت مجموعة من مجاهديها من ضمن سكان منطقة مرجعيون-الخيام المحتلة للقيام بدور أمني وتنفيذي ميدانياً، يتضمن رصد تحركات الهدف.
في شهري تموز وأب من العام 1997، كان مؤشر تنفيذ العملية "الخطف" قد بدأ يقترب من الساعة صفر، اللقاءات بين العقيد عامي والعميل مخول إرتفعت وتيرتها، وكانت تعقد بشكل إنفرادي، وكان عامي قد ساعد مخول في علاجه من مرض العقم في إحدى مستشفيات العدو، وتم إجراء عملية لزوجته داخل فلسطين المحتلة، في هذه الفترة كانت زوجة مخول قد أنجنبت ومن المتوقع أن يزوره عامي وضباط أخرون من جهاز الـ504 في منزله للتهنئة وبالتالي سيكون الصيد الثمين متوفراً في مكان وزمان محددين، خيار التفجير لم يكن وارداً رغم أنه كان الأسهل، بالإمكان زرع عبوة بالسيارة، الخطة تقضي بالخطف للمبادلة بالأسرى".

يقول المصدر "كانت العلاقة الوطيدة بين الضابط الإسرائيلي "عامي" والعميل عماد مخول، مفتاح العملية، وكان هناك حاجة لزرع عميل مزدوج في الداخل لضمان نجاحها، وتم اختيار أحد العملاء المنضوين في جيش لحد، كمحرك أمني في المنطقة، وكان أحد المجاهدين الذين يعملون مع غرفة عمليات الحركة.
وكان العميل المزدوج قد وطّد علاقته بجهاز الـ504 على رغم كونه أحد جنود جيش لحد، فهو كان يخدم في الفترة الأخيرة في فوج الـ90 الذي كان قائده العميل سمير نهرا، وكانت غرفة عمليات أمل تزوده بمعلومات "مشغولة" ليتم الوثوق به أكثر، مثل "حصول عدد من العمليات، القصف المدفعي لمواقع الإحتلال وعملاءه، كان عميلنا يخبر جهاز الإستخبارات الـ504 أنه حصل على المعلومات من أحد أقاربه الذي ينتمي لحركة أمل وذو مسؤولية رفيعة ويطلعهم أيضا عن بعض الكمائن وزرع العبوات في بعض أماكن تسيير الدوريات الاسرائيلية وعملاءه وبعض التفاصيل الأمنية التي ينفذها مجاهدو الحركة فقط، لإثبات مصداقيته أمام مشغليه.


عائق في طريق التنفيذ

بعد أن اكتملت كل التحضيرات اللوجستية في إنتظار ساعة الصفر لتنفيذ عملية اختطاف "عامي"، حصل ما لم يكن في الحسبان، فأثناء القيام بإحدى المهام العسكرية تم أسر مسؤول مجموعة التنفيذ في منطقة مرجعيون –الخيام خ. ش. وبعض من أفراد مجموعته، التي كانت تتحضر لعملية الخطف، فلم تكتمل العملية، وصودف إعتقال خ.ش. وعدد من عناصر مجموعته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في 31 أب 1997 وصادف أيضاً تشييع شهداء الحركة الاربعة الذين إستشهدوا في معركة وادي الجحير النوعية.


خطة لم تكتمل .. خطة إكتلمت: عملية "بوابة فاطمة" عام 1998

لم تحل عملية أسر المجاهدين من تنفيذ الخطة الثانية للعملية النوعية الكبرى، فالدراسة التحليلية للخطة كشفت لجهاز الأمن في حركة أمل، نقاط بالغة الأهمية أمكن التأسيس عليها، وتقتضي فقط تغيير في الهدف، خاصة وانه تبين لغرفة العمليات أن هناك بعض المعطيات مازالت تصلح للإستفادة منها على رغم إعتقال المجاهدين، فتمت المتابعة مع العميل المزدوج مباشرة وأوكلت اليه مهمة تنفيذ الخطة الثانية البديلة.

الخرق كان موجوداً في الجهتين الاستخباريتين الـ504 والشاباك، حيث تم هذه المرة الإختراق عبر العميل الجديد (في جهاز الشاباك) من خلال العميل سمير رسلان (مسؤول أمن مليشيا لحد) وقد نقل العنصر المزروع الى هذا العميل معلومات دقيقة عن خرق أمني مفترض حققته الحركة داخل صفوف ميليشا العميل لحد. وقام رسلان بدوره بنقل المعلومات الى ضابط إسرائيلي يدعى "باريف" وهو برتبة عميد في الموساد.

ونتيحة لهذه المعلومات حاز العنصر المزروع على ثقة الموساد وتقرر بموجبه حصر الإتصال بينه وبين العميد باريف بحيث يتم الإتصال على رقم الهاتف الخلوي ((311929) وأن تتم المراسلات الى الشريط الحدودي بشكل سري عبر العميل رسلان ودون إمكانية إطلاعه على فحوى المراسلات.

طعم من النوع الذي لا يرفض

وفي ضوء الثقة التي توطدت اقنع المجاهد الضابط المذكور بان احد ضباط ميليشا العميل لحد ويدعى م. م. يعمل لمصلحة جهاز أمن الحركة فما كان من الموساد إلا أن إعتقله بتاريخ 6 كانون الثاني 1997 وأودعه سجن الخيام.
كما قام المجاهد بتزويد العميد باريف بمعلومات مفادها أن احدى المجموعات التابعة لأفواج المقاومة ستنفذ عملية داخل بلدة العديسة هدفها قتل العميل روبين عبود، وتاكيداً لهذه المعلومات زوده بشريط فيديو لبلدة العديسة تظهر فيه الطرقات المؤيدة الؤدية الى بيت العميل المذكور، وهي الطرقات التي يفترض أن تسلكها المجموعة المكلفة بتنفيذ العملية. كنا نجهز كل التفاصيل ونرسلها يقول "الكادر في غرفة عمليات المقاومة"، ارتاح الضابط لهذه المعلومات فطلب المزيد، وهو ما حصل عليه فعلاً إذ قدم اليه شريط فيديو اخر يظهر فيه أحد المجاهدين في حركة أمل وهو يؤدي الصلاة ويتلو وصيته ونيته القيام بعملية إستشهادية ضد القوات الإسرائيلية. وأضيف للمعلومات حافز آخر، وهو "أن هناك شخصاً آخر ينوي القيام بعملية إستشهادية مماثلة في نفس التاريخ، ولقي الشريط إهتماماً كبيراً من العميد باريف فبعث برسالة خطية الى المجاهد يحثه فيها على العمل لمعرفة هوية الإستشهاديين وهدفهما وتاريخ العمليتين وأرفق الرسالة بمبلغ 500$، مع وعد بمبلغ مماثل اذا ما استطاع المجاهد (العميل) تأمين شريط الفبديو الذي يظهر فيه الإستشهادي الثاني، وبالفعل أبلغ المجاهد الظابط باريف بحصوله على الشريط المطلوب .
الثانية والنص من بعد ظهر الخميس14 كانون اول 1998 موعد تسليم شريط الفيديو الذي تم تفخيخه بطريقة متطورة جداً وبشحنة عالية من المواد المتفجرة، الشريط اخضع لعدة تجارب في غرفة قطرها 4*4 للتأكد من قدرته التفجيرية.

تسليم الطرد
رحلة العملية النوعية سلكت مسارها، الشريط أرسل مع العميل رسلان، الضابط "ياريف" ومعه العميد ياريف والعقيد "غيل" والذي كان نداؤه في شبكة المخابرات الإسرائيلية "مليونير باللعبة الامنية" وهو مسؤول عن تجنيد شبكات العملاء في المنطقة المحتلة وخارجها بالإضافة لبعض الضباط والعميل سمير رسلان ينتظرون صورة الإستشهادي في مقرهم الرئيسي بالقرب من بوابة فاطمة وإذ بالإستشهادي الصامت يحضر، نزع القناع عنه، انفجر، قتل باريف وضابط آخر وأصيب غيل ورسلان بجروح خطرة أدت إلى بتر ساقيه ويديه وفقدان بصره.
ويعلق الامني:" كان لتلك العملية تداعيات كبيرة على اجهزة الموساد والعملاء على حد سواء، أعيدت هيكلية وتشكيل المحركين الامنيين لجهازي الشباك والـ504، وسقطت الثقة بين الصهاينة وعملائهم الذين باتوا يخضعون للتفتيش الدقيق على المعابر والحواجز .
بالمحصلة كانت إرتدادات العمليات النوعية لها وقعها الثقيل على العسكر الإسرائيلي، وعلى عملائهم بشكل خاص، وبات هوة انعدام الثقة بين الإثنين تتسع وصولاً إلى أيام التحرير، فهرب الإسرائيلي وترك خلفه عملاءه يندبون "خياراتهم" ندماً، ولم ينفع الندم.
رأیکم