هل اقتَرَبَت صِيغَة مَجلِس التَّعاون الأصليّة مِن نِهايَتها المَحتَومة؟

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۲۰۷۳
تأريخ النشر:  ۰۹:۱۵  - الاثنين  ۱۰  ‫دیسمبر‬  ۲۰۱۸ 
بعد تَجميدِ دور الجامعة العربيّة، وتَحويلِها إلى أطلالٍ تُعيد التَّذكير بماضٍ عَربيٍّ سَحيق، ها هِي الانقِسامات والخِلافات الخليجيّة تُوجِّه ضَربةً قاتِلةً إلى مجلس التّعاون ورُبّما تَدفَعه إلى المَصيرِ نفسَه، إنْ لم يَكُن أكثَر سُوءًا.

هل اقتَرَبَت صِيغَة مَجلِس التَّعاون الأصليّة مِن نِهايَتها المَحتَومة؟طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - بَحَثنا في ثَنايا القِمّة التي اختتَمت أعمالها في الرياض امس الاحد بعد ساعاتٍ مَعدودةٍ عَن أي تَطوُّرٍ جَديدٍ يَستَحِق الكتابة، والتَّعليق، فلم نَجِد إلا كُل ما هُوَ تِكرار مُمِل لعِباراتٍ ورَدَت في بياناتٍ سابقةٍ، باستِثناء أمْرَين رئيسيّين:

ـ الأوّل: دعوة الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، إلى وَقفِ الحَملات الإعلاميّة التى لَعِبَت دورًا كبيرًا في تَسميم الأجواء الخليجيّة، وبَذْر بُذور الفِتْنَة.

ـ الثّاني: غِياب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، وتَعمّده إرسال السيد سلطان المريخي، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، لرئاسة وفد بلاده، في إهانةٍ مُتَعمَّدةٍ للقمّة، والدولة المُضيفة، أي المملكة العربيّة السعوديّة، ولعلّه أدرَك أنّه غيرُ مُرحَّبٍ بِه ورُبّما سيَتعرَّض للإهانَة، بشَكلٍ أو بآخِر، فقَرَّر المُقاطَعة.

لا نَستبعِد أن يكون هذا المَوقِف القطريّ "شِبْه المُقاطِع" للقِمّة في الرياض، هو مُقدِّمة لانسحابِ دولة قطر مِن هَذهِ المُنظّمة الإقليميّة التي تباهَت بأنّها الأكثَر انسِجامًا وصلابةً، بالمُقارنة مع كُل التَّجَمُّعات الإقليميّة العربيّة الأُخرَى، طِوال الثَّلاثين عامًا الماضِية، وللأسباب نفسها التي دَفَعتها للانسِحاب مِن منظمة الدول المُصَدِّرة للنفط "أوبِك"، أي هيمَنة المملكة العربيّة السعوديّة والمُقاطَعة، وتَهميش الدَّور القطريّ.

فإذا كانت دولة قطر أرسَلت وزير دولة، وليس حتّى وزير خارجيّتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عُضو الأُسرة الحاكِمة، لتَمثيلِها في قمّة الرياض هَذهِ وبصُورةٍ مُتَعمَّدة، فإنّنا نَجْزِم مُسْبَقًا بأنّها قد تُرسِل قُنْصلًا، وليس حتّى سفيرًا لتَمثيلها في القِمّة المُقبِلة التي ستُعقَد في مدينة أبوظبي، عاصِمة الإمارات التي ستَستضيف القمّة الأربعين المُقبِلة، بالنَّظر إلى حجم الخِلافات المُتفاقِمة جدًّا بين البَلدين، وتَفوُّق نظيرَتها السعوديّة القطريّة بمَراحِل، هذا إذا بَقِيَت في المَجلِس، أو جرى توجيه دعوة إليها للحُضور.

الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجيّة البحرين، قال في حديثٍ لصحيفة "الشرق الأوسط" السعوديّة، نشرته قبل يومين من انْعِقاد القِمّة، "إنّ قطر أحرَقت جميع سُفُن العَودة إلي مجلس التعاون، وإنّ الخِلاف لن يُحَل بـ"حُبْ الخُشوم"، فلا بُد مِن اتِّفاقٍ جَديدٍ ونظام جديد ووضع الدوحة تحت المِجهَر"، وأكّد "أنّ التّمثيل القطري في القِمّة لا يَهُمنا، وجوده من عدمه سيّان"، وهَذهِ رسالةٌ واضِحَةٌ إلي أمير قطر تقول له "إنّك غير مُرحَّب بِك في هَذهِ القمّة"، ويبدو أنّه فَهِم الرِّسالة مُبْكِرًا وقرَّر الرَّد بتَخفيضِ مُستَوى التَّمثيل وإيفادِ وزير دَولة للشُّؤون الخارجيّة.

اللَّافِت أيْضًا، وفي السِّياق نفسه أنّ الزميل عبد الرحمن الراشد كتَبَ مقالًا في الصَّحيفة نفسها التي كان يرأس تحريرها قبل عشر سنوات تقريبًا، تحت عُنوان "هل حان إنهاء مجلس التعاون؟" أبرَز فيه أنّه لا يَشْعُر بأيّ أسف إذا ما انتهى المجلس إلى غير رجعة بسبب الخِلافات الحاليّة، ورأي أنّ البَديل هُوَ الاتّفاقات الثُّنائيّة، وحَمّل قطر المَسؤوليّة، والأهَم مِن هذا المَقال أنّ الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتيّ رحَّبَ بِه ومَضمونِه في تَغريدةٍ علي حِسابِه في "التويتر" ونَشَر رابط له، قبل أن يَحذِفه.

سنُفاجأ كثيرًا إذا ما وجّهت دولة الإمارات الدعوة رسميًّا إلى دولة قطر لحُضور القمّة الأربعين القادِمَة، اللهم إلا إذا حدَثَت مُعجِزة وجرى التَّوصُّل إلى حَلٍّ للأزمة الحاليّة، ونَحنُ لسنا في زَمنِ المُعْجِزات، والطَّلاق باتَ بائِنًا فيما يبدو كما أنّنا سَنُفاجَأ أكثَر، إذا ما ظَلَّت دولة قطر عُضوًا في المجلس حتى انْعِقاد هَذهِ القِمّة.

الشيخ صباح الأحمد الذي تَزعَّم الدبلوماسيّة الكُويتيّة لأكثَر مِن 45 عامًا تَقريبًا قبل أن يُصبِح رَئيسًا للوزراء، ثُمَّ أميرًا لبِلاده، أصاب كَبِدَ الحَقيقة، مِثلَما يقول أهل البَلاغة، عِندما طالب بوقف الحَمَلات الإعلاميّة بين قطر ومُقاطِعيها لأنّها، أي الحَمَلات الإعلاميّة، "زرَعَت بُذور الفِتنَة والشَّقاق في صُفوف أبنائِنا ليَكون هذا الوَقت مُقدِّمة لتَهيِئَة الأجواء لحَلِّ الخِلاف بَيْنَنَا".

كَلام الشيخ صباح ينطَوِي علي الكَثير مِن الحِكْمَة والرُّؤية الصَّائِبَة، ولكنّنا لا نَعتقِد أنّه سيَجِد أيّ استجابة، فالحَرب الإعلاميّة سواء علي وسائِل الإعلام التّقليديّة، أو وسائِل التواصل الاجتماعي، تَعيش أشْرَس أيامها، وتجاوزت كُل الخُطوط الحَمراء، وبَدأت تنْحَرِف إلي الخَوض في الأعراض، وهو أمر كانَ يُعتَبر خطيئةً كُبْري في هذه الدول ، وخُروجًا عَن قِيَم أهْلِها وأخلاقيّاتهم، والأخطَر مِن ذلِك أنّها لم تَبْذُر الشَّقاق بينَ الأُخْوَة في الدول فقط، وإنّما بينَهم وبين أكثَر مِن 300 مِليون عربيّ وللأسبابِ نَفسِها، مُضافًا إلي انْحِيازِ البَعض للعُدوان الإسرائيليّ، والمُجاهَرةِ بِه بطَريقةٍ مُتَحَدِّيَةٍ.

الأزَمَة السوريّة أنْهَت الجامِعة العربيّة ودَورِها، والأزَمَة الخليجيّة الحاليّة قد تُنهِي مجلس التعاون، إن لم تَكُن قد أنهته فِعْلًا، وكُل ما ورد في البَيان الخِتاميّ لقِمّة الرياض الأخيرة عَن تعزيز الرَّغبةِ في الحِفاظ علي صَلابَة هَذهِ المُنظّمة الإقليميّة التي كانَت مَوضِع احترام العَرب الآخرين، لا يَخْرُج عَن كَونِه مُجرَّد تَمَنِّيات ونَسْخ لبَيانات وأدبيّات قِمَم سابِقَة بشَكلٍ آليّ، مِن قِبَل لَجنةِ الصِّياغة.

نَأسَفْ لهَذهِ النِّهاية التي تَعكِس وضْعًا عربيًّا مُهَلْهَلًا، اعتَقدنا مُخطِئين أنّ الأشِقّاء في المِنْطَقة "مُحَصَّنُونَ" مِن عَواصِفِه.. واللهُ أعْلَم.

عبد الباري عطوان

 

انتهى/ 

الكلمات الرئيسة
رأیکم