المغرب : الأئمة والخطباء والانتخابات القادمة

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۷۷
تأريخ النشر:  ۱۶:۴۸  - الثلاثاء  ۱۹  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۳ 
تساؤل: هل سيلجأ العلماء والفقهاء طبقا للدستور الجديد الذي يعتمد التباري على الوظائف وإدارة الشأن العام المطالبة بتفعيل الظهير المنظم لانتخاب أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس المحلية.
مراعاة للظهائر الصادرة في هذا الشأن في سنة 1913م و1933م، أم سيبقى دور الخطباء والفقهاء هو إعارة أفواههم للدعوة إلى المشاركة في الانتخابات العامة والقطاعية وحرمانهم منها حتى في تدبير شؤونهم؟

إنه الموضوع الذي نود التطرق إليه في هذا المقال.

تمهيد

لا يخفى عن المهتم بالشأن الانتخابي ما يعانيه من عزوف وإعراض فئات مجتمعية ترى أن المسألة الانتخابية لا تعنيها ما دامت لا تحقق لها رغبات أو تدفع عنها أزمات، وفي هذا الإطار تتموقع فئات كثيرة قد تكون من المدافعين عن الديمقراطية وتداول السلطة، لكن عن طريقها وليس فقط بوجودها مع آخرين وإنما بتفردها وتصدرها، وإلا فإن العمل الانتخابي في رأيها فضلة لا طائل من ورائها في ظل وضع متخلف حسب زعمها مما يجعل البعض يقول: بديمقراطية الحيوان، وآخر يتحدث عن ديمقراطية الكوطا، وآخر عن ديمقراطية المحاصصة، وغير ذلك من التوصيفات اللاديمقراطية، التي تصب جميعا في مجرى واحد هو: نحن الديمقراطية ولا شيء غيرنا.

أزمة الديمقراطية في بلدنا

لقد سبق لنا أن كتبنا بحثين في الموضوع، الأول تحت عنوان: "أزمة الوطنية المغربية: تنوعت الأسباب والهدف واحد (الحكم ثم الإلغاء، أو الإلغاء ثم الحكم)"، نشر بتاريخ 10 يونيو 1996 بجريدة رسالة الأمة، العدد:4146، وآخر بعنوان: "المثقف والسياسة وعقدة لا"، بنفس الجريدة، العدد:4425 بتاريخ 26 ماي 1997م.

بالنسبة للعنوان الأول كان مستعارا من افتتاحية للعلامة الشيخ محمد المكي الناصري كتبها في جريدة الوحدة المغربية بتاريخ: 17 مارس 1937م، تحت عنوان: (أزمة الوطنية من تطوان إلى فاس)، بمناسبة الانقسام الذي حصل بين الزعيمين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني بالرباط، وبين الشيخ محمد المكي الناصري والزعيم عبد الخالق الطريس بتطوان.

أما العنوان الثاني فجاء نتيجة مقال مسهب في العدد الثالث من جريدة الأسبوع المغربي بتاريخ 10 ماي 1997 تحت عنوان (عن المثقف والحزب والسلطة)، الذي صنف المثقفين إلى ثلاثة: متحزبون، خدام الدولة، أكاديميون منعزلون.

وإذا كانت الخلاصة في الأول ترجع إلى عدم احترام قاعدة الديمقراطية التي رُوج لها في الزاوية ولم تطبق في الطائفة، حيث انتخب 9 أعضاء أنفسهم سنة 1937م فأحدثوا بذلك بدعة وأد الديمقراطية، أدت إلى ضلالة ما تزال سارية إلى اليوم.

وخلص الثاني إلى أن مثقف الأمس كان خصمه خارجيا سهل عليه أمر التصدر، بخلاف مثقف اليوم الذي يجب أن "يعبر شبرو، ويجلس فيه"، لأن هناك من يراقبه ويقوّم أداءه، ويتشكك في نواياه، وهنا يدخل دور الفقيه والعالم من الباب الواسع إلى ساحة الفعل والتواصل مع الجماعة التي يعتبر فيها كما يقال: بالمثقف العضوي، وهو ما عجزت الإدارة والتنظيمات الحزبية على تفهمه والإقرار به، بالرغم من التجارب التي روكمت على مدى مائة سنة، منذ أراد المارشال ليوطي إصلاح القرويين بإبعاد العلماء عن الحياة العامة، وإخضاعهم لرئيس ديوانه، فكان الرفض الذي أشار له رئيس المجلس العلمي بفاس في كتابه إلى الصدر الأعظم سنة 1934م تعليقا على موقف الطلبة المناهض للقانون الموسوم بالضابط المسنون، حيث جاء في الكتاب: "الطلبة غير النظاميين أشربت قلوبهم بغضا للنظام، واستهزاء بقيمته حسب ما ارتضعوه من مشايخهم داخل الجامعة القروية.. ولقد هددناهم بالحرمان من (الخبزة والبيت)، فكنا كمن يعظ بني إسرائيل" (انظر عبد الهادي التازي "جامع القرويين" ص:762).

وقد يتساءل عن سبب هذا التمرد الذي نرى له اليوم شبيها عند متطلبة دور القرآن والمساجد العتيقة بعدما أغلقت أبوابها في وجوههم، وعند الفقهاء "المشارطين" الذين صاروا إلى نظر المقدم والشيخ ومندوب الشؤون وتجرى لهم التحقيقات قبل أن تسلم لهم التزكيات التي قد تلغى دون الأخذ بأقوالهم، أو شفاعة جماعاتهم، وكأننا نطبق من جديد الفصل الخامس من ظهير 1933م القائل: "يوجه متفقد القرويين الملقب بمراقب الدروس تقريرا آخر كل شهر يبين فيه وقوف الجميع عند حدّ الضوابط العامة إلى وزارة العدلية في ظرف ثمانية أيام".

هكذا أريد فصل الطلبة عن محيطهم وإرهابهم

إن الفصول الواردة في المجلس التأديبي للقرويين وغيره من المعاهد الدينية والعلمية بالمغرب والتي جاء في الفصل الأول من الظهير: "كل مدرس أو موظف بمسجد القرويين أو بمعهد من المعاهد العلمية المغربية، يشتغل بإلقاء دروس أو خطب أو تحرير مقالات أو توزيع أوراق أو منشورات من شأنها أن تهيج أفكار الطلبة أو تلهيهم عن التعليم، أو تشوش الفكر العام، أو تمس بحرمة المساجد، وبوقار العلم؛ يعرض على مجلس تأديبي يمكنه أن يصدر عليه إحدى العقوبات التالية:

1- الإنذار.
2- تثقيف مرتبه لمدة لا تتجاوز نصف شهر.
3- توقيفه عن وظيفه مع إسقاط مرتبه لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
4- تنقيص مرتبه.
5- إسقاطه من مرتبته إلى أسفل منها.
6- عزله.

الفصل الثاني: "كل طالب مقيد بزمام طلبة القرويين أو غيره من المعاهد المغربية يصدر منه ما ذكر في الفصل الأول من المخالفات سواء كان ذلك داخل مسجد القرويين أو غيره من المساجد أو الزوايا أو خارجا عنها، أو ينخرط في حزب من الأحزاب السياسية يعرض على المجلس التأديبي وتمكن معاقبته بإحدى العقوبات الآتية:

1- الإنذار.
2- منعه من الدخول في أي امتحان من الامتحانات عاما كاملا.
3- إخراجه من القرويين أو غيره من المعاهد العلمية المغربية لمدة لا تتجاوز سنتين.
4- إسقاطه نهائيا من سلك الطلبة.

الفصل الثالث: كل عالم من علماء القرويين أو غيره من المعاهد العلمية المغربية، الغير المنظمين في سلك العلماء المدرسين أو الموظفين تصدر منهم إحدى المخالفات المبينة في الفصلين السابقين، يمنع من حقوقه العلمية ولا يمكن توظيفه في وظيف من الوظائف الدينية أو العلمية في كل المعاهد العلمية المغربية لمدة يحددها المجلس التأديبي بحسب الجريمة.

الفصل الرابع: يعاقب بمثل العقاب أعلاه كل مدرس أو ملحق به أو طالب علم يعين غيره على المخالفات المذكورة أعلاه.

الفصل الخامس: كل شخص من غير المبينين في الفصول السابقة يشتغل داخل مسجد القرويين أو غيره من المساجد أو المعاهد العلمية المغربية أو الزوايا بإلقاء دروس أو خطب أو محاضرات تمس بالسياسة أو يقوم بتوزيع أوراق ومنشورات سياسية، يتعين على القائمين بشؤون تلك المساجد أو المعاهد أن يخرجوه منها فورا، وإن لم يستطيعوا ذلك بأنفسهم فلهم أن يستعينوا بالقوة المخزنية، ويمكن بعد ذلك أن يحاكم بحسب ما تقتضيه القوانين الجارية..

الفصل الثامن: يمكن للمدرسين والموظفين وغيرهم من مطلق العلماء أن يستأنفوا أحكام المجلس التأديبي إلى المجلس الأعلى للعلوم الإسلامية فيما يرجع للأحكام الأربعة الأخيرة المذكورة في الفصل الأول من هذا الظهير الشريف كما يمكن ذلك للطلبة فيما يرجع للإسقاط النهائي".

تلك هي الضوابط التي وقع التظاهر ضدها بالرغم من أنها تحمل ضمانات للمتضرر، على ما يبدو، فأين نحن من ذلك بعد مائة عام، حيث يعزل الأئمة والفقهاء وتغلق دور القرآن في وجه الطلبة والأئمة والعلماء؟

العلماء أول المدافعين عن الشرعية وما جرى به العمل

إن الشهداء الذين سقطوا من العلماء والمتطلبة دفاعا عن الدين الإسلامي عقيدة ومذهبا وسلوكا، والوطن أرضا ونظاما، لم يكن لهم دافع يدفعهم رغبة أو رهبة أو تألفا، ولكنه كان الإيمان بالرسالة التي أشار لها رئيس المجلس العلمي في كتابه السالف الذكر.

والغريب أن الانتخابات كانت قاعدة الاشتغال في تبوأ مناصب التدريس والعضوية في المجلس، كما سبق أن أشرنا، في وقت كان الانتخاب مقتصرا على الغزاة وبعض الأعيان، فصار اليوم من المحرمات في ظل دستور يتيح لكل فرد أن يكون مؤسسة أو جمعية للدفاع عن أرائه وحمايته، حتى ولو كانت مضادة للسواد الأعظم من الأمة، بل أن الحكومة الحالية نفضت يدها من ضمان دمقرطة مرفق العلماء والفقهاء الممثل في المجالس العلمية والمجلس الأعلى، وإنشاء جمعيات بهدف تطوير الكفاءة والدفاع عن الآراء وما جرى به العمل، بل تم الفصل بين الجماعة والفقيه في تدبير وإعمار المسجد لصالح مخطط تجييف حرية الإمام وتكميمه بدعوى الدفاع عن شعائر الإسلام وما جرى به العمل، بالرغم من أن الذين قاوموا الغزو الاستعماري وأطروا ونظموا ثورة الملك والشعب، وأنشئوا الأحزاب والصحف والمجلات والمدارس هم فقهاء ومتطلبة حاربهم الاحتلال بكل ما أوتي من قوة، فانتصروا عليه لأنهم كانوا يعيشون داخل نسق لم تستطع الإدارة فصلهم عنه.

جاء في كتاب "قبائل زمور والحركة الوطنية": "على إثر حرب الريف اتخذت السلطة الاستعمارية إجراء بحث عن أئمة الجوامع وطلبة القرآن الغرباء بالمساجد وإحضارهم إلى السلطات لمعرفة حقيقة أمرهم وإلزامهم بإحضار رخص من سلطات قبائلهم حتى يمكنهم أن يستمروا في مهامهم بالجوامع أئمة مشارطين" (ص:401).

ولم تفكر سلطات الحماية بمنع الفقيه من الإمامة طيلة حياته في كامل ربوع المملكة كما فعلت وزارة الأوقاف بالفقهاء اليوم، لأنها كانت منضبطة للقانون السالف ذكره.

لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين

أوردنا هذه النقول التأصيلية لما نحن بصدده من تقييد لحرية الأئمة وإقصائهم من الحياة العامة بالرغم من أن عاهل البلاد ألح على أنه لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، فإننا نرى أن هناك إجماعا على إقصاء فئة عريضة من المواطنين تعتبر بالآلاف؛ لا لشيء إلا أنها تقول: ربي الله، مع العلم أنها لا يمكن أن تبقى غير معنية بالتغيرات التي تعرفها البلاد، خاصة وأنها توجد في قلب الحدث.

وما شأن الانتخابات ومسألة دمقرطة المؤسسات إلا نموذجا للعطب الذي لا يمكن الإبقاء عليه سواء تنبهت الحكومة أو الأحزاب السياسية أو المجتمع المدني لذلك، أو تركت الأمور تتفاعل في انتظارية لا مسؤولة.

وقد أشرنا في دراسة مطولة في التسعينيات لدور الفقهاء والنساء باعتبارهم صناع العادات وأحكامهم جارية حتى وإن ظن أن لا أحد يهتم بها، وإنه لأمر غريب أن يحتكر الفعل الديمقراطي على فئة دون أخرى، وشريحة يطلب منها فعل كل شيء إلا أن تفعل لنفسها ما تريد من قبيل تأسيس الجمعيات وانتخاب الأعضاء والمشاركة في تدبير الشأن الخاص الذي لا مصوغ لمنعه، لدرجة أن رابطة أئمة المساجد ما زالت تطالب بوصل إيداع قانونها لدى السلطات العمومية، وهو أمر مستهجن لم يكن متواجدا في الأزمنة السالفة، ناهيك عن هذا الزمان.

كما أن الجميع ينظم دورات تدريبية ومناظرات وطنية وندوات وشراكات إلا الأئمة والعلماء الذين ضرب عليهم الحصار، وسكت عنهم.

بل حتى ما أعطي لبعضهم من امتيازات مؤخرا شابها شيء من الاستهجان والاستخفاف جعلتهم عرضة للانتقاد وفقدان المصداقية اعتبار لما يلاقيه المتطلبة ورواد دور القرآن من منع وتضييق.

لذلك نرى أنه آن الأوان -كما أسلفنا- للحكومة والأحزاب والجمعيات تجاوز هذا المنزلق بمراجعة مواقفها لما يحدث لجمهرة الطلبة والفقهاء، ودور الجماعات في تدبير المساجد في استقلال يراعي ثوابت الأمة، منبهين إلى أن هؤلاء بالرغم مما يتعرضون له من تضييق فإنهم قوة انتخابية لا يستهان بها، فالفقيه لا يقل عدد المحيطين به عن عشرة، فإذا ضربنا العدد في ستين أو سبعين ألف مسجد، فانظر كم هي عدد الأصوات التي لا يُعرف طريقة تصرفها في ظل هاته الممارسات الإقصائية، ناهيك على أن هؤلاء يعتبرون فاعلين في النسيج الاجتماعي رغم أنف الإقصائيين والمنادين بسياسة الخنق والتكميم!

* باحث في علم الاجتماع الديني والثقافي، وعضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، وعضو الجمعية العربية لعلم الاجتماع، وعضو رابطة علماء المغرب
رأیکم