من السهل أن تكون "رئيسا" من الصعب أن تكون "زعيما" - مؤنس زهيري

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۴۱۰
تأريخ النشر:  ۰۶:۰۳  - الأربعاء  ۲۰  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۳ 
بعد مرور أكثر من عامين علي إنطلاقة ثورة الشعب نحو حريته .. مازال ذلك الشعب الصابر هائماً علي وجهه في كل شوارع مصر و ميادينها يبحث عن أهدافه التي إنطلقت ثورته من أجلها .
و سقط ثمناً لها المئات من شباب الوطن شهداء و أريقت دماؤهم و ثكلتهم أمهاتهم و ترملت زوجات من كانوا متزوجين منهم و تيتم أطفال من كان منهم أباً ..

 

عامان مضيا و في كل يوم جمعة من كل أسبوع من الأسابيع التي تجاوزت المائة أسبوع و الشعب يخرج في "مليونية" للبحث عن ما تحقق من أهداف ثورته فلا يعثر علي أيٍ منها قد تحقق ..
عامان مضيا و قد تم خلالهما إنتخاب أعضاء مجلس الشعب ثم مجلس الشوري ثم إنتخاب أول رئيس مدني ثم تم إقرار أول دستور بعد الثورة فظن الشعب أنها البداية لتحقيق أهداف ثورته .. و لكن الشعب الصابر لم يلمس وجود أي هدف من أهداف ثورته قد تحقق علي أرض الشارع فعلياً ..


عامان مضيا و كل ما تحقق فعلاً هو إنقسام الأمة علي نفسها .. بين كتلتين إثنتين تسيطران علي الشارع السياسي المصري .. كتلة تمثل التيار الإسلامي بكافة فصائله و أحزابه حتي و إن ظهر علي السطح خلافات مذهبية أو سياسية بينها إلا أنها تقف بجانب بعضها البعض تشد أزر ممثلها الأول جماعة الإخوان المسلمين .. و كتلة ثانية تمثل كل التيارات السياسية الأخري علي إختلاف توجهاتها الأيدولوجية المناوئة لإستئثار التكتل الأول بمقاليد الحكم وحده ..


.. فمع الإقرار الرسمي بوجود الأحزاب السياسية المختلفة حتي و إن كانت تقوم علي أساس ديني – بالمناسبة كان ذلك الأمر مرفوضاً رفضاً تماماً بحسب دستور 1971 إلا أنه تم إعتماده بعد ثورة يناير – راح كل حزب ينشر برامجه السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية المختلفة بين جموع الشعب علي كل مستوياتها أملاً في جذب أكبر عدد ممكن للإنضمام إليه و الحصول علي عضويته تمهيداً لبناء قاعدة شعبية ضخمة علي أرض الشارع السياسي المصري ..


و هنا .. تأكد إنقسام ذلك الشارع إلي فصيلين أساسيين .. الفصيل الأول يضم كل الأحزاب ذات التوجه الإسلامي .. و الفصيل الثاني ضم كل الأحزاب غير الدينية علي إختلاف مسمياتها .. و مع مرور الأيام و تفاعلات الأحداث السياسية المختلفة إتسعت هوة الخلافات بين الفصيلين إلي مؤيد لرئيس الدولة و معارض عنيف له ..


فالمعارضة اصبح لا هدف لها إلا إسقاط الرئيس الشرعي للدولة و هي لا تعلم أن إسقاط "الشرعية" أخطر ألف مرة من إسقاط الرئيس ذاته - أياً ما كان هو - ففي ذلك الأمر ترسيخ لمبدأ إسقاط الشرعية القانونية عن أي منصب – و ليس منصب رئيس الدولة فقط - في أي موقع من مواقع الدولة الرسمية طالما توفرت الحشود الجماهيرية الداعية إلي ذلك .. و سقوط الشرعية له تداعيات كثيرة تعقبه .. سقوط الشرعية يعني سقوط القانون .. و سقوط القانون يعني سقوط النظام .. و سقوط النظام يعني سقوط الدولة ..


و في المقابل ينظر الرئيس الشرعي عضو جماعة الإخوان المسلمين - و من خلفه مؤيدوه - للمعارضة المحتشدة ضده بإعتبارها فصيل يعوق التقدم الذي يطمح إليه الوطن لتحقيق أهداف ثورة يناير مما يعطل برامج التنمية التي يخطط لها .. و هي في حقيقة الأمر برامج غير محددة الخطوات بدقة حتي الآن كما أنه لا يعتمد في تنفيذها إلا علي من يثق بهم من فصيله دون الأخذ بعين الإعتبار إلي كفاءات و خبرات أخري متواجدة خارج ذلك الفصيل ..


إنهم جميعاً يتقاتلون علي وطن يطمح و يطمع كل منهم أن تكون قيادته من نصيبه .. بينما الحقيقة التي لا يدركونها أن أي فرد منهم لا يمتلك الحد الأدني من مقومات القيادة .. و ما ذلك الحد الأدني إلا قبول الآخر و عدم إقصائه كلية عن المشاركة في العمل العام لصالح المجتمع .. فإدارة الأوطان ليست كمثل إدارة الأطيان و هو ما لم تدركه جهة الحكم علي الجانب الأول .. و قيادة الشعوب تكون بتوجيه الشعوب و ليست بتهييج الشعوب و هو أيضاً ما لم تدركه جهة المعارضة علي الجانب الاخر ..


إن المشكلة الأساسية لثورة يناير 2011 تكمن في أنها لم يكن لها "زعيم" و لم تستطع أن تخلق لها "زعيما" طوال عامين كاملين .. فبقيت ثورة بلا زعيم يحاول الكثيرون إعتلاء مقعد زعامتها .. لكن يبقي كل منهم عليه خلاف و ليس عليه إجماع .. ففي دول العالم الثالث ليس من السهل أن تكون زعيماً لأمة .. فلا ينجح زعيم يقود دولة من دول العالم الثالث إلا الزعيم "صاحب المشروع" .. دول العالم الثالث ذات الجماهير صاحبة الأمزجة المتقلبة و الثورات التي يمكن ان ينفجر بركانها أي وقت ليس من السهل أن تتم قيادتها دون "مشروع" تلتف حوله تلك الجماهير الثائرة تؤمن به و بقيادته .. و من هنا يكون النجاح للمشروع و قائده ..


ففي دول قارة أمريكا الجنوبية – أكثر قارات العالم إشتعالاُ بالثورات – علي سبيل المثال كان المناضل الكوبي الزعيم "فيديل كاسترو" صاحب مشروع مواجهة الرأسمالية المستغلة و الدفاع عن حق طبقات الشعب الكادحة في الحياة الحرة الكريمة .. و كذلك كان المناضل الأرجنتيني الزعيم "شي جيفارا" صاحب مشروع إقرار الحريات لكل أبناء شعب الأرجنتين و كل شعوب العالم الأخري .. و في فنزويلا كان المناضل الفنزويلي الزعيم "هوجو تشافيز" صاحب مشروع تكامل دول أميركا الجنوبية السياسي و الإقتصادي للوقوف جميعاً حائط صد لمواجهة مشروع العولمة الدي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ..


أما في مصر .. كان مشروع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو "بناء الإنسان" المصري الجديد عقب ثورة يوليو 52 و ما إستتبع ذلك من نجاحات عدة علي المستوي السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي .. ثم كان مشروع الرئيس الراحل أنور السادات "حرب أكتوبر" الذي حقق به النصر العسكري الذي غسل عار هزيمة 1967 المؤسفة .. و قد كان للرئيس الأسبق حسني مبارك مشروعاً للنهضة الإقتصادية عقد من أجله مؤتمراً إقتصادياً كبيراً أول سنوات حكمه عام 1982 إلا أنه سرعان ما إختفي ذلك المشروع و لم يعرف أحد عنه شيئاً و عاشت الدولة دون مشروع طيلة ثلاثة عقود مضت ..


و في أعقاب ثورة يناير 2011 كان من المفترض أن يكون مشروع أول رئيس للدولة هو "بناء الوطن" .. إلا أن الواقع الحادث علي أرض الوطن ينبئ بإستحالة تنفيذ ذلك المشروع .. ذلك لأن المشروع بمسماه أصلاً غير مطروح .. مشروع "بناء الوطن"لا يتحقق إلا بالبناء السياسي إلي جانب البناء الإقتصادي أيهما يسبق يلحق به الآخر .. و إن لم يتواجد أحدهما سقط المشروع و لم تقم له قائمة ..
من السهل أن تكون رئيساً .. لكن من الصعب أن تكون زعيماً .. و بين الإثنين يقف "مشروع" هو مفتاح الزعامة .. و حتي الآن مصر مازالت تبحث عن "زعيم" و "مشروع" ..

رأیکم