جو بايدن وحل الدولتين والتوقيت الخاطئ

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۸۴۲۱
تأريخ النشر:  ۱۸:۳۹  - الخميس  ۲۲  ‫فبرایر‬  ۲۰۲۴ 
بايدن غير مهيأ لاتخاذ خطوة عقابية ضد نتنياهو، ولو كانت رمزية، كما فعل أوباما سابقاً. ويبقى الحديث عن حل الدولتين محاولة لتحسين وضع بايدن الانتخابي ليس أكثر من ذلك.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ودخولها الشهر الخامس، كثر الحديث أميركياً عن أهمية حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لـ"إسرائيل"، مضيفاً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعتقد أن هذه أفضل وسيلة لضمان السلام والأمن لـ"إسرائيل" والفلسطينيين والمنطقة ككل.

ورغم أن الهدف الحقيقي لإدارة بايدن مرتبط بالبقاء دولة مهيمنة على السياسة والتجارة العالمية كمصلحة عليا للسياسة الخارجية الأميركية، من خلال إنجاح مشروع الممر الهندي الأوروبي الذي يقطع الطريق على "النفوذ الصيني" في العالم عبر مشروعه الاستراتيجي "الحزام والطريق"، وكما صرح "رافي أغاروال"، رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي، فإن مشروع الممر الهندي الأوروبي ينبئ بالسياسة الخارجية الأميركية "التي تشمل ببساطة أي شيء من شأنه تعزيز المصالح الأميركية في مواجهة الصين".

 لذلك، تعتبر إدارة بايدن أن تشكيل حلف صهيوعربي من خلال تحقيق التطبيع السعودي الإسرائيلي هو حجر الزاوية في إزالة العوائق أمام نجاح مشروع الممر الهندي الأوروبي، ولكن السعودية كدولة مركزية في العالم العربي والإسلامي لا يمكنها الذهاب إلى التطبيع مع "إسرائيل" رسمياً من دون حل للقضية الفلسطينية أو على الأقل إيجاد أفق لحلها.

في حقيقة الأمر، الدعوة لحل الدولتين ليست أمراً جديداً في الموقف الأميركي، فحل الدولتين يعتبر ثابتاً أساسياً من ثوابت السياسة الخارجية الأميركية منذ موافقتها على قرار "242" داخل مجلس الأمن للأمم المتحدة عام 1967.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن أميركا مؤمنة بأن حل الدولتين حل للأزمة الصهيونية اليهودية، وقطع للطريق على سياسة التدمير الذاتي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف، وتأثيرات ذلك المدمرة في "الأمن" الإسرائيلي في المدى البعيد، ومنع تحول "إسرائيل" إلى "دولة ثنائية القومية"، من خلال حل الدولة الواحدة الذي يسعى لتنفيذه اليمين الاسرائيلي من خلال الاستيطان والتهجير والإبادة الجماعية للفلسطينيين، وعدم السماح لإيجاد أي أفق سياسي لدولة فلسطينية، هدفها الأساسي أميركياً الحفاظ على يهودية "إسرائيل كدولة" لليهود وشرعنة وجودها في المنطقة وتحولها من "دولة" احتلال مارقة إلى دولة طبيعية تحظى باعتراف العالم وشعوبه.

إذاً، تسعى أميركا إلى حماية "إسرائيل" من نفسها عندما تطرح حل الدولتين، لكن يبقى السؤال الجوهري: كم مرة مارست ضغوطها على "إسرائيل" لإجبارها على القبول بحل الدولتين؟

 يعدّ خطاب نتنياهو في جامعة "بار_إيلان" عام 2009 مثالاً صارخاً على حقيقة الموقف الأميركي، إذ اكتفت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما آنذاك بحديث كلامي وإعلامي من نتنياهو عن حل الدولتين.

وعلى مدار 8 أعوام من حكم أوباما، لم تمارس الولايات المتحدة الأميركية أي ضغط حقيقي على نتنياهو وحكوماته للسير قدماً في حل الدولتين، حتى مبادرة وزير خارجيته جون كيري فعلياً لم تستطع حتى إجبار حكومة نتنياهو على إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، من أجل الدفع بخطة كيري للعودة إلى التفاوض مع السلطة الفلسطينية، بل كلّ ما استطاعت أن تفعله إدارة أوباما في الأيام الأخيرة لها في البيت الأبيض هو أن تمتنع عن استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن عند التصويت على قرار رقم "2334"، الذي دان عمليات الاستيطان الإسرائيلية. ورغم أنه اعتبر ذلك سابقة تاريخية في مجلس الأمن، فإنَّ إدارة كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحتى جو بايدن لم تفعل شيئاً في إطار تفعيل هذا القرار.

قد تعتقد إدارة جو بايدن في ظل تراجع تأييد نتنياهو شعبياً بعد عملية طوفان الأقصى أن إعادة طرح حل الدولتين ستعجل إسقاط حكومة نتنياهو من خلال إحداث انشقاق في المواقف بين نتنياهو وحلفائه من الصهيونية الدينية، إذ بدأ وزير المالية بتسلئيل سيموتريتش يطالب بقوة بإصدار قرار من الكابينت الإسرائيلي يرفض بشكل قاطع حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على أي جزء ما بين النهر والبحر، الأمر الذي سيرفضه نتنياهو، لأن ذلك سيقلص هامش المناورة لديه في إدارة للعلاقات مع أميركا والمجتمع الدولي برمته.

لذلك، المراهنة الأميركية على إسقاط نتنياهو من خلال الحديث عن الدولة الفلسطينية ليس رهاناً خاطئاً فحسب، بل يخدم أيضاً تثبيت حكومة نتنياهو، الذي تعتمد دعايته الانتخابية على أنه الشخصية السياسية الوحيدة التي تستطيع منع قيام دولة فلسطينية من خلال قدرته على الوقوف في وجه إدارة جو بايدن وقول لا لدولة فلسطينية.

الضغط الأميركي على نتنياهو وحكومته اليمينية، ورغم كل ما قدمته إدارة الرئيس جو بايدن لـ"إسرائيل" في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، جعل بايدن يحصل في بداية الحرب على لقب الرئيس الأميركي الأكثر صداقةً ودعماً لـ"إسرائيل" في تاريخ الرؤساء الأميركيين، لكن سرعان ما تعالت أصوات وزراء اليمين الإسرائيلي المتطرف في حكومة نتنياهو لتهاجمه بشكل علني.

يكفي الاستماع إلى خطاب (الماعز) بن غفير على منصة الكنيست، حين قال: "هل بدأت واشنطن إدارة "إسرائيل" رسمياً؟ لن نصبح جمهورية موز، ولن نصبح ماعزاً"، لكي ندرك كيف فقد بايدن كل التقدير والود الصهيوني الذي حظي به في بداية الحرب. وقد عادت شعارات استقلالية القرار الإسرائيلي، وليس "إسرائيل" النجمة "51" على العلم الأميركي. نتنياهو نفسه تفاخر بأنه الوحيد الذي يستطيع أن يقول لا للأميركيين.

وعلى الرغم من أن إدارة جو بايدن بدأت تمارس ضغطها على حكومة اليمين الاستيطاني من خلال مرسوم العقوبات ضد مجموعة من المستوطنين الذين يقودون أعمالاً إرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبدء إدارة بايدن في التفكير في إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما ذكر موقع "إكسيوس"، بأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طلب من أعضاء وزارته إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية بشأن اعتراف محتمل بالدولة الفلسطينية بعد حرب غزة، فإن كل هذه الضغوط تأتي في التوقيت الخاطئ أميركياً، فالانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب وإمكانية نجاح بايدن بولاية ثانية مشكوك فيها، ولن يذهب بايدن بعيداً في الضغط على "إسرائيل" لكي لا يفقد الصوت اليهودي المؤيد لـ"إسرائيل" بعدما فقد الأصوات المعارضة لسياساته الداعمة لـ"إسرائيل" في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة. 

لذلك، بايدن غير مهيأ لاتخاذ خطوة عقابية ضد نتنياهو، ولو كانت رمزية، كما فعل أوباما سابقاً. ويبقى الحديث عن حل الدولتين محاولة لتحسين وضع بايدن الانتخابي ليس أكثر من ذلك.

انتهی/

رأیکم