بوتين و ترامب.. بين محاربة الإرهاب ومحاربة الإسلام

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۹۲۰۱
تأريخ النشر:  ۱۵:۲۳  - الأَحَد  ۰۵  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۷ 
لایبدو إمكانية توصل الجانب الروسي والأمريكي إلى رؤية مشتركة حول محاربة الإرهاب في سورية والمنطقة، لسبب رئيس يكمن في اختلاف المفاهيم حول الإرهاب، ناهيك عن تضارب المصالح بين البلدين
بوتين و ترامب.. بين محاربة الإرهاب ومحاربة الإسلامطهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباءلست من الذين يعتقدون بإمكانية توصل الجانب الروسي والأمريكي إلى رؤية مشتركة حول محاربة الإرهاب في سورية والمنطقة، لسبب رئيس يكمن في اختلاف المفاهيم حول الإرهاب، ناهيك عن تضارب المصالح بين البلدين، وتعارض رؤية بوتين التي تقول بعالم آمن مستقر ومزدهر على أساس الشراكة في حل الأزمات الإقليمية والدولية مع رؤية ترامب التي تعتقد بأمريكا كقوة عظمى وحيدة مهيمنة يدين لها العالم بالولاء بغض النظر عن الحق والقانون والأخلاق.

فالرئيس ترامب، أبان عن عنصرية مقيتة تجاه كل ما هو "إسلامي”، وأعلن صراحة الحرب على ما أسماه بـ”الإسلام الراديكالي” الذي يجمع في سلة واحدة بين الإرهاب الوهابي والسلفي الإخونجي من جهة، وحركات المقاومة الشريفة ضد الكيان الصهيوني المجرم وأدواته التكفيرية من جهة أخرى، بالرغم من أن التنظيمات الإرهابية قدمت خدمات جليلة لأمريكا و”إسرائيل” في أكثر من منطقة ومناسبة، لكنها، وبفضل شجاعة وإرادة المقاومة الباسلة فشلت في تحقيق أي من الأهداف التي تم توظيفها من أجلها، لا في أفغانستان ولا في العراق ولا في سورية أو لبنان.

ومرد هذا الموقف العنصري البغيض، أن ترامب صهيوني الروح يهودي العقيدة، بدليل أن كل القرارات التي اتخذها في بداية عهده تصب جميعها في خدمة "إسرائيل” وليس أمريكا، لدرجة أصبح شعار "أمريكا أولا” يعني حرفيا "إسرائيل أولا”، بدليل أن ترامب بقراراته الفاشية ضد المسلمين ضرب بالدستور والقيم الأمريكية عرض الحائط، وحوّل سياسة بلاده ودبلوماسيتها وقوتها العسكرية لخدمة "الدولة اليهودية” في فلسطين المحتلة حين أعاد بوصلة بلاده نحو إيران، لا لجرم ارتكبته سوى أنها ترفض الاعتراف بـ”إسرائيل” وتعمل بمعية حلفائها على اقتلاعها من جسد الأمة..

وترامب لا يمكن أن يقبل بهذا، وهو البروتستانتي المتطرف الذي يؤمن بنبوءة مقدم المسيح عليه السلام لإنقاذ شعب الله المختار من أعدائه المسلمين، ويعمل ما بوسعه لتسريع هذا الحدث الكوني العظيم طمعا في أن يشفع له في الخلاص، مقدما بين يد ‘يهوه’ دماء المسلمين أعداء شعب الله المختار على مذبح الهيكل الذي يمهد لإقامته في القدس الشريف على أنقاض المسجد الأقصى.

وحيث أن جوهر الصراع هو إديولوجي "ديني” بامتياز، فقد رأى ترامب في تحويل الإسلام إلى عدو وإعلان الحرب على أتباعه من البوابة الإيرانية مدخلا لتسريع قيامة المسيح عليه السلام، لذلك كان أول وعد أطلقه في حملته الانتخابية هو نقل سفارة بلاده إلى القدس الشريف وإطلاق يد الصهاينة في الاستيطان للسيطرة على كامل فلسطين وترحيل أهلها منها إلى صحراء سيناء ليعانون التيه الذي عاناه اليهود قبلهم في صفقة تطبخ في الكواليس على نار هادئة مع عملاء "إسرائيل” في المنطقة.

وحيث أن الأمر كذلك، فطبيعي أن يكون المدخل السياسي لتجسيد هذه الرؤية التوراتية المحرفة هو اعتبار "الإسلام” دينا شريرا مفرخا للإرهاب وسببا رئيسا في انعدام الأمن والاستقرار في العالم، ليعود الإسلام غريبا كما بدأ غريبا كعلامة من علامات يوم الله الأكبر، ما يؤشر إلى أن ترامب بصدد التحضير لحرب ضد إيران ستتحول لا محالة إلى حرب إقليمية فعالمية.

وقد أعلن ترامب صراحة أن كل الخيارات مطروحة ضد إيران بعد اختبار صاروخها الباليستي وتفجير الفرقاطة "السعودية” في البحر الأحمر من قبل أنصار الله، والتي يعتقد ترامب أن التفجير تم بصواريخ إيرانية ما أرعب جنرالات البنتاغون فسحبوا بوارجهم بعيدا عن الحدود اليمنية.

وبهذا المعنى، فـ’ترامب’ يصر اليوم وبإلحاح على ربط الإرهاب بالإسلام ليتحول المفهوم في عهده إلى حقيقة "ثقافية” كونية يسلم بها الجميع، وهذه سابقة لم يعهدها العالم من قبل، لأنه حتى في عهد أوباما على علاته، لاحظنا كيف كان الرجل يتجنب ربط الإرهاب بالإسلام ويرفض هذا الاستخدام في الخطاب الرسمي لأعضاء إدارته، وكان يميز بين الدين والإرهاب الذي لا دين له.

ورأينا كيف أنه استبدل عبارة "الدولة الإسلامية” بـ”داعش” مترجمة إلى الانجليزية كي لا يتهم بتوظيف الإرهاب للنيل من الإسلام والإساءة للمسلمين، هذا في ما بعض المُتحوّلين من قومنا الذي يستبدلون مواقفهم كما يستبدلون قمصانهم، كانوا يرفضون استخدام "داعش” في افتتاحياتهم المسمومة ومقالاتهم الإنشائية، ويصرون على ربط الإرهاب بالإسلام من خلال تكرار مصطلح "الدولة الإسلامية” حد القرف ليرسخ في عقول الناس ويصبح من مفردات الثقافة الشعبية.

*** / ***

أما الرئيس بوتين، فمن موقعه، ومعرفته الدقيقة بمن يغذي الإرهاب بالأفكار الهدامة ويموله، ومن يدربه ويسلحه ويوظفه في بؤر الصراع لأهداف جيوسياسية، فقد كان يرفض ربط الإرهاب بالإسلام، ويصر على تسميته بـ”الإرهاب الدولي”، وأعطى تعليمات صارمة لإدارته ومؤسسات الإعلام في بلاده كي لا يتم الربط بين الإرهاب والدين، واستخدام مصطلح "الإرهاب الدولي” بدل ذلك لما يحمله من دلالة معبرة تجمع بين المفرخ والممول والمسلح والمدرب والموظف لهذا الشر.

وتذهب الصحافة الروسية حد التأكيد أن مصطلح "الإرهاب الإسلامي” محرّم في لغة بوتين وإدارته، ولا يسمح باستعماله بالمطلق من باب التمييز بين الإرهاب والدين الإسلامي لما له من مكانة في العالم أجمع، لأن الرئيس بوتين يرفض استغلال المشاعر الدينية لدى البسطاء من الناس لتحقيق أهداف سياسية، هذا علما أن أول من روج لهذا المصطلح وحث وسائل الإعلام العالمية على استخدامه هي "إسرائيل”، فتبنته فرنسا بشكل سافر، وذهبت حد تحريض بعض كبريات الجرائد والمجلات الفرنسية على اعتبار "القرآن” هو مصدر الشر المحرض على العنف والكراهية والقتل، وتشويه صورة محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الكاريكاتير، ما يؤكد أن الخوف من الإسلام لدى اليهود الصهاينة عقدة نفسية مركبة يتوارثونها في جيناتهم الخبيثة منذ زمن الرسالة وإلى أن يفعل الله أمرا كان مقدورا.

هذا ما اتضح من خلال مكالمة ترامب مع بوتين الجمعة الماضية، بحيث تبين أنه في الوقت الذي كان الرئيس بوتين يتحدث عن سحق الإرهاب الدولي، كان ترامب يصر على محاربة الإديولوجيات العنيفة التي يسميها "التشدد الإسلامي” بحسب ما نقلته وكالة رويترز للأنباء، مضيفة أن ترامب بصدد تغيير اسم برنامج مكافحة الإرهاب الذي كان يسمى في عهد إدارة أوباما بـ”مكافحة التطرف العنيف”، حيث سيصبح الاسم الجديد الرسمي هو "مكافحة التشدد الإسلامي المتطرف”، وبذلك، يستثني ترامب من التطرف العنصرية ضد السود وإرهاب العنصر الأمريكي الأبيض تجاه اللاتين والمسلمين وغيرهم، ناهيك عن أنه يحول إرهاب "إسرائيل” ضد المدنيين الفلسطينيين الذين يعانون من ظلم الاحتلال إلى دفاع مشروع عن النفس ضد "إرهابيين” لا لشيئ سوى لأنهم يعتنقون الإسلام، في ما سيسمح للمسيحيين المشرقيين بالهجرة إلى أمريكا والغرب كي لا تطالهم نار الحرب.

وبهذا المعنى، يدرك الرئيس بوتين أن أي تحالف مع ترامب لمحاربة الإرهاب سيفقده مصداقيته وعقلانيته ويحوله إلى هدف مشروع، ليس للجماعات الإرهابية فحسب بل ولكل المسلمين، لأن هدف سياسة ترامب الأساس هو تحويل المسلمين إلى متطرفين من خلال استفزازهم وتحقيرهم، وبالتالي، فالفوضى لن تكون بحجم ما أحدثه أوباما في المنطقة، بل ستطال العالم أجمع، وستؤدي حتما إلى خراب أمريكا ونهايتها في حال استمر هذا المجنون على سدة البيت الأبيض.

وترامب يعتقد أنه بتحويل الإسلام إلى دين شرير على شاكلة ما حصل مع النازية والفاشية سيحول المسلمين إلى إرهابيين محتملين يشكلون خطرا داهما على الغرب، وسيدفع بالغرب للتحالف معه ضد إيران ومحور المقاومة الذين تعتبرهم تل أبيب خطرا وجوديا لا يمكنها العيش بأمان من دون القضاء عليهم، لهذا لم يدرج ترامب "السعودية” ومشيخات الخليج ضمن الدول المتشددة التي منع مواطنيها من السفر إلى أمريكا، لحاجة ترامب إلى صناديق مشيخات الخليج السيادية لتمويل حروبه العبثية ضد إيران ومحورها، ثم يأتي الدور بعد ذلك على ‘آل سعود’ والصهاينة الأعراب بعد أن ينفذ منهم مال الزيت.

*** / ***

خطورة ترامب تكمن في أنه رجل أهوج مسكون بجنون العظمة، وقد بلغ به الأمر وفق ما نقتله وسائل إعلام أمريكية أنه طلب من مستشاريه وبعض مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية التحضير لسيناريو وتداعيات اندلاع حرب عالمية، الأمر الذي يؤكد أن خطورة الرجل تجاوزت حدود العقلانية.

فهو أعلن أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة لإيران، وقال أنها ستدفع ثمن انتهاكها للاتفاق النووي بالتجربة الصاروخية التي أجرتها، برغم أن الوكالة الدولية للطاقة ومجلس الأمن وعديد الحكومات الأوروبية اعتبرت أن التجربة الإيرانية لا تنتهك الاتفاق النووي، وقال أن على طهران أن تكون ممتنة للولايات المتحدة، لأنها سلتها 150 مليار دولار حين كانت على حافة الإفلاس وفق زعمه، وهي للإشارة أموال إيرانية حجزتها واشنطن من دون وجه حق واستفادت منها لسنوات، فكيف تكون إيران ممتنة لأمريكا؟..

من الواضح أن ترامب رجل خطير يتجاهل الواقع ويقفز فوق الحقائق ويتحدى المؤسسات في بلاده والعالم، وقد نجح في أقل من أسبوعين من ولايته في خلق صدام مع المكسيك بشأن الجدار على الحدود، وخلاف حاد مع أستراليا بشأن الهجرة، وتوتر مع أوروبا بشأن الحمائية الاقتصادية وحماسته لتفكيك مكونات الاتحاد الأوروبي لإضعافه، وتسبب في نزاع حاد قد ينفجر مع الصين بسبب تايوان وتدخله في بحر الصين الأمر الذي دفع بيجين لنشر صواريخها النووية العابرة للقارات على الحدود الروسية، وها هو يصعد اليوم بشكل لافت وغير مسبوق مع إيران ويحضر للعودة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط من أجل "إسرائيل”.

وإيران ليست جمهورية موز لتعبأ بالخطاب الترامبي الجديد، بل استهجنته واحتقرت إدارة ترامب بقولها أن على الإدارة الأمريكية أن تكف على تهديداتها الفارغة، وأن عليها أن تتعظ من تجاربها الفاشلة في العراق وسورية وأفغانستان، وهذا يعني أن إيران تضع بدورها كل الخيارات على الطاولة ومستعدة لكل الاحتمالات، ولها خياراتها التي لا يمكن أن يتوقعها ترامب ومستشاروه الصهاينة، وحتما ستكون "إسرائيل” أول من سيدفع الثمن ومعها داعميها من العملاء في المنطقة.

وقد كانت عملية إطلاق الصاروخ الباليستي الإيراني الذي تجاوز مداه 2000 كلم مناسبة لاستفزاز واشنطن بهدف معرفة نواياها الحقيقية، لكن وهذا هو الأهم، كانت التجربة اختبارا لنوايا موسكو أيضا لمعرفة مدى متانة التحالف القائم بينهما، وقد فهم الرئيس بوتين الرسالة فبعث بوزير خارجيته إلى طهران على وجه السرعة، ليعلن من هناك أن روسيا متمسكة بالتحالف مع إيران، وتنوي تعزيزه في كل المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية، وأن تحالفها مع طهران له طابع إستراتيجي متين.

وهذا يعني أن روسيا لا تعول على ترامب، خصوصا بعد أن تبين لها تهوره وجنونه وخطورته على مصالحها وعلى المنطقة والعالم، وبذلك، تكون قد أكدت أيضا وبشكل ضمني عدم تخليها عن تحالفها الإستراتيجي مع الصين، ما يعني أن روسيا لن تترك إيران ولا الصين تواجه واشنطن دون أن تنخرط في الحرب إلى جانبهما إن اقتضت الضرورة، لأنها هي أيضا مستهدفة، وسياسة الخديعة التي يمارسها ترامب معها لن تنجح في تحييدها ودق إسفين بينها وبين إيران من جهة، وبينها وبين الصين من جهة ثانية.

نتمنى أن تكون تهديدات ترامب مجرد فقاعات فارغة وبالونات اختبار فاشلة، أما إذا كان الرجل مصمم على ما يقول وعازم على تنفيذ ما يهدد به، وهذا هو ما يبدو من الظاهر حتى الآن على الأقل، فإننا سنكون أمام مشهد لتفكك امبراطورية روما الجديدة التي ستعمها الفوضى التي صدرتها للمنطقة والعالم، لتنهار كما انهارت إمبراطوريات متعجرفة قبلها، لكن الفرق هذه المرة أن الانهيار سيكون سريعا وضدا في سنن التاريخ.

وما ذلك على الله بعزيز، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمن يعلن الحرب على الإسلام الذي ارتضاه تعالى دينا لعباده كافة، ولن يكون في مقدور ترامب أو غيره من الصهاينة إطفاء نور الله لأنه متم لنوره ولو كره الكافرون..

هذا وعد الله للمؤمنين من عباده.

المصدر: بانوراما الشرق الأوسط---أحمد الشرقاوي
رأیکم