"داعش" وحلم الوصول الى الشواطئ..

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۹۲۹۷
تأريخ النشر:  ۱۶:۴۸  - الأربعاء  ۰۸  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۷ 
ليس صحيحًا ما قاله رئيس الوزراء العراقي ولا ما يقوله غيره بأنّ تنظيم "داعش" قد هُزم عسكريًا، فهذا التنظيم رغم كل ما يتعرض له من تراجعات وخسارات للجغرافيا في العراق وفي سوريا لا يزال يمتلك قدرات كبيرة في العديد والتسليح والمناورة، وهو على ما يبدو لا يزال قادرًا على تغيير جلده والإستمرار في الزحف كالأفعى الرقطاء تحت رمال الصحاري والبوادي العراقية والسورية، وفي كثير من نقاط الإرتكاز الحضرية على ضفاف الفرات وفي الجرود والوديان.
 طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء الجغرافيا والبيئات الحاضنة والحرب اللانمطية عوامل تساعد هذا التنظيم على الإستمرار والتنامي، وانا عندما أستخدم مصطلح التنظيم في توصيف "داعش" فإني أعني ما اقول، فقد اثبت على مدى سنوات من الحرب قدرات كبيرة ما كان يمكن أن تحصل لولا الحديدية الكبيرة في تنظيم الموارد والقدرات والمناورة والهجمات الخاطفة الناجحة والإنكفاء عندما تدعو الضرورة.
طبعًا انا لست بصدد مدح التنظيم عندما اقارب الأمر بهذا الشكل، بقدر ما بتنا نحتاج الى توصيفات دقيقة لطبيعته تنطلق من تجربتنا في مواجهة هذا التنظيم الذي يعتبر برأيي الأخطر من بين الجماعات السلفية والوهابية الأخرى.
الشواطئ هي حلم "داعش" الدائم، رغم ان الهدف الرئيسي هو السيطرة على قلب المنطقة العربية في العراق وسوريا والأردن ومصر والجزيرة العربية وصولًا حتى اليمن، وهو هدف يبدو واضحًا الى درجة كبيرة في نظرية الذراعين التي تكلم عنها احد كبار المنظرين في الفكر التكفيري عبد الله بن محمد في وثيقته "المذكرة الإسترتيجية". وللتذكير، فالذراعان هما في خطة القاعديين الجدد بلاد الشام واليمن وما بينهما، اي الجزيرة العربية وبلاد الرافدين.
اذا ما استعرضنا تموضع "داعش" الحالي لوجدنا أن مواطئ قدمه في بلاد الشام لا تزال راسخة وممتدة بعمق كبير نحو العراق، فهزيمة التنظيم في الموصل لا تعني له نهاية المواجهة بل محطة خاسرة حيث يمتلك قادة "داعش" عقلًا وانماطًا متحركة قادرة على استخدام الجغرافيا المترامية والبيئة الحاضنة لسنوات طويلة. ويكفي ان ننظر الى اللون الأسود في الخرائط، سواء في سوريا او العراق لنتبين حجم الأرض الواسعة التي يبسط "داعش" سيطرته عليها، وهي ستؤمن له لفترة طويلة قدرات المناورة في ارض معقدة التضاريس وتحتاج الى مئات آلاف الجنود وربما اكثر لضبطها والتحكم بممراتها.
من مشارف معمل حيان للغاز حتى تدمر وامتدادها الرقة، لا يزال هذا التنظيم يقاتل وينظم عمليات الدفاع والهجوم في مساحات مفتوحة تهدد منافذ هامة كالقريتين والقلمون الشرقي وصولًا حتى مطار السين، وهي عقد ربط هامة سيبقى التنظيم يعمل على السيطرة عليها في البعدين التكتيكي والإستراتيجي.
وما دعاني في الحقيقة الى كتابة هذا الموضوع هي العمليات التي يشنها "داعش" على مطار السين، حيث يهدف للسيطرة على القاعدة الجوية هناك، تلك القاعدة التي تؤمن للجيش السوري قدرات نارية كبيرة وتعتبر عقدة ربط لطرقات "داعش" بين سوريا والعراق والأردن ولبنان، في حين أنّ تنشيط جبهة سيناء بالشكل الذي يحصل في العراق وسوريا يبدو غير متاح حاليًا للتنظيم، وهي جبهة سيعمد التنظيم الى تفعيلها بالبعد الميداني اذا ما استطاع إحداث ربط فاعل بين جبهاته البديلة في العراق وسوريا. وما اقصده بالجبهات البديلة هو أنّ التنظيم يستعد بلا شك لخوض معركة الرقّة بعد خسارته لمعركة الباب، وهي جبهة تستدعي منه الحفاظ على تموضعه في تدمر والرقة ودير الزور وصولًا الى الميادين والبوكمال ومناطق التموضع الكبيرة في العراق، وتحديدًا في منطقة مثلث الحدود العراقية السورية والاردنية حيث لا يزال "داعش" فاعلًا.
إذا ما نظرنا الى العمليات الأخيرة في الأردن، لتبيّن لنا أنّ التنظيم موجود في الأردن، وهو أمر ليس خافيًا وإن كنت أعتقد انه في مرحلة الكمون والإستعداد.
إضافةً الى خوضه معاركه الأخيرة في مدينة الباب والموصل، يجب ان نأخذ بجدية عمليات "داعش" في مطار السين، حيث الهدف الأبعد من السيطرة على المطار هو إعادة وصل الباديتين العراقية والسورية بالقلمون الغربي من جهة تدمر ومن جهة مطار السين، وصولًا الى جبال لبنان الشرقية حيث يمتلك "داعش" موطئ قدم ويسيطر على مناطق ذات تضاريس معقدة تؤمن له التموضع بعيد المدى ولا ينقصها إلّا العمق وخط الإمداد الثابت.
قد يعترض البعض على توصيفي ويعتبره خياليًا بعض الشيء، حيث أنّ عملية الربط التي أتكلم عنها تعني في مكان ما قطع التواصل بين العاصمة دمشق والمنطقة الجنوبية لسوريا من جهة، والمنطقة الوسطى والشمالية لسوريا من جهة اخرى، وهو هدف خطير متعذّر الحدوث بالنظر الى تموضع القوى الحالي للجيش السوري، إلّا اذا نظرنا الى حركة "داعش" التي تمتاز بالحركة السريعة والانتقال من بؤرة الى أخرى وقدرات التحشيد الخفية، ومثالي هنا مدينة تدمر التي استطاع "داعش" استعادة السيطرة عليها خلال يومين، وهو امر تكرر مع التنظيم في اغلب هجماته قبل سيطرته على منطقة ما.
الركون الى فرضية عدم قدرة "داعش" على تنفيذ هكذا سيناريوهات يعني الإستهانة بقدراته، وطالما أننا قادرون على قراءة فكر وحركة هذا التنظيم فيجب ألّا نستبعد اي سيناريو، والمشكلة الكبيرة ان دول المواجهة تواجه دون تنسيق مباشر على المستويين العسكري والإستخباراتي وهي الثغرة التي يتسلل منها "داعش".
الحل هو في العمليات الإستباقية على منطقة ربط واسعة يمكن ان تشكل قاعدة بديلة لقواعد تموضع "داعش" الحالية، فعلى الأردن ان يبدأ عمليات جدية في الداخل الأردني وعلى حدوده، وكذلك على لبنان ان يأخذ المبادرة في شن عمليات تقضي على "داعش" والنصرة ايضًا في جرود راس بعلبك والقاع وعرسال. فهذا التوجه يشجع "داعش" في القلمون الشرقي والبادية السورية على القيام بعمليات كما عملية مطار السين، ومحاولة التقدم مجددًا نحو القريتين ومهين وصدد لتشكيل رأسي سهم هجوم من القلمون الشرقي ومن مهين وصدد.
قد لا يحقق "داعش" حلمه بالوصول الى الشواطئ قريبًا في بلاد الشام وسيناء واليمن، ولكنه حتى اللحظة يحاول ومن واجبنا قطع محاولاته عبر فهم طرق وانماط تفكيره وقدراته، وهو ما تبدو مقدماته واضحة من خلال التنسيق الروسي مع الأردن والذي يجب ان يحصل مع لبنان ايضًا لبدء مواجهة قادمة في الحد الأدنى من التنسيق والتفاهم.
*عمر معربوني - بيروت برس
رأیکم