التّعديلات الدستوريّة تُحوِّل مِصر إلى "ملكيّةٍ عسكريّةٍ" والسيسي رئيسًا مدي الحياة

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۵۷۵۱
تأريخ النشر:  ۱۰:۵۱  - الأربعاء  ۰۶  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۹ 
يَصعُب علينا في هذه الصّحيفة "رأي اليوم" أن نفهم هذه الضجّة الكُبري المُثارة حاليًّا في بعضِ الأوساط المِصريّة سواء داخل مِصر أو خارجها بسبب إدخال تعديلات دستوريّة تسمح للرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي بالبقاء في الحُكم حتي عام 2034، فالبرلمان الذي عدّل هذا الدستور لم يتم انتِخاب أعضائه بطَريقةٍ ديمقراطيّةٍ شفّافة، واقتَصرت عُضويّته علي المُؤيّدين للرئيس، باستِثناء 16 عُضوًا في حزب يقول إنّه "مُعارض" من مجموع ما يَقرُب من 600 عُضو، كما أنّ نتائج الاستِفتاء الشعبيّ للمُصادقة النّهائيّة عليها بعد شهرين مَعروفةٌ مُسبقًا، إن لم تَكُن قد تحدّدت بنسبة المُؤيّدين قبل شهرين.

التّعديلات الدستوريّة تُحوِّل مِصر إلى طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - الرئيس السيسي يُمثّل المؤسسة العسكريّة المِصريّة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وبالعمليّة الديمقراطيّة المِصريّة والرئيس المُنتخب محمد مرسي في تمّوز (يوليو) عام 2013، وأسّست "لملكيّة عسكريّة" باتت تتحكّم بالبِلاد والعِباد وتُمسِك بقبضتها الحديديّة علي كُل مُؤسّسات الدولة المصريّة ومُقدّراتها دون أيّ مُنافس، ومَن يُعارض وتُشكّل مُعارضته خطَرًا، مكانه خلف القُضبان، إن لم يَكُن علي مِنصّات المشانق.

لم يَكُن من قبيل الصّدفة أن تأتي هذه التّعديلات الدستوريّة التي كان مِن أبرز موادها الجديدة تأكيد علي "دور الجيش المِصريّ في صون الدّستور والديمقراطيّة"، بعد أيّام مِن احتفالات الذّكري السنويّة لثورة 25 كانون الأوّل (يناير) عام 2013، التي أطاحت بحُكم الرئيس حسني مبارك، الديكتاتوريّ الفاسد، فاختِيار هذا التّوقيت كان مقصودًا لدفن هذه الثورة الشعبيّة العظيمة وإرثِها الدّيمقراطيّ.

أنصار الرئيس السيسي يقولون إنّ تمديد ولايته حتي 2034 يأتي ضروريًّا لإتاحة المزيد من الوقت أمامه لتنفيذ خُطط التنمية الاقتصاديّة التي بَدأها، وضمان استقرار مصر التي تُواجه أخطارًا أمنيّةً عديدةً وسط جِوارٍ مُلتهبٍ، بينما يري مُعارضيه أن هذا التّمديد يُحوّل مِصر إلي ديكتاتوريّة عسكريّة، ويُلغي الحريّات الديمقراطيّة بأشكالها كافّة، بِما في ذلك التّداول السلميّ للسُّلطة عبر صناديق الاقتِراع في انتخاباتٍ شفّافةٍ.

طبعًا هُناك تعديلات أُخري مِثل إلغاء الهيئة الوطنيّة لكُل من الإعلام والصحافة، ولكن أين هو الإعلام، وأين هي الصحافة، في الوقت الذي تحتل فيه مِصر المرتبة رقم 105 حسب تقرير مُنظّمة الشفافيّة الدوليّة للحريّات، الشيء نفسه يُقال أيضًا عن المادّة المُتعلّقة بإنشاء مجلس شيوخ مُكوّن من 250 عُضوًا يُعيّن الرئيس ثلثهم، فهذا المجلس سيكون نُسخةً طِبق الأصل من البرلمان الصوريّ الحاليّ، مُجرّد صورة أو "خيال مآته".

الرئيس السيسي الذي يضع كُل السلطات بين يديه يتبع التجربة الصينيّة بكُل حذافيرها، أيّ إلغاء الانتخابات الرئاسيّة مثلما فعل الرئيس الصينيّ الحاليّ تشي جين بينع، ولكنّ الرئيس الصينيّ وحزبه قاد الصين إلي مصاف الدول العُظمي، وجعل من اقتِصادها ثاني أقوي اقتصاد في العالم بعد نظيره الأمريكيّ، ومن المُتوقّع أن يقفز إلي المرتبة الأُولي في غُضون خمس سنوات، فهل سيُحقّق الرئيس السيسي الإنجاز نفسه في مِصر ويُعيدها إلي مكانتها كقوّة قياديّة رائدة في الشرق الأوسط والعالم؟ هذا السّؤال افتراضيٌّ وسابِقٌ لأوانِه، ولكنّ هُناك الكثير من الشّكوك خاصَّةً في أوساط المُعارضين المِصريين، وما أكثرهم.

المُقرّبون من الرئيس السيسي ونظام حكمه يَهمِسون بأنّ الأمن والاستقرار يتقدّمان علي كُل شيء بالنّسبة إليه وأجنداته، بِما في ذلك الديمقراطيّة، لأنّ التنمية الاقتصاديّة لا يُمكِن أن تتحقّق في ظِل الفوضي والإرهاب، ولكن الرّد علي هذه المقولة يبدو سهلًا لأنّ هُناك العديد من الدّول في العالم تحوّلت إلي نُمور اقتصاديّة عبر بوّابة الديمقراطيّة والحُريّات، أبرزها ماليزيا وأندونيسيا، ناهِيك عن الدول الغربيّة.

المرحوم محمد حسنين هيكل، الذي كانَ من أبرز المُؤيّدين للرئيس السيسي، أكّد في جلسةٍ خاصّةٍ انعقدت في بيروت أثناء زيارته لها قبل وفاته ببضعة أشهر، أنّ مِصر لن يحكمها إلا الجيش المصري، وأحد ضبّاطه علي وجه الخصوص، سواء كان ببزّة عسكريّة أو ملابس مدنيّة، والمُؤسّسة العسكريّة هي التي أطاحت بالرئيس مبارك لأنّه رضخ في أيّامه الأخيرة لضُغوط زوجته وقبل بتولّي ابنه جمال السّلطة من بعده ومنحه والمجموعة المُحيطة به صلاحيّات واسعة حتي بات الحاكم الفِعليّ للبِلاد.

ما جَري ويجرِي يُؤكّد هذه النّبوءة، فمِصر تترسّخ فيها "الملكيّة العسكريّة" حاليًّا، والرئيس السيسي سيَبقي في السلطة ليس فقط حتي 2034، وإنّما طالما بقي حيًّا، ويتمتّع بدعم مؤسسة الجيش، وسيُعدّل الدستور مرّةً أُخري في ثوانٍ مَعدودةٍ، اللهم إلا حدثت "معجزة ما"، ليس إلا، رغم ثقتنا بأنّنا لسنا في زمن المُعجزات.. واللُه أعلم.

"رأي اليوم"

انتهى/

الكلمات الرئيسة
رأیکم